حماس بين إيران والخليج وتركيا.. خفايا اللقاء الأخير لوفدها مع سليماني بطهران!

بالعربي- تحقيق علي هاشم: توجه سليماني إلى وفد حماس بالقول "مشاكلنا مع السعودية ستنتهي، وسيخسر من يصطف هنا أو هناك، وسيتذكر الجميع من وقف مع من، معركتكم طويلة وواسعة، ومن الضروري أن يدعمكم كل العالم الإسلامي، نريد أن تكون فلسطين قوية، وأن تنجحوا في المصالحة فيما بينكم".

لم تكن عاصفة السنوات الخمس حكراً على دول العالم العربي، فالثورات والانتفاضات التي ضربت تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن وسوريا، هزّت بدورها أركان كل شيء على امتداد الخريطة العربية قالبة المعادلات ومعيدة رسم خرائط التحالفات، أحياناً بناء على التقارب والتباعد السياسي، وحيناً آخر بناء على المصالح والتقاطعات الطائفية والمذهبية والمادية. لعبت الجغرافيا السياسية في هذه الفترة لعبتها الخبيثة في فرض وقائع جديدة، ولعل المتضرر الأكبر كان محور المقاومة بصورته الأولى، الممتد من طهران إلى غزة في فلسطين.

بعد أحداث العام 2011 بدا وكأن زلزالاً ضرب المحور فانفضت عن هوامشه دول كقطر وتركيا، كانت يوماً تقدم نفسها حليفة له، كذلك قرر السودان في مراحل لاحقة التموضع في حلف آخر، وفي حمأة الاهتزاز قررت حركة المقاومة الإسلامية حماس أنها تريد القفز من الحافلة تماهياً مع اتجاه البيئة الحاضنة لها، واتفاقاً مع حركة الإخوان المسلمين التي تعتبر الأب الشرعي لها، لكنها رغم ذلك أبقت على خيوط اتصال سياسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المتهمة من قبل "إسرائيل" وأميركا بكونها الداعم الأول للمقاومة الفلسطينية منذ تسعينيات القرن الماضي.

هجرت حماس مقراتها في سوريا باتجاه قطر وتركيا، وهي كانت في تلك اللحظة تعلم أنها لن تستطيع البقاء هناك في ظل تعاطفها العلني مع القوى المناوئة لحكم الرئيس السوري بشار الأسد.

يقول مصدر في حماس للميادين نت "إنه في بداية الأزمة حاولت الحركة بالتعاون مع حزب الله فتح كوة في الجدارمع "الإخوان المسلمين" لكن الكوة لم تفتح"! يضيف المصدر المطلع على تفاصيل تلك المرحلة "كان الرفض من جانب الإخوان المسلمين السوريين الذين كانوا يعتقدون آنذاك أنهم ليسوا بحاجة لأي تسوية لأن أيام الأسد معدودة".

لم يستمر الجهد طويلاً وفي لحظة حاسمة قررت الحركة الخروج من سوريا بشكل قاطع، يومها استشارت حماس بعضاً من قيادات "الإخوان المسلمين" في قرار خروجها من الشام فكان الجواب "هو قرار يناسبنا لكن عليكم أن تفهموا أنه في حال إاتخاذكم هذا القرار فعليكم تحمل التبعات، ولن يكون هناك خط رجعة مع النظام في دمشق".

شيئاً فشيئاً كانت العلاقة مع طهران تتأثر، أصبح مقر رئيس المكتب السياسي للحركة في العاصمة القطرية الدوحة، والدوحة في تلك المرحلة كانت تقود الجهد التسليحي والإعلامي المناوئ للنظام السوري، حليف طهران الرئيس في المنطقة.

هكذا بدأ الشرخ بالاتساع، لكنه شرخ أدى بدوره إلى شرخ آخر داخل الحركة بين تيار مؤيد للعلاقة مع إيران وتيار آخر معارض لذلك وبقوة، وبين هذا وذاك كتائب عزالدين القسام في غزة، وعلى لسان قائدها العام محمد الضيف تقول للجميع "تحالفوا مع من تريدون واختلفوا مع من تريدون، المهم أن تبقى المقاومة".

يقول المصدر الحمساوي "بالنسبة للقسام كانت التجربة مع إيران خير برهان على أنهم الوحيدون القادرون على دعم المقاومة، هذه العلاقة قديمة جداً، والتجربة في كل المراحل أثبتت وما تزال تثبت أن إيران لا تساوم في موضوع المقاومة، فمن يستخدم طائرة رئيس عربي لتهريب سلاح للفلسطينيين في يوم من الأيام، دون معرفة هذا الرئيس، ومن يرسل السفن ويخاطر بحياته لتصل يمكن التعويل عليه".

كان قرار حماس الاستقرار في الدوحة بعد دمشق لأسباب عديدة، منها الاحتضان القطري خلال السنوات الماضية للحركة ودعمها المالي لها في الشق الإجتماعي والإنمائي. يقول الكاتب الفلسطيني عدنان أبو عامر في مقالة له في موقع "المونيتور" الأميركي إن "قطر ومنذ العام 2001 بدأت بالانفتاح على حماس وهي قدمت بعد عدوان 2008/2009 على غزة ما يربو على 250 مليون دولار من المساعدات لإصلاح الأضرار الناجمة عن العدوان، كما أنها قدمت الدعم السياسي اللازم لتكون الحركة لاعباً رئيساً على الساحة الفلسطينية".

أنقرة تسحب الجوازات التركية وقطر تقلص معونتها المالية

في مناسبات عدة زارت وفود من حماس العاصمة الإيرانية طهران، لكن رئيس المكتب السياسي للحركة إمتنع عن الزيارة خلال السنوات الماضية. عندما يطرح السؤال على قيادات حماس يأتي الجواب بأن إتفاقاً على جدول الأعمال لم يتم، لكن الإيرانيين يقولون بدورهم إن "هكذا إتفاقات لم تكن تجري من قبل وأن الزيارات في العادة تجري بناء على عناوين عامة".

في مرحلة لاحقة وبناء على ضغط من اللوبي المؤيد للعلاقة مع إيران طلبت مجموعة من المسؤولين في حماس من القيادة ترتيب العلاقة وتركت لمشعل قرار الزيارة وتوقيتها.

بدا مشعل محرجاً للغاية في اتخاذ قرار الزيارة، رغم أنه قرر في مناسبة أخرى زيارة السعودية تحت عنوان أداء عمرة رمضان لكن حصل أن ذهب إلى الملك السعودي معايداً مع المعايدين كما حظي بفرصة لقاء ولي ولي العهد محمد بن سلمان بغرض طلب الإفراج عن مجموعة من المسؤولين في الحركة المسجونين في السعودية وعلى رأسهم ماهر صلاح (أبو عارف) ممثل حماس في الخارج.

لم تحصل زيارة مشعل إلى طهران، ولم تعد في الأساس موجودة على جدول الأعمال، وكان من المقرر ترتيب زيارة يترأس الوفد فيها مسؤول العلاقات السياسية في حماس موسى أبو مرزوق. بدأ العمل على الترتيب لهذه الزيارة بينما كانت ظروف المنطقة تصبح أكثر تعقيداً، كما أن ظروف حلفاء حماس في المنطقة كانت تتعقد أكثر فأكثر.

خلال الأشهر القليلة الماضية صدم عدد من مسؤولي حماس ممن يحملون جوازات سفر تركية بتوقيفهم في المطارات التركية وسحب بعض الجوازات، في هذا الإطار يقول مصدر مطلع في تركيا "أنقرة لديها التزامات تجاه حلفائها الغربيين وهي تلقت قبل فترة وجيزة لائحة بأسماء لأشخاص مطلوبين أو متورطين بأعمال توصف بـ"الإرهابية"، اللائحة ضمت ثلاثة آلاف اسم، من بين هؤلاء أسماء قيادات في حماس".

من بين هؤلاء كان "صالح العاروري" الذي تتهمه سلطات الإحتلال الصهيوني بالمسؤولية عن اختطاف مستوطنين، لذا طٌلب منه المغادرة على ما نقلت وسائل إعلام عبرية.

كان القرار التركي واضحاً بحسب ما ينقل المصدر المطلع "للميادين نت" مضيفاً أن "خالد مشعل حاول خلال لقائه أردوغان أواخر العام 2015 استكشاف ما إذا كان الأمر عاماً فسأله عما إذا كان بإمكانه استقبال "موسى أبو مرزوق" في تركيا بشكل دائم، عندها مال "أردوغان" إلى يساره حيث كان يجلس رئيس المخابرات العامة التركية هاكان فيدان وقال سننظر في الأمر" يقول مصدرنا إن "مشعل فهم أن الأمر غير ممكن".

في هذا الوقت كانت حماس قد تلقت من الحكومة القطرية طلباً بالتخفيف من الظهور الإعلامي غير الضروري، يقول مصدر في حماس "بدأت قطر تقتطع من المعونة المالية إيجارات المكاتب والمنازل التي يشغلها قادة حماس، كان واضحاً أن الأمور تتخذ منحى جديداً"

يضيف المصدر "هناك في الأساس مشكلة في الميزانية المتعلقة بالمكتب السياسي، بالنسبة للقسام ليست هناك مشكلة حقيقية فالإيرانيون على رغم الخلافات لديهم خط مباشر مع القيادة العسكرية والبرامج العسكرية والدعم المالي لم يتوقف أبداً".

يستذكر المصدر في هذا الإطار علاقة قديمة عمرها أكثر من عشرين عاماً مع الإيرانيين وحزب الله، يقول في" هذا الإطار "كانت العلاقة مع الحاج عماد مغنية والحاج قاسم سليماني، الحاج عماد وتحديداً بعد حرب تموز 2006 كانت لديه برامج خاصة للمقاومة الإسلامية لا تقبل أي تأخير، لكنه كان يقول دائماً عندما يتزاحم الأمر مع أولويات المقاومة الفلسطينية نقدم الأخيرة".

يضيف المصدر "التجربة مع الإيرانيين وحزب الله كانت دائماً رابحة، الخطة الدفاعية في غزة وضعها رجل إسمه عماد مغنية، حق هذا الرجل علينا أن نعلنها حتى ولو لم يعجب ذلك البعض".

محضر لقاء سليماني ووفد حماس في طهران

خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2016 بدأت الترتيبات لمحاولة رأب الصدع كلياً بين حماس السياسية وإيران. كان المسؤول عن هذه المهمة موسى أبو مرزوق الذي زار بيروت والتقى بشكل سري مسؤولين إيرانيين وآخرين من حزب الله.

خلال رحلته حصل أن تحدث أبو مرزوق مع أحد المسؤولين في الحركة في غزة عن الدعم الإيراني واصفاً إياه بـ "الكذبة الكبيرة" وأن "الإيرانيين يبتزون الحركة لفتح علاقات مع أطراف أخرى".

في الطرف الثالث من المكالمة كان جهاز أمن داخلي لبناني يسجل المكالمة، وبحسب مصادر أمنية مطلعة فقد تم تسليم التسجيل إلى جهة إقليمية قررت تسريبها قبل أيام فقط من توجه أبو مرزوق على رأس وفد من حماس إلى طهران للمشاركة في احتفالات الذكرى السابعة والثلاثين للثورة الإسلامية.

حاول الفريق المقرب من إيران داخل الحركة تدارك الأمر كي لا تسقط مساعي رأب الصدع، عاد أبو مرزوق إلى بيروت وحاول لقاء المسؤولين الإيرانيين، لكنه تلقى رسالة واضحة "اللعبة إنتهت".

لم تعن نهاية اللعبة إنتهاء مساعي التقريب، تشكل وفد من القياديين محمد نصر وأسامة حمدان وإتجها مع وفد من الفصائل الفلسطينية إلى طهران حيث شارك الجميع في احتفالات ذكرى الثورة، وكان الجو العام يشير إلى الزيارة على أنها أقل من بروتوكولية وأنها لن تشهد جديداً في ظل ما حدث، لكن الأمر لم يكن كذلك.

إلتقى الوفد الفلسطيني بالعديد من المسؤولين الإيرانيين، أمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، لكن اللقاء الأبرز وغير المعلن كان مع قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني. الميادين حصلت على محضر الكلام الذي وجهه سليماني إلى الوفد الفلسطيني ومن ضمنهم وفد حماس الذي عاد وإلتقى بسليماني على حدة.

في اللقاءات هذه تحدث سليماني وتحدث الوفد الحمساوي، وبحسب مصادر مطلعة على اللقاء فإن وفد حماس حمل تصوراً كاملاً للمرحلة القادمة، "الظروف التي بنيت عليها العلاقة ما قبل 2011 لا يمكن أن تستمر بشروطها وقواعدها" قال مصدر في حماس للميادين نت، "العالم تغيرمنذ الربيع العربي، لا إيران هي ذاتها ولا حماس هي ذاتها، لكن لحماس وإيران ذات الرغبة في وجود مقاومة قوية في فلسطين في مواجهة الإعتداءات "الإسرائيلية"، لذا فلا بد من إيجاد أسس جديدة للعلاقة".

يضيف المصدر "خلال السنوات الماضية كان هناك الكثير من الأخطاء، بعضها من حماس وبعضها من إيران، لكن إيران وحماس تعلمان أن المقاومة في خطر، ونحن نعلم أن الدولة الوحيدة القادرة على دعم المقاومة هي إيران، هذا ليس إفتراضاً، هذا أمر يستند إلى سنوات من الخبرة".

وفي حين تحدث سليماني بإسهاب عن واقع المقاومة ونظرة إيران لها، فإن المصادر أشارت إلى أنه كان مجروحاً بشكل كبير من كلام موسى أبو مرزوق، "تحديداً موسى أبو مرزوق لأنه كان على تواصل مباشر ويعلم أكثر من أي شخص أن إيران حتى في أسوأ الظروف كانت ترسل للمقاومة إحتياجاتها".

مما قاله سليماني في اللقاء العام مع الفصائل "موقف الجمهورية الإسلامية من فلسطين ثابت وراسخ قبل الاتفاق النووي وهو ذاته بعد الاتفاق النووي، لا تغيير، ونحن ماضون في دعمنا لفلسطين.

وأؤكد بالصوت العالي، أن المفاوضات مع الغرب كانت حول الاتفاق النووي ولم يكن هناك أي موضوع آخر، ولم تكن هناك صفقات أخرى، وبكل شفافية فإن وزير الخارجية د.ظريف كانت له مهمة محددة وواضحة وهي الاتفاق الننوي ولا تفويض لبحث أي موضوع آخر، رغم كل المحاولات الأميركية.

حتى العلاقات الثنائية رفضنا نقاشها مع الأميركيين، رغم احتياجاتنا وضروراتنا لم نفتح معهم أي موضوع، وأؤكد لكم أنهم حتى لو ضاعفوا الضغوط و الحصار علينا عشرات الأضعاف، فإننا لن نقدم أي تنازل في قضية فلسطين، لهذا ترون الكونغرس مصراً على موقفه ضد إيران باعتبارها داعمة للارهاب وفلسطين".

أضاف سليماني "البعض، كما تعلمون، يقول إننا ندعم فلسطين بسبب مصالحنا، هذا لم يكن صحيحاً منذ بداية الثورة، وليس صحيحاً الآن، فنحن غير مستعدين للتفاوض أو التفاهم مع أمريكا أو غيرها على المسألة الفلسطينية.

وأؤكد لكم، تبلغوا إخوانكم، أن دعمنا لفلسطين سيستمر، لأن هذا موقف مبدئي أصولي عقائدي عندنا، هذا الموقف بيننا وبين الله. بالنسبة لحجم الدعم، ففي بعض الأوقات قد يتراجع الدعم، وهذا بسبب ظروفنا، وأوضاعنا الاقتصادية فقط وليس لتغير في الموقف السياسي اتجاه فلسطين، فنحن لا نغير في الأصول. وستظل فلسطين عندنا عقيدة".

سليماني أشار إلى أن بلاده لا تعارض أن تدعم الدول الإسلامية الأخرى المقاومة الفلسطينية "نحن لسنا ضد أن تدعمكم الدول الاسلامية، بل نقبل يد كل من يقف مع فلسطين من الدول الإسلامية ولا مشكلة لدينا في ذلك، بل نفرح إذا ساعدتكم أي من هذه الدول، وأن تكون مع المقاومة، بل وأن تملأ مكاننا" متمنياً على الجميع عدم التدخل "في الخلافات العابرة في المنطقة، مشاكلنا مع السعودية ستنتهي، وسيخسر من يصطف هنا أو هناك، وسيتذكر الجميع من وقف مع من، معركتكم طويلة وواسعة، ومن الضروري أن يدعمكم كل العالم الإسلامي، نريد أن تكون فلسطين قوية، وأن تنجحوا في المصالحة فيما بينكم".

وختم سليماني قائلاً "في ايران عندما يكون العنوان فلسطين فالجميع ثوري، والجميع يحب فلسطين، وفلسطين أساسية حتى في وضعنا الداخلي، قبل سنوات رفع البعض شعار(لا غزة لا لبنان..روحي فدا ايران ) أسألكم أين هؤلاء الناس، لقد سجلنا هذا في قاموسنا السياسي الداخلي، أن من رفع شعاراً مناهضاً لدعمنا لفلسطين لن يكون في أي من المناصب السياسية ولن يكون له دور في صناعة القرار السياسي في هذه البلاد. أين يمكن أن يحصل ذلك؟"

(نقلا عن الميادين)