معاناة موظفي حكومة غزة السابقة تتفاقم في رمضان

بالعربي: وهي تنظر إلى شقتها الصغيرة، بأحد الأبراج السكينة غربي مدينة غزة، لم تعد الشابة “هدى” قادرة على استيعاب ما وصلت إليه حياتها من “بؤس″ و”شقاء.

فالشقة التي كانت قبل عامين بالنسبة لها “مملكتها الدافئة”، وتضم فيها “أحلى الذكريات”، تحولت إلى بيت فارغ من الأثاث الذي تم بيعه بسبب تراكم الديون.
ولم تتخيل هدى (32 عاما) التي فضلت عدم ذكر اسمها كاملا، لوكالة الأناضول، أن يصل الحال بها وبزوجها الذي يعمل موظفا في حكومة غزة السابقة، إلى حد لا تملك فيه نقودا لشراء دواء لصغيرها المريض.
وتقول هدى إن لديها أربعة أطفال، من بينهم طفل مريض بالقلب، ويحتاج إلى علاج خاص وبشكل مستمر.
وتضيف:” تتراكم الديون علينا، قمنا ببيع أثاث المنزل، لم يبقَ لنا شيء فيه، سوى شيء بسيط يسترنا، بعت ما أملك من حلي وذهب كي أجد لقمة لأطفالي، زوجي لم يعد قادرا على الخروج من المنزل خوفا من الديون”.
وفي شهر رمضان يزداد الوضع سوءا ويتحول إلى ما يشبه الجحيم كما تقول هدى، وهي واحدة من بين آلاف باتت حياتهم معطلة بسبب أرقام الديون التي تزداد على موظفي حكومة غزة السابقة، يوما تلو الآخر، لعدم تلقيهم رواتبهم بشكل كامل ومنتظم، منذ أكثر من عامين.
ولم يتلق الموظفون الذين عينتهم حركة حماس بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، والبالغ عددهم نحو 40 ألفا، رواتب كاملة ومنتظمة منذ شهر تموز/يوليو 2013 .
وتنقسم أعداد الموظفين التابعين لحكومة غزة السابقة وفق بيانات رسمية لوزارة المالية إلى 23 ألف موظف مدني، و17ألف عسكري.
وفي شهر رمضان، يعيش نحو 40 ألف موظف ظروفا معيشية قاسية، تجعلهم عاجزين عن توفير أدنى الاحتياجات لأسرهم وذويهم، كما يروي الموظف “محمد عاشور”، لوكالة الأناضول.
ويقول عاشور (48 عاما)، وهو أب لتسعة أبناء، ثلاثة منهم أطفال، إن حياة “موظفي غزة” باتت أشبه بـ”الجحيم”.
ويتابع:” في الأيام العادية، لم أكن قادرا على تأمين متطلبات أسرتي، والآن في رمضان يزداد الأمر قسوة، حياتي كلها أصبحت ديون متراكمة، ما نتقاضاه من دفعات مالية من وقت لآخر، لا يكفي لسداد فواتير لوازم الحياة اليومية، قمت بفصل الهاتف، وشبكة الإنترنت”.
ولإظهار معاناتهم ينفذ الموظفون على فترات متباعدة إضرابات جزئية وكلية عن العمل؛ في محاولة لإجبار حكومة الوفاق على دمجهم بشكل رسمي ضمن قطاع الموظفين، ودفع رواتبهم.
وتصرف وزارة المالية في غزة، التي لا تزال تشرف عليها حركة حماس، على فترات زمنية تمتد لشهر أو شهرين دفعات مالية لموظفي حكومة غزة السابقة، دون أن تفصح عن مصادر التمويل.
ويتقاضى الموظفون المدنيون والعسكريون دفعة مالية بحد أدنى 1000 شيقل إسرائيلي (260 دولارا أمريكيا)، أما الحد الأعلى فبلغ 3000 شيقل (نحو 780 دولارا أمريكيا).
وشكلت حكومة الوفاق، العديد من اللجان القانونية والإدارية لدراسة أوضاع الموظفين المهنية، للتوصل إلى مدى احتياج الحكومة لهم، غير أن أيا من تلك اللجان لم يسفر عن أي نتائج.
ويشعر الموظف “رأفت” (40 عاما) الذي يعمل موظفا في وزارة الصحة بغزة، والذي فضل عدم ذكر اسمه لوكالة الأناضول، بالأسى تجاه ما آلت إليه أوضاعه.
ويضيف :” أنا أب لستة أطفال، أصغرهم يبلغ من العمر عامين، أقف عاجزا عن توفير حياة كريمة لهم، وفي رمضان الذي تحتاج مستلزماته لضعف الراتب، يتحول الوضع إلى كارثة لا يمكن تحملها”.
وأشبه بالمتسولين الذين باتوا يستحقون الشفقة والصدقة معا، صار حال موظفي حكومة غزة السابقة كما يقول مجدي الذي اكتفى بذكر اسمه الأول.
ويقول مجدي (37 عاما) الذي يعمل “شرطي مرور”، إن استمرار أزمتهم الاقتصادية والإنسانية، أفقدته الشعور بطقوس شهر رمضان.
وتابع:” لم أشتر لأطفالي الثلاثة، أي فانوس، ولم تدخل الفرحة قلوبهم، المائدة على الإفطار والسحور تشهد تقشفا واضحا، وأمام هذا الوضع اضطررت للاعتذار لأقاربي عن صلة الرحم”.
ومن يتلقى راتبه نهاية الشهر لا يستطيع تلبية كافات احتياجاته في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، فكيف الحال بأصحاب الرواتب المقطوعة كما يتساءل الموظف أسعد العكلوك.
ويضيف العكلوك (46 عاما) وهو أب لثمانية أبناء، إن وضعهم “كارثي”، مستدركا بالقول:” الحياة صعبة في ظل الراتب، وبالكاد يمكن تلبية الاحتياجات فكيف سيكون الحال أمام انعدامه”.
ولا تزال السلطة الفلسطينية تدفع مرتبات موظفين آخرين في قطاع غزة، وهم الموظفون الذين كانوا يعملون قبل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، عام 2007، ويبلغ عددهم نحو 55 ألف موظف، يمتنع أكثرهم عن الذهاب لأماكن عملهم بأوامر من السلطة .
ويقول العكلوك، بحسرة إنه لن يقوم بشراء ملابس العيد لأطفاله، ولن يوفر لهم الاحتياجات المطلوبة لهم في ظل ما وصفه بقسوة الظروف.
وتقول زوجة أحد الموظفين مفضلة عدم الكشف عن هويتها، إنهم اضطروا لبيع أثاث المنزل، وما تملكه من حلي لتدبير “لقمة العيش”.
وأضافت:” انقطاع الرواتب، يتسبب بمآسٍ كبيرة اقتصادية ونفسية، حياة الموظفين معطلة تماما، هناك من هو عاجز عن دفع إيجار الشقة، وآخر تتراكم الديون عليه، بصورة قد تمنعه من الخروج من المنزل”.
وتابعت:” نحن نتحدث عن أعوام، لا عن أسبوع أو شهر، أطفالي يكبرون (أربعة)، والمستلزمات تزداد، سنجد أنفسنا في الشارع، إن ظل الحال على ما هو عليه”.
وتتزامن أزمة موظفي غزة السابقة، مع الأرقام الصادمة التي تصدرها مؤسسات دولية وأممية حول الوضع الإنساني في قطاع غزة، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي منذ عام 2007.
وفي 22 مايو/أيار الماضي، أصدر البنك الدولي، بيانًا قال فيه إنّ “نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت إلى 43%، وهي الأعلى في العالم، وأن نحو 80% من سكان القطاع يحصلون على “إعانة اجتماعية”، ولا يزال 40% منهم يقبعون تحت خط الفقر”.

نقلا عن الأناضول