بين قمع السلطة الوطنيّة وعبوديّة المستعمر

بالعربي- كتبت ثريا عاصي:

أمرٌّ في حيرة . يـُلح علي سؤال متشعب حول المسار الذي يوصل الشعوب في البلدان العربية إلى مأزق خانق كالضائقة التي سقط فيها العراقيون والسوريون على سـبيل المثال لا الحصر.

من البديهي أن عطلاً أوقف عملية إرساء دعائم نظام الدولة العربية حيث كان من المأمول أن يتكامل بناء هذه الأخيرة . أعتقد أن الغطاء سقط عن القدر بمناسبة حرب حزيران 1967 وبانت طبخة الدولة العربية على حقيقتها . ولكن وجود مصر في ميدان الصراع ضد الإستعمار "الإسرائيلي" أبقى على حتمية حدوث حرب تسترد من خلالها مصر " ما أخذ بالقوة "، وسمح بصرف النظر عن هشاشة الدولة العربية، أو بالأحرى أتاحت حتمية الحرب لهذه الأخيرة أن تستتر بالمقاومة الفلسطينية من جهة وبإعادة  بناء القوات المسلحة من جهة  ثانية، استعداداً للحرب.

أكتفي من هذا الإستطراد لأقول أن الدولة العربية خاضت الحرب في سنة 1973 وكانت المنية قد وافت في أيلول 1970 جمال عبد الناصر، ومن الطبيعي انها لم تنتصر لأنها لا تستطيع الإنتصار أصلاً في حرب تقليدية ضد المستعمرين "الإسرائيليين"، ولكنها ادعت أنها  انتصرت، فلم تأل جهداً بعد الحرب لكي تطوي صفحة الصراع ضد المستعمرين. ولكن الأخيرين رفضوا كما هو معلوم!

بدأ عندئذ الإنحدار الجهنمي نحو الهاوية، حيث اتضحت عشوائية الدولة العربية. وتبين بما لا يدع مجالاً للشك في أن هذه الدولة عاجزة وقاصرة أو مقصرة أو ممتنعة أو ممنوعة، أو هذا كله معاً، عن تغيير سياستها واتباع سياسة ملائمة للخروج من الأزمة، وليس هذا فحسب  ولكن هذه الدولة منعت أيضاً العمل السياسي وروعت جميع الذين كانوا ينادون أو حاولوا الدعوة إلى سلوك نهج مغاير.

ولم تكتف بهذا كله وإنما شرعت البلاد من جهة أمام أمراء ومشايخ النفظ الذين جاؤوا لشراء الإعلاميين والكتاب والناشطين السياسين، واليساريين  المذعورين من الجوع ومن السجن والتعذيب، ومن جهة ثانية شجعت الدعاة والمبشريين الذين استخدموا الدين والمساجد ليس لحض الناس على العمل الصالح ولكن لتحريضهم ضد الناشطين في الأحزاب والحركات الوطنية التقدمية بحجة انهم يطالبون بفصل الدين عن الدولة   بالضد من قولة النبي العربي المشهورة "أنتم أعلم بأمور دنياكم"..

بكلام صريح وواضح أخذ التناقض يتفاقم بين الدولة العربية، أو شبه الدولة، من جهة وبين القضية الوطنية من جهة ثانية بأبعادها الإجتماعية والإنمائية والسياسية. كان الجميع  في السلطة وخارجها، على يقين من أن الأمور لن تستمر على هذا المنوال، وان الإنفجار قادم لا محالة وفي المقابل كان معلوماً أيضاً أن التغيير مستحيل، لأن خلع أصحاب السلطة من مكانهم لم يكن مقدوراً عليه. والرأي عندي أن أصحاب السلطة أنفسهم كانوا أحياناً مسلوبي الإرادة والعقل، مسيّرين!

كان الأمل في خلاص البلاد ضعيفاً جداً. أعتقد أن الرئيس المصري الأسبق قال في إجابة عن سؤال حول استعداد ولده لوراثته في رئاسة الجمهورية "ما هي خربة "! أي أن مصر، التي قادها طيلة ثلاثين سنة، هي في نظره خربة!

يحق لنا أن نتساءل حيال هذا الوضع عن مساهمة العلاقة التي كانت تربط بين الحكومات العربية من جهة، وبين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في أوروبا من جهة أخرى في إنتاجه وتأزيمه (الوضع) إلى حد الإنفجار.

ما أود قوله هو أن السياسة العراقية تجاه إيران، بالتعاون مع آل سعود والخليجيين، لم تكن في اعتقادي موفقة استناداً على النتائح التي جلبتها على العراق . ولا جدال في أن الحكومة السورية لم تتبع على الأرجح أفضل سياسة ممكنة في لبنان، وأغلب الظن أن السياسة نفسها كانت تطبق في سورية . فجاءت النتائج مفجعة في البلدين.

ولكن المسألة الجوهرية التي أريد الوصول إليها هي أنه إذا كان تبديل الحاكم مطلوباً،  فمن المفترض أن يعلن المطالبون مآخذهم على الحاكم وعلى سياسته، هذا من ناحية أما من ناحية ثانية، فيتوجب عليهم أن يرشحوا حاكماً بديلاً وأن يقترحوا سياسة يتعهد هذا الأخير بتنفيذها . أما إذا كان المطالبون لا يستطيعون إسقاط الحكم بوسائلهم الذاتية، فإني أعتقد انه لا يحق لهم الإستقواء، أو بالأحرى تقديم التغطية الخادعة، للغزو الأجنبي، وتحديداً لغزو البلاد من جانب القوى العظمى.

لأن هذه القوى العظمى هي ذات طبيعة استعمارية وامبريالية، وبالتالي هي لن تطرح على السكان الأصليين برنامجاً وطنياً إصلاحياً أو ثورياً، وإنما غايتها الثابتة، في أية بلاد تتاح لها فرصة التدخل في شؤونها الداخلية، هي إرساء علاقة تبعية بين هذه البلاد وبينها!

بتعبير آخر، إن سياسة وضع "اليد بيد أميركا" من شأنها أن تعيد البلاد مستعمرة كما كانت، أي مستعبدة. أيهما أفضل السجن السياسي أم العبودية اللإنسانية؟ أيهما أقل كلفة قمع السلطة العراقية أم مجازر الغزاة الأميركيين والبريطانيين، وتخريب البنية التحتية في جميع المجالات : الصحة، التعليم، والإنتاج الإقتصادي؟ كان يمكنني اتخاذ سورية مثالاً مكان العراق.

السجين السياسي لا يفقد الأمل بالخروج يوماً من السجن وبالإدلاء بشهادته عن المعاناة  التي كابدها. ولكن أمام من يشتكي سجناء «أبو غريب» في العراق ؟ هل كبرت المسافة أو قصرت بين العراقي والحرية والأمان والرخاء، منذ الغزو الأميركي ـ البريطاني ؟ ماذا حصّل العرب من سياسة شريف مكة الذي تحالف في سنة 1916 مع الإنكليز ضد الدولة العثمانية ؟  الإجابة لا شيء، قصور من ورق ! ولكن التكرار لا يعلم العربان!