حل حركة “حزم” المعارضة نكسة كبرى للمشروع الامريكي الخليجي في سورية

بالعربي: كتب عبد الباري عطوان: تتصرف الادارة الامريكية هذه الايام وكأن الاتفاق النووي بينها وبين ايران قد جرى توقيعه فعلا، وان على جميع الاطراف في المنطقة العربية والخليجية منها بالذات التعامل مع هذه الحقيقة كأمر واقع، ويتضح هذا من خلال اللقاء الذي تم ترتيبه على عجل بين جون كيري وزير الخارجية الامريكي ونظرائه في دول الخليج العربي في قاعدة عسكرية بمدينة الرياض بهدف طمأنتهم وبلدانهم من نتائج هذا الاتفاق، وتأكيد التزام واشنطن باستمرار التحالف معها، وانه، اي الاتفاق، لن يكون على حسابها ومصالحها.

ولعل ابرز ما قاله كيري في حديث للصحافيين قبل مغادرته سويسرا بعد اجتماعه مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف “ان واشنطن ما زالت قلقه من محاولات ايران نشر نفوذها في المنطقة، وان التقارب مع ايران مرتبط بالمسألة النووية فقط”.
وقال كيري ان الاولوية لدى بلاده الان مواجهة الارهاب، على حسب تعبيره، ويقصد بذلك “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة”، وكان واضحا انه يؤيد الدور الايراني باخراج “الدولة الاسلامية” من تكريت، كرد مباشر على القلق الخليجي للدور العسكري الايراني المتنامي في العراق وسورية، مما يعني ان الاستراتيجية الامريكية اصبحت تعتبر ان ايران قوة اقليمية متنامية يمكن الاعتماد عليها، حسب المنظور الامريكي الجديد، وهذا امر ربما يزيد من خيبة امل هذه الدول الخليجية التي وضعت كل بيضها في سلة الخطة الامريكية لاسقاط النظام السوري التي جرى تبنيها قبل اربع سنوات.
السياسة الامريكية ليس في سورية فقط، وانما في منطقة الشرق الاوسط بأسرها تخرج من مأزق لتقع في آخر، وتتسم بالارتباك وغياب الرؤية الواضحة، ففي الوقت الذي تعلن فيه الادارة الامريكية البدء في تدريب وحدات خاصة من المعارضة السورية “المعتدلة” في كل من تركيا وسورية، تعلن حركة “حزم” اكبر الفصائل المعارضة “المعتدلة” في منطقة حلب الاعتراف بهزيمتها بعد قتال شرس مع جبهة النصرة، وحل نفسها واندماج جنودها (5000 مقاتل) في الجبهة الشمالية.
***
اهمية هذا الاعتراف بالهزيمة يكمن في كون حركة “حزم” هذه التنظيم المعارض الاكثر قربا لقلب الولايات المتحدة، واكثر تسليحا من قبلها، وهي الحركة الوحيدة تقريبا التي حصلت على اسلحة امريكية متقدمة مثل صواريخ “تاو” المضادة للدبابات.
حركة “حزم” تمثل اول حركة “صحوات” جرى تشكيلها ودعمها لمحاربة الجماعات الاسلامية المتشددة مثل “النصرة” و”الدولة الاسلامية” و”احرار الشام” على غرار قوات الصحوات العراقية التي اسسها الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات العسكرية الامريكية في العراق لمحاربة تنظيم “القاعدة” عام 2006، وهزيمتها بهذه الطريقة المهينة تشكل صدمة للادارة الامريكية وحلفائها، و”فأل” سيء للفصائل الاخرى التي تعول عليها هذه الادارة كثيرا في مهمتها المزدوجة، اي القضاء على الجماعات الاسلامية المتشددة اولا ثم اطاحة النظام السوري ثانيا.
جبهة “النصرة” الفرع الرسمي لتنظيم “القاعدة” في بلاد الشام اقام الاحتفالات بهذا النصر المؤزر في تزامن مع مجلس العزاء الذي اقامه الجيش الحر و”الجبهة الشامية”، وتفاخر ابناء الجبهة بما غنموه من اسلحة ثقيلة وصواريخ امريكية من طراز “تاو” عبر مواقعهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا التطور غير المفاجيء في جبهات القتال على الارض السورية يشكل ضربة قاتلة للمعارضة السورية “المعتدلة” ولحاضنتها الشعبية، مثلما يشكل ضربة اكبر لوكالة المخابرات المركزية الامريكية وعملائها الذين اشرفوا على اختيار وتدريب وتسليح وتمويل حركة “حزم” الامر الذي يعني ان العناصر الجديدة التي ستدربها تركيا والمملكة العربية السعودية لن تكون افضل حالا، فهذه الحركة “حزم” تأسست قبل عام بهدف عدم تكرار وقوع الاسلحة الامريكية في ايدي الجماعات المتشددة على غرار ما حصل مع حركة “ثوار الشام” والجيش السوري الحر عندما سقطت مخازن اسلحة تابعة لهما في منطقة اعزاز خصوصا قبل عام في ايدي هذه الجماعات ودفعت بالقيادة العسكرية الامريكية الى اتخاذ قرار بتجميد ارسال اسلحة الى هذه الفصائل.
تطورات الازمة السورية مع اقتراب دخولها العام الخامس (بعد اسبوع من اليوم) يؤكد ان كل شيء متغير باستثناء النظام السوري الذي ما زال ثابتا في مكانه ويزداد قوة، فالمعارضة السورية تزداد تشرذما، وتفقد الكثير من زخمها في ميادين القتال والسياسة معا، ولم يعد الكثيرون ممن انخرطوا في الثورة السورية او ايدوها قادرين على التعرف على هذه الثورة وهويتها، في ظل الصراع على المكاسب والاموال وظهور طبقة تجار الحروب الذين اثروا على حساب دماء الشعب السوري، وتشرد ما يقرب من ثلاثة ملايين من ابنائه في دول الجوار.
***
الثقة بالمعارضة السورية المسلحة من قبل حلفائها في امريكا ودول الخليج تقترب من الصفر، وربما هذا ما يفسر تصريحات الجنرال مارتن ديمبسي رئيس اركان الجيوش الامريكية (الاربعاء) انه قد يلجأ في النهاية الى ارسال وحدات من القوات الامريكية الخاصة الى سورية لمؤازرة مقاتلي المعارضة السورية “المعتدلة” الذين تدربهم واشنطن.
ارسال قوات امريكية خاصة هو ما تتمناه الجماعات الاسلامية المتشددة والنظام معا، وربما تؤدي هذه الخطوة الى توحيد الجانبين دون اعلان، ووفقا لما يسمى “تحالف الضرورة”، فكل المفاجآت واردة في الملف السوري، في ظل هذا التخبط الامريكي ورهان بعض الانظمة العربية الخليجية عليه جنبا الى جنب مع الكثيرين من المخدوعين السوريين.
اين منظومة اصدقاء الشعب السوري؟ اين السيد نبيل العربي الذي منحت جامعته المقعد السوري للمعارضة؟ واين مؤتمر جنيف بنسخيته الاولى والثانية، بل اين الائتلاف الوطني السوري الذي احتل رئيسه الاسبق معاذ الخطيب منبر قمة الدوحة العربية قبل عامين خطيبا، وماذا حل بالسفارات “الموازية” التي جاءت بديلا للسفارات السورية.
لا نعتقد ان وزراء خارجية الدول الخليجية الست الذين انفقت بعض حكوماتهم المليارات في سورية واتهم بعضها بدعم “الارهاب” وما سيترتب على هذه التهمة من نتائج خطيرة جدا، سيشعرون بالثقة جراء تطمينات الوزير كيري، ولكنهم مكروهون في جميع الاحوال وباتوا في مواجهة مستقبل محفوف بالمخاطر بعد ان تغيرت قواعد اللعبة، بل اللعبة نفسها.