بعد 67 عاماً من الشوق "أم ياسين" تزور خلسة قريتها المهجرة

بالعربي: – زهران معالي: لم يكن من السهل على الحاجة "أم ياسين" التي شارفت على عقدها التاسع أن تبدأ الحديث عن أول عودة لقريتها "صرعا" قضاء القدس بعد حرمان قسري دام سبعة وستين عاماً بفعل التهجير الجماعي للفلسطينين إثر النكبة.

فحين تصبح رؤية الوطن المسلوب زيارة مختلسة يصبح الألم والشعور بالضعف والحقد على المحتل مسيطراً على الجوانح، فقبل شهرين استطاعت الحاجة مريم شحادة "أم ياسين" العودة لقريتها "صرعا" التي هجرت منها قسرا عام 1948، بفضل وفد سياحي ألماني رافقته مع قريب لها لتكتشف أن الاحتلال حول المقبرة التي يدفن فيها ابنها لحديقة يلهو بها "الغرباء".

تقول "أم ياسين": "قبل شهرين جاء قريب لنا من ألمانيا ومعه وفد من السياح الألمان وطلب مني الذهاب معه للحديث عن القرية وذهبنا هناك إلا أن ما كان من ذكريات وأماكن تجمع أبناء القرية والمسجد والمقبرة كلها أزيلت ولم تعد كما كانت بل تحولت لعمارات وحدائق للقادمين الجدد المحتلين".

وتضيف :كأن الحياة عادت إلي بعد أن فقدتها لسبعة وستين عاما عند دخولي القرية، فالبكاء سيطر عليّ عند الحديث عن مكان البيوت والمسجد كما الحزن على التهجير وكذلك الفرح على العودة من جديد للقرية حتى لو كان ليوم واحد وعلى بقايا ركام.
وتصف شعورها الذي غلفه البكاء، قائلة "الله لا يطعمها لحد بكيت كلما أشرت لبيت أبي وعمي وعائلتي، ف"صرعا" بلدنا وأرضنا كل أهلنا كانوا فيها وأجدادنا دفنوا فيها".

عادت "أم ياسين" لملجئها في مخيم قلنديا وكأنها تعود للخيمة الأولى لحظة اللجوء قبل 67 عاماً، تتقاسم ألم التهجير والتشرد مع 12 ألف فلسطيني يعيشون بالمخيم الذي لا يبعد سوى مسافة 11 كيلومترا إلى الشمال من القدس مسورا بمستوطنة وجدار وحاجز.

وتواصل "أم ياسين" روايتها التي أصبحت تاريخا يوثق لإثبات الحق في العودة للأرض، وتستذكر اللحظات التي سبقت اندلاع الحرب عام 1948، قائلة "انتشرت الشائعات أن العصابات الصهيونية ترتكب مجازر في اللد والرملة ويافا، وجاءت قوة أردنية مصرية مشتركة لقريتنا إلا أنها لم تستطع المقاومة أمام اليهود وسقطت البلدة بأيديهم".

وتضيف "أم ياسين" أن عائلتها اضطرت للهرب بالليل سيرا على الأقدام مسافة طويلة، تتخبط أقدامهم في العتمة بين صخور وشوك، ومكثوا في جبل مقابل البلدة على أمل العودة إلا أن العصابات الصهيونية بدأت مع ساعات الصباح الباكر بتدمير البيوت والمسكان بالقرية، وبقي الناس مدة عشرة أيام وارتحلنا لبلدة ثانية وأقمنا عريشا فيها وهجم عصابات الصهيونية علينا وبدأوا بإطلاق النار.

بعد سبعة وستين عاماً من التشرد والهجرة، تقول "أم ياسين" لـوطن للأنباء إن سكان مخيم قلنديا كبقية اللاجئين في المخيمات داخل فلسطين يعيشون كل يوم نكبة في ظل استمرار الاحتلال بالاقتحامات واعتقال الشبان وتدمير المنازل.
وتحلم "أم ياسين" بعد هذا العمر بالعودة لبيتها في "صرعا"، فعيونها التي أحاطتها تجاعيد الزمن ترسم صورة فلسطين التاريخية الخضراء المشرقة، ويديها التي تحمل مفاتيح العودة تؤكد أن شعب فلسطين حتماً سيعود ليحقق نبوءة الأجداد الذين قالوا دوماً "إننا عائدون".