كتب د. حسين الديك: لقد تبنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الرواية الإسرائيلية بشكل مطلق ، وحشدت حلفائها في الغرب لدعم الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني وتوفير الدعم السياسي والعسكري والمالي له ، وكان البيان الخماسي لدول بريطانيا وألمانيا وإيطاليا و فرنسا والولايات المتحدة خير دليل على ذلك ، وجندت وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية لدعم الرواية الإسرائيلية، وتجلت مواقف الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الدعم العسكري اللامحدود للاحتلال من خلال صفقات السلاح والبوارج الحربية الأمريكية التي أرسلت الى شرق المتوسط ، ومن خلال حضور الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنطونيو بلنكين ووزير الدفاع لويد اوستن اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي الذي يشرف على سير العمليات العسكرية عل قطاع غزة، والزيارات المتتالية لرؤساء وزراء بريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي الى إسرائيل وتقديم كافة أشكال الدعم لها.
ورغم ما قامت به إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان وتدمير للبنية التحتية وللأعيان المدنية من مدارس وجامعات ومستشفيات ومراكز طبية ودور عبادة ، وارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب بحق المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، استمر الموقف الأمريكي داعماً وبكل قوة للاحتلال ووفر الغطاء السياسي له في مجلس الأمن الدولي ووفر له كل ما يحتاج من مساعدات عسكرية اللازمة لاستمرار الحرب والعدوان .
ولكن بعد مرور حوالي ستة اشهر من العدوان و الصمود الأسطوري الذي حققته المقاومة الفلسطينية وحلفائها في محور المقاومة أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على التحول في موقفها من موقف داعم ومؤيد للحرب والعدوان بشكل مطلق، إلى موقف متحول تدريجياً يطالب بوقف الحرب والعدوان والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة، وقد بدا هذا الأمر واضحاً وجلياً وبشكل تدريجي من خلال عدد من المواقف الأمريكية تمثلت في تصريحات تشاك شومر رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي ومن ثم تصريحات أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النوب بضرورة مراجعة المساعدات العسكرية لإسرائيل الى الامتناع عن التصويت ضد قرار مجلس الأمن الدولي الى التحركات الشعبية والمظاهرات في المدن الأمريكية الرافضة للحرب والعدوان، وبعد كل ذلك الاتصال الهاتفي الحاسم بين بايدن ونتنياهو الذي طلب فيه بايدن من
نتنياهو فتح المعابر وإدخال المساعدات بشكل فوري الى قطاع غزة ، ومنح الوفد المفاوض في القاهرة صلاحيات واسعة من اجل التوصل الى هدن مؤقته واطلاق سراح الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين من خلال التوصل الى صفقة تبادل وهدنة مؤقتة لمدة ستة أسابيع.
فكانت وحدة ساحات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن من أهم العوامل التي أدت إلى التحول في الموقف الأمريكي من العدوان على قطاع غزة ، بعد أن أيقنت الولايات المتحدة الأمريكية بأن مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط أصبحت مهددة فعلاً، إضافة إلى صمود الشعب الفلسطيني ورفضة لكل مخططات التهجير القسري والطوعي ، وكانت إنجازات المقامة الفلسطينية وانتصاراتها في قطاع غزة، ودخول قوى المقاومة في لبنان واليمن والعراق وتهديد المصالح الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية أهم العوامل التي أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على التحول في موقفها ، وكانت حادثة استهداف طاقم المطبخ المركزي العالمي التي راح ضحيتها سبعة من موظفي المطبخ العاملين من جنسيات مختلفة في مجال الإغاثة الدولية هو الحدث الذي وظفته الإدارة الأمريكية واستثمرته كمبرر للتحول الواضح والقوي في موقفها من العدوان على قطاع غزة والطلب مباشرة من بنيامين نتنياهو بتنفيذ المطالب الأمريكية بشكل فوري ولكن الحقيقة هي أن السبب في التحول الأمريكي هو صمود المقاومة وحلفائها وتحقيق إنجازات كبيرة وتهديد المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط أجبرت إدارة باين على التحول في موقفها.