صمت فلسطيني رسمي مخز.. قطار التطبيع أنطلق علنا، إسرائيليون في الرياض وسعوديون في رام الله

كتب أبو علي وائل: بابتسامة عريضة ارتسمت على وجهه، أعلن وزير السياحة في حكومة الاحتلال "حاييم كاتس" وصوله العاصمة السعودية الرياض، مساء اليوم الثلاثاء.

تعد هذه الزيارة، الأولى من نوعها كزيارة علنية ورسمية لمسؤول في حكومة الاحتلال، إذا ما أردنا غض النظر عن الزيارات السرية التي كانت تجري في العقود الماضية، ويبدو انها ستكون فاتحة شؤم لقطار من التطبيع، سيدهس معه كل المواقف التي كانت تتبجح بها القيادة السعودية سابقا.

ويبدو شهية وزراء حكومة الاحتلال مفتوحة، تجاه بلاد الحرمين الشريفين، إذ أعلنت قناة 12 العبرية، أن وزير الاتصالات شلومو كاراي سيزور السعودية أيضاً خلال الأيام القليلة المقبلة.

ولأنه لا يوجد في السياسة مصادفات، او حسن نوايا، فقد اختارت السعودية ان تستقبل وزير الاحتلال وترحب به، في ذات اليوم الذي أرسلت فيه وفدها الرسمي الى رام الله، للقاء الرئيس محمود عباس، من اجل اعتماد سفيرها، بندر السديري، كسفير فوق العادة، مفوضا غير مقيم لدى فلسطين، وقنصلا عاما في مدينة القدس.

وبينما حظي السفير السعودي بترحيب حار من السلطة الفلسطينية، وثناء ومديح لولي نعمته بن سلمان ومواقف السعودية التاريخية التي لا تكل السلطة ولا تمل من تكرارها، حظيت حكومة بن جفير وسموتريتش أيضا بعد ساعات فقط من تحريضهم على اقتحام المسجد الأقصى وممارسة الطقوس التلمودية في باحاته من ارتداء اللباس الكهنوتي ونفخ البوق، وتدنيس مقابر المسلمين، والرقص عليها، بإنجاز سياسي من الطراز الرفيع، وكأنها أقرب الى جائزة تقدير لما قاموا به، بينما ضمنت القيادة السعودية صمت السلطة الفلسطينية المطبق إزاء كل ذلك.

تريد السعودية إنجاز التطبيع مع إسرائيل، وهذا الأمر ليس وليد الصدفة، بل نتاج علاقة وطيدة من العلاقات السرية بين الجانبين، يبدو ان الظروف الإقليمية والدولية تتطلب ذلك، وأهمها منح حكومة نتنياهو اليمينة، إنجازات سياسية لم يجد أحد في العالم ولا داخل دولة الاحتلال يمنحه إياها.

نتنياهو الذي يجد معارضة شرسة داخل كيانه، ويجد معارضة داخل جيش الاحتلال، ولا يحظى بقبول دولي بسبب فاشية حكومته، جاءت اليوم السعودية لتنقذه من كل ذلك وتمنحه إنجازا فريدا من نوعه، بعد أيام فقط من وقاحته على منبر الأمم المتحدة، ضامنة قبل كل ذلك صمت الموقف الرسمي الفلسطيني.

واليوم وإذ تدشن السعودية انطلاق قطار التطبيع مع الاحتلال، باستقبال وزير سياحة الاحتلال، وارسال وفدها الى رام الله، لاستكمال تقديم المطلوب لضمان صمت السلطة الفلسطينية، فأنها تعلن عن مرحلة جديدة ستجر معها عصبة من الدول العربية والإسلامية لإنجاز تطبيع مماثل مع الاحتلال، لتدوس بقدميها على ما تسمى "المبادرة العربية للسلام بهندسة سعودية، والتي صاغتها وهندستها الرياض وطرحتها فوق دماء الفلسطينيين في جنين ونابلس عام 2002، لتتخذها منذ ذلك الوهم مطية لبيع الوهم والزيف، وإجبار الدول العربية لتبنيها بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي ارتهنت لها وبها.

لقد راهنت القيادة الفلسطينية على أوسلو لثلاثين عاما، ولم تحصل سوى على بصلة وجزرة، وتبنت الموقف العربي ومبادرة السلام لـ 21 عاما، فحصلت على قطار تطبيع، وقبله عقاب اقتصادي وسياسي ودبلوماسي، ويبدو انها لم تتعلم ولن تتعلم من خوازيق السلام والتطبيع، منذ كامب ديفيد، اذ انها منذ ذاك الوقت وهي اما توافق عليها او تغض النظر عنها حتى لا تغضب الأنظمة العربية أو تنخرط بها، ولذلك لم يتبقى لها اليوم سوى ارخبيلات وكانتونات فصل عنصري لا تصلح لدولة ولا لحكم ذاتي ولا لبلدية.

لقد ربطت السلطة الفلسطينية نفسها منذ نشأتها بالموقف السعودي، ولعل الدعم المالي الذي كانت تغدقه الرياض على السلطة منذ ذلك الوقت كان يمنعها ويكبلها من توجيه أي انتقاد لها، ويبدو السعودية بلاد الحرمين، وزعيمة العالم الإسلامي كما تحب ان تقدم نفسها لا ضير لديها اليوم من تسمين بقرات سموتريتش وبن جفير الحمراء لالتهام القبلة الأولى، وتغذية السلطة بالمال مجددا وبخوازيق التطبيع التي تبدو السلطة موافقة عليها.. فالسكوت علامة الرضا.

واليوم وإذ ينطلق قطار التطبيع علنا، فهو إعلانا وتأكيدا وتجديدا لبيع حكام آل سعود القدس مرتين، أولهما سرا يوم نكبتنا، واليوم علنا وعلى مرآى الأشهاد، لتصدق نبوءة مظفر النواب حين قال ان "السعوديون إسرائيل مهما كحلوا مشروعهم ولقد يلقون بالعظمة إسكاتا لمن ينبح من تحت الموائد"، فقم يا مظفر الآن وأعلنها ثانية "كافر من يحج بغير سلاح، وان طريقنا الى فلسطين تمر من الرياض".