تقاسم المصالح.. لا حل الأزمة السورية

بالعربي_كتب حسين العودات : عُقدت مؤتمرات عديدة، ثنائية وثلاثية ومتعددة الأطراف، وزعمت جميعها أن هدفها مناقشة واقع الأزمة السورية وتلمس حلول لها. وحتى الساعة لم يصل أي من هذه المؤتمرات إلى نتائج معقولة تدخل في عمق الأزمة أو تضعها على طريق الحل. كما لم تأخذ في اعتبارها الدماء التي تسيل والأملاك التي تُهدم وتشريد السوريين في مختلف بقاع الأرض وتحويلهم إلى شعب لا يرحب بهم أحد. حتى أن المؤسسات الإنسانية ضاقت ذرعاً بالسوريين وتكاد تحجم عن العمل من أجلهم. ومثلها فعلت البلدان الأوروبية التي كانت تفتخر بتأييدها حقوق الإنسان وحفاظها عليها واستجابتها لحاجة المحتاجين ولإيقاف الظلم. وقد أخذت تشكو من زيادة أعداد اللاجئين السوريين وتصدر قوانين لتبرير عدم استقبالهم، بل تبرير طردهم، وتركهم يحملون مصائبهم من دون معين. ومع ذلك لم يخطر لأي من المؤتمرات العديدة التي عُقدت أن يبحث مأساة السوريين ويسرّع حل مشكلتهم سياسياً وإنسانياً. ذلك أن المؤتمرات الرئيسية لا تهدف لحل الأزمة السورية برغم زعمها ذلك، إنما تهتم أولاً بمصالح المشاركين فيها والميزات التي سوف يحصلون عليها من الشرق الأوسط الجديد.

ويبدو جلياً أن مصالح الدول التي تشارك في هذه المؤتمرات لها الأولوية، وأن صراعات المشاركين داخل المؤتمرات لا تتجاوز هذا الأمر. وكل واحد يمدح المؤتمر أو ينتقده في ضوء تحقيقه لمصالحه، فلا المنسحب من المؤتمر ينسحب لصالح الشعب السوري ولا المشارك يفعل ذلك لهذا الهدف، وكل منهما يبحث عن أشياء أخرى لا علاقة لسوريا بها سوى بالإعلان والإعلام.


وضع «مؤتمر جنيف» الأول، وهو مؤتمر دولي، إطاراً عاماً لحل الأزمة السورية. وقد وافقت الدول المشاركة فيه على قرارات غامضة وغير متفق على تفاصيلها وتتعدد تفسيراتها بتعدد الأطراف التي كانت مشاركة في المؤتمر. وعلى ذلك تعذر تحقيق هذه القرارات، وبقي الحوار حوار طرشان بين الدول ذات الشأن، لم يصل إلى نتيجة ولا كان يمكن أن يصل إليها بسبب عمومية القرارات وتعدد التفسيرات. ولم يكن خافياً على أصحاب القرار من الدول التي شاركت في جنيف ولا على غيرها مثل هذا الغموض، ولا النتائج التي سيؤدي إليها المؤتمر. وعلى ذلك فشل الجميع في تطبيق مقررات جنيف الأول، ولجأ أصحاب الشأن إلى مقررات أخرى اتخذوها في مؤتمري فيينا الأول والثاني، لخصوها في تسع نقاط، هي في الواقع إلغاء لقرارات «جنيف الأول»، وتضع الأزمة السورية في إطار مقررات جديدة غير ملزمة لأحد، وهذه المقررات بدورها غامضة أيضاً، وتحمل أكثر من تفسير، وفي ذلك رغبة بكسب الوقت ريثما ينهي أصحاب الشأن الاتفاق على تقاسم قرص الجبنة الشرق أوسطي المقبل. وعليه، فإن أي مؤتمر عقد حتى الآن ما هو إلا إجراء لخدمة مصالح الدول المشاركة وإعطائها مهلة حتى تنهي مباحثاتها الثنائية التي تجريها تحت الطاولة.


يعرف الداعون لهذه المؤتمرات أنها لن تبحث الأزمة السورية بحثاً جاداً وشاملاً، ولن تكرس جهوداً لحلها. ولذلك لم تدع أحداً من السوريين لا من المعارضة ولا من النظام للمشاركة فيها، لأن الوقت الذي يُدعى فيه السوريون لم يحن بعد. فهم يُدعون شهود زور للمؤتمر الذي يبحت أزمتهم فعلاً. وهذا التقليد (أي تجاهل المؤتمرات دعوة أصحاب العلاقة للمشاركة معها) هو تقليد لم تدرج عليه معظم المؤتمرات العالمية الأخرى. والملفت للنظر هنا أن المعارضة السورية والنظام السوري لم يحتجا على عدم مشاركتهما في هذه المؤتمرات، وكأنهما يعرفان أنها شكلية بالنسبة لقضيتهم، وأن لها هموما أخرى بعيدة عن همومهم.


يبدو أن ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد هو على أبواب مرحلة جديدة، تحاول كل من الدول الكبرى أن يكون لصالحها كما تحاول الدول الإقليمية أن تتفادى مخاطرها. فقد دخلت في استراتيجيات الدول بعدما فشل مبدأ الفوضى الخلاقة أو تخلت عنه الإدارة الأميركية، أن الشرق الأوسط الجديد هو الآن محط انتباه معظم القوى العالمية ذات الشأن واستراتيجياتها. حتى تلك الدول ذات الإمكانيات المتواضعة، أصبحت تطمح الآن لأن تكون شريكاً في تقرير مصير المنطقة ورسم خريطتها، ولا تُستبعد عن هذه الدول دول عربية لم تكن ذات شأن في السابق. في الخلاصة، فإن الأزمة السورية فتحت شهية دول عديدة على مصالح ومطامح جديدة في المنطقة، وعلى أحلام بدور فعال ومؤثر فيها. ولم يعد الأمر يقتصر على الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإنكلترا وغيرها من الدول الكبرى، بل طاول أيضاً دولاً إقليمية كالأردن والسعودية وقطر إضافة إلى تركيا وإيران وغيرها. وهكذا، لم تعد الأزمة السورية منفصلة عن استراتيجية الدول الإقليمية والدولية، بل أصبحت مفتاحاً لشرق أوسطٍ جديد. ولعل هذا هو محط صراع الدول وتنافسها وتلكؤها في حل المأساة السورية، ريثما تتفق وتؤمن مصالحها أولاً.