3% من مياه قطاع غزّة صالحة للاستعمال الآدميّ

بالعربي:كتب محمد عثمان :  تشكو الحاجّة فتحيّة ديب، 60 عاماً، والّتي تقطن في مخيّم الشاطئ - غرب مدينة غزّة، من الملوحة العالية للمياه، الّتي تدخل بيتها من الآبار الّتي توزّع من خلالها بلديّة مدينة غزّة المياه إلى بيوت المواطنين، وأشارت لـ"المونيتور" إلى أنّها تعاني وعائلتها المكوّنة من أكثر من 17 فرداً من المياه المالحة، ممّا يشكّل عبئاً عليهم في التزوّد بالمياه الصالحة للاستخدام، وقالت: "نحتاج إلى كميّات كبيرة من المياه في شكل يوميّ، وكلّ ما يصلنا هو مياه مالحة تشبه تماماً مياه البحر، ولا نستطيع استخدامها في الكثير من الأمور، فنضطرّ إلى أن نشتري مياهاً صالحة للشرب".

ويعاني سكّان قطاع غزّة من رداءة المياه، الّتي تصل إلى بيوتهم من خلال البلديات. وفي هذا السّياق، رأى نائب رئيس سلطة المياه الفلسطينية في قطاع غزّة المهندس مازن البنّا أنّ واقع المياه في القطاع صعب، نظراً لمحدوديّة المصادر ومساحة غزّة الّتي لا تزيد عن 365 كلم، والّتي تمثّل أقلّ من 1.4 في المئة من مساحة فلسطين، فيما يعيش فيها حوالى مليوني نسمة، يمثّلون أكثر من 17 في المئة من تعداد الشعب الفلسطينيّ.

وقال البنّا لـ"المونيتور": "هناك استنزاف لكثير من القطاعات الموجودة في غزّة، ومنها المياه والأرض والزراعة والهواء وغيرها من عناصر البيئة، فالاستهلاك السكانيّ كبير، وعدد السكّان لا يتناسب مع ما يتوافر من هذه العناصر والمصادر الطبيعيّة".

وأشار إلى أنّ الخزّان الجوفيّ هو المغذّي الأساسيّ للمياه في قطاع غزّة، إذ أنّ حصّة الاستهلاك منه تبلغ حوالى 98 في المئة من الاستهلاك العام للسكّان، وقال: "إنّ المصدر الثاني للمياه هو الشركة الوطنيّة الصهيونية للمياه المعروفة اختصاراً باسم "ميكروت"، والّتي تزوّد القطاع بـ5 ملايين متر مكعّب سنويّاً، مدفوعة الأجر من قبل السلطة الفلسطينيّة، وتصل هذه الكميّة إلى المناطق الشرقيّة في مدينتي خانيونس والوسطى، لأنّ الخزّان الجوفيّ في بعض تلك المناطق غير موجود أو مالح وغير صالح للاستخدام المباشر في بعضها الآخر".

إنّ محدوديّة مصادر المياه في قطاع غزّة وتلوّث المتوافر منها، أدّيا إلى تقلّص الحصّة اليوميّة من المياه للمواطن الغزيّ. وبيّن الباحث في مجال المياه الدّكتور أحمد حلس أنّه لا يصل للفرد الكميّة الّتي يفترض توفيرها، تبعاً لتوصيات منظّمة الصحّة العالميّة.

وقال حلس لـ"المونيتور": "هذا النّقص الشديد، والّذي تفاقم في شكل مطّرد خلال الأعوام القليلة الماضية، نتيجة ارتفاع عدد السكّان من دون إجراء أيّ تطوير جدّي وفعليّ لقطاع المياه والصرف الصحيّ، أدّى إلى حدوث مشكلة أخرى وكبيرة أيضاً، وهي التدهور في الجودة والنوعيّة بسبب دخول مياه البحر إلى الخزّان الجوفيّ، نتيجة السحب الجائر للمياه، إذ يوجد في قطاع غزّة أكثر من 6 آلاف بئر، معظمها غير مرخّص".

أضاف: "لقد تلوّث الخزّان الجوفيّ بفعل دخول المياه العادمة نتيجة اهتراء البنية التحتيّة أو تدميرها في الحروب وغياب التّطوير الشامل واستخدام المواطنين للحفر الامتصاصيّة، إضافة إلى الاستخدام المفرط وغير المدروس من قبل العديد من المزارعين للموادّ الكيميائيّة لتخصيب التربة أو مكافحة الآفات الزراعيّة الّتي تتسرّب إلى الخزّان".

ونتيجة استنزاف الخزّان الجوفيّ من جهة، وتعرّضه للتلوّث من جهة أخرى، أدّى هذا الأمر إلى تدميره وشحّ المياه الصالحة للاستهلاك الآدميّ في قطاع غزّة.

وأشار المدير العام في مصلحة مياه بلديّات الساحل المهندس منذر شبلاق الى أنّ حوالى 97 في المئة من مياه القطاع أصبحت غير صالحة للاستهلاك الآدميّ، مؤكّداً أنّ الطاقة الإنتاجيّة للخزّان الجوفيّ لا تتجاوز الـ55 مليون متر مكعّب سنويّاً، وقال لـ"المونيتور": "إنّ حاجة القطاع تقدّر بـ180 مليون متر مكعّب سنويّاً للاستخدامين المنزليّ والزراعيّ، فيما أنّ العجز السنويّ تقريباً مائة مليون متر مكعّب. ونظراً لنقص المياه في الخزّان الجوفيّ، فإنّ ذلك يؤدّي إلى حدوث ظاهرة تداخل مياه البحر مكان مياه الخزّان الجوفيّ الصالحة للاستعمال، وتنتج منها زيادة في ملوحة المياه، وأصبحت الآبار القريبة من الساحل تشهد نسبة ارتفاع كبير في معدّل الكلورايد ليصل في بعض المناطق إلى 1500 ملّيغرام في اللّيتر، في حين يجب ألاّ يتجاوز معدّله الـ250 ملّيغرام في اللّيتر".

وأشار شبلاق إلى أنّ مياه الصرف الصحيّ غير المعالجة والمستخدمة بطرق غير سليمة واستخدام المبيدات الحشريّة، أدّيا إلى زيادة التلوّث، وقال: "إنّ معدّل النترات لا بدّ أن يتراوح حسب المعايير الدوليّة بين 50 و70 ملّيغرام في اللّيتر، لكنّه وصل في قطاع غزّة إلى 5 أضعاف هذا المعدّل".

ولفت إلى أنّ مصلحة مياه بلديّات الساحل المسؤولة عن البحث لإيجاد مصادر مياه للسكّان في قطاع غزّة، تعمل في الوقت الرّاهن على إيجاد مصادر مياه بديلة، وقال: "هناك اتّجاه لتحلية مياه البحر، وتمّ إنشاء محطّة لهذا الغرض في العام 2003، لتغذّي السكان في المنطقة الوسطى من قطاع غزّة بتمويل من الوكالة النمساوية للتنمية، فيما تمّت توسعتها لتصل من 600 كوب يوميّاً إلى 2600 كوب في بداية عام 2013 بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية، وجاري البحث عن تمويل إضافيّ لتصل طاقتها الإنتاجيّة إلى 5000 كوب يومياً".

ورغم البدء بإنشاء عدد من مشاريع تحلية مياه البحر في أكثر من مدينة في قطاع غزّة لتخدم مئات الآلاف من المواطنين، والّتي من المخطّط لها أن ترى النور في العام المقبل، إلاّ أنّها ووفقاً لشبلاق ستبقى رهينة الأوضاع السياسيّة والمعيشيّة العاّمة، وقال: "سيكون من الصعب أن ترى كلّ المشاريع النور في ظلّ الأوضاع السياسيّة الرّاهنة وانقطاع التيّار الكهربائيّ، الّذي يشكّل عاملاً أساسيّاً لتشغيل تلك المحطّات".

وتبقى خيارات المواطن محدودة في التزوّد بمياه صالحة للاستخدام الآدميّ في ظلّ التدهور الخطير في واقع المياه داخل قطاع غزّة، وأيّ خيارات جديدة مرهونة بنشاط المؤسّسات المسؤولة عن المياه والتّمويل الدوليّ والتقلّبات السياسيّة الداخليّة.