في غياب السياسة.. لا بد من الاقتصاد

بالعربي: تبدو الأمور على الساحة السياسية الفلسطينية راكدة، أو أنها تدور حول نفسها، فلا المصالحة سارت على سكتها التي وضعها اتفاق الشاطيء، ولا الحراك السياسي الخارجي في ظل الظروف الدولية والإقليمية العربية يمكن أن يؤدي لحل للقضية الفلسطينية ضمن الحد الأدنى المتوافق عليه وطنيا. هذا بعد أن ثبت بكل الوجوه أن كل ماراثون المفاوضات سواء ما كان فوق الطاولة أو تحتها لم يكن سوى عبث لا طائل منه، حتى معركة انتزاع الاعترافات الدولية بالقطارة والتهليل لها، لم تعط حتى الآن دفعة أمل في الأوساط الشعبية، بما يخلق فيها استعادة للروح والحراك السياسي.

هنا في الأراضي الفلسطينية كل شيء راكد إلا الاستيطان، فقد غادر الزحف ووقف على ساقين قويتيين راكضا مسرعا يلتهم الأرض قبل أن تلتهمه. فقد بات سياسيونا الرسميون وغير الرسميين معطلين عن العمل، ولم يعد أمامهم سوى المضي بعزم القصور الذاتي، فيما الجماهير في واد وهم في واد آخر، فالعلاقة الحميمة بين الجماهير وقيادتها السياسية فترت، والثقة غابت، فيما لا زالت الجماهير تعطي فرصا لهذه النخبة، هذه الفرص التي تعفي أحيانا الجماهير من مسؤوليتها في لكز القيادة، كما يشكل ذلك وسادة حريرية ترتاح عليها رؤوس السياسيين.
إذا كان هذا حال السياسة في هذه البلاد، فما هو حال الناس ومعاشهم ونحن نقدم على شهر ينهمك الناس فيه في الاستهلاك قبل العبادة، هل يسمع المسؤولون وقادة الأحزاب والمشرعون وغيرهم صراخ الناس من الغلاء؟ هل يرى من غطى زجاج سيارته بالأسود حال الوجوه العابسة في شوارع المدن؟ وهل فكر للحظة لو يستريح من عناء سياسة لا طائل تحتها، ليتفرغ لهموم الناس؟
هل يكتفي المسؤول بقراءة الأرقام الصماء حول التضخم والبطالة، والغلاء، واتساع الفجوة الطبقية وانهيار الطبقة الوسطى، ولا يرى ترجمات ذلك على الأرض؟.
يدور الجدل بين الناس الآن لا على مكاسب سياسية، بل على رغيف الخبز وكيلو الأرز، وأسعار الخضار، واللحوم وتكاليف العيش الذي بات صعبا، في ظل إدارة السلطة ظهرها عن هموم الناس، والهروب إلى أسفار بعيدة بحثا عن دولة والتراب تحت قدميها تذروه رياح الاستيطان.
ايها المسؤولون إذا اردتم حقا أن تحصلوا على دولتكم التي تنشدون، فليس لكم إلا شعب لا يقاد كالقطيع، بل شعب حي منتظم في معركة يثق أن من يقودها لن يخذله، وبالتالي، لا بد أن تنتبهوا جيدا وقبل فوات الفوت لمن هم في القاع، لا بد أن تمدوا أيديكم لتمنعوا هذا الفلتان الاقتصادي باسم حرية السوق في وطن غير حر. كيف تستقيم هذه المعادلة؟
فإذا ظن البعض أن جياع هذه البلاد سيظلوا ساكتين، بسبب الاحتلال وسياساته، وإدراكهم العفوي لأولوية التناقضات التي لم يدركها الكثير من النخب التي تدعي الوعي، فإنهم واهمون.
فإذا عجزنا عن السياسة وإذا كان الظرف الاقليمي والدولي غير موات فلننتبه لوضعنا الداخلي، هذا موجه للسلطة، مع أن التعويل على انتباهها بات ضئيلا بحكم التركيبة النفسية والمصلحية لمراكز القوى فيها.
إذن هل نعول على معارضة تفتح باب نضال يدعم الفقراء والجماهير الشعبية؟. حتى هذا الأمل فر من بين أصابعنا، لأن مثل هذه المعارضة نسيت هويتها الفكرية والطبقية، وباتت مستريحة في التلهي بالسياسة اليومية، ظانة في نفسها أنها تقوم بدور سياسي وما هي إلا شاهد زور على فظاعات ترتكب باسم الوطن.
إن من يرفع شعار مناصرة الفقراء والربط بين الوطني التحرري والديمقراطي الاجتماعي، يجب أن يكون مخلصا وممارسا للشعار وإلا بات صاحب جملة ثورية، ونغمة نشاز، وبالتالي لا بد لهذه المعارضة أن تخرج من مغارة البطالة السياسية، وأن تتصدى لقضايا الناس اليومية علها بهذا تحافظ على ما تبقى لها من دور، أو تستطيع إعادة وصل ما انقطع من علاقاتها مع الجماهير.
لقد بات المواطن في هذه البلاد تائها، لا يدري على أي شيء يلوي، يعرف أن قدره هو الصمود والمقاومة، لكنه، لا يجد من يعينه على هذا الصمود، لا سلطة تدعي تمثيل همومه وطموحاته، ولا معارضة تقدم رؤية أخرى إن كانت موجودة. هذا التيه، لن ينعكس على الناس فحسب، لكن آثاره الحقيقية ستطال كل النخب في يوم ما، حين لا يستطيع الناس أن يستمروا بما هم عليه، ولا تستطيع السلطة أن تدير الامور كما كانت تديرها.
 

نقلا عن وطن للأنباء