صنعاء: مئات الضحايا في غارة جوية

بالعربي: مرّة جديدة، المدنيون ضحايا حرب «التحالف» الذي تقوده السعودية على اليمن.

وبينما تستمر المساعي الديبلوماسية لحلّ الأزمة سياسياً، اهتزت العاصمة صنعاء مع انفجارات ضخمة جراء غارة جوية على ما يُعتقد أنها قاعدة لصواريخ «سكود» في جبل فج عطان، ربّما تكون الأعنف منذ بدء «عاصفة الحزم»، سقط على إثرها مئات المدنيين، قتلى وجرحى، في وقت كانت الحكومة اليمنية المستقيلة تعلن عن توجّه لإطلاق «مشروع سلمان التطويري» لإعادة إعمار البلاد، مع توقعات بانتهاء الحملة «قريباً»، تعزّزها مبادرة الملك السعودي سلمان عبر الاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإشادة بالجهود التي تبذلها موسكو من أجل تطبيع الأوضاع في اليمن.
حصيلة الغارة التي استهدفت قاعدة لصواريخ «سكود» في جبل فج عطان قرب حي حدة، حيث يقع القصر الرئاسي والسفارات الأجنبية جنوب العاصمة صنعاء، بلغت حوالي 30 قتيلاً و400 جريح من المدنيين، إلى جانب تدمير عشرات المنازل واحتراق عدد كبير من السيارات، وفقاً لوكالة الأنباء اليمنية ـ «سبأ».
كما أدت الانفجارات، التي نتجت عن الغارة، إلى تضرّر مبنى قناة «اليمن اليوم» التابعة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومقتل أربعة من موظفيها، بحسب حزب «المؤتمر الشعبي العام».
وظل الاقتراب من الموقع متعذراً لفترة طويلة بعد الغارة بسبب الحرارة الكبيرة المنبعثة حتى مئات الأمتار من المخزن الواقع ضمن نطاق قاعدة للواء الصواريخ التابعة للحرس الجمهوري. وأظهرت مقاطع مصورة كتلة نار ضخمة انبعثت من موقع فج عطان، تبعها دوي انفجار هائل وموجة من الضغط والغبار أتت على عشرات السيارات والمنازل.
وفي إطار الدعم الأميركي المتواصل للحرب على اليمن، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ستيف وارين أن البحرية أرسلت حاملة طائرات وطراد صواريخ من الخليج إلى بحر العرب قرب سواحل اليمن، لإجراء عمليات تتعلق بالأمن الملاحي.
وفي حين نفى وارين أن تكون السفينتان في مهمة لاعتراض شحنات أسلحة إيرانية الى الحوثيين، نقلت وكالة «اسوشييتد برس» عن مسؤولين في البحرية الأميركية أن حاملة الطائرات والطراد سينضمان إلى سبع قطع بحرية أميركية في المنطقة، وهي على استعداد لاعتراض أي سفينة إيرانية تحمل أسلحة إلى الحوثيين، وذلك بعد ورود تقارير عن توجه ثماني سفن إيرانية إلى اليمن.
ورفض المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست التعليق على تحرك السفن الأميركية قرب اليمن، لكنه أشار إلى أن لدى واشنطن قلقاً من «الدعم الإيراني المتواصل للحوثيين». وقال «رأينا أدلة على تسليح الإيرانيين للحوثيين في اليمن. هذا الدعم سيساهم في زيادة العنف في البلاد. مثل هذه الأمور التي نتحدث عنها عندما نشير إلى النشاطات المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط».
وظهرت الخلافات الأوروبية بشأن الأزمة اليمنية، في ظلّ استمرار الموقف الرمادي تجاه «عاصفة الحزم». وبرغم أنّ فرنسا وبريطانيا تدعمان الحرب، فإن هناك دولاً تعارض بشدة استخدامها لحسم الصراع.
وفي هذا السياق، تواصل ألمانيا مساعيها للتوسط بين الرياض وطهران، بعدما زار مبعوث ألماني رسمي المنطقة، مؤخراً، وحطّ في العاصمتين. وفيما يشجّع وزير خارجة ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير على عقد مؤتمر دولي للسلام في اليمن، فإنه يرى أنّ سلطنة عُمان هي الأكثر أهليّة لاستضافته. وقال، في لهجة اعتراض ضمنيّة على ضربات السعودية، «لا يسعني التفكير في أنّ الحلّ العسكري ممكن، أعتقد أنّنا نحتاج إلى مسار باتجاه الحوار السياسي»، قبل أن يضيف «سنستخدم كل قوتنا من أجل (عقد) مؤتمر دولي في المنطقة، يهدف إلى تجديد النهج السياسي وإنهاء المواجهات العسكرية».
وتجنّبت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، في حديث إلى «السفير» على هامش اجتماع وزراء خارجية أوروبا في لوكسمبورغ، تقديم رأي بشأن التحرّك السعودي العسكري، لكنّها حذّرت من مخاطر التوتّر الإقليمي لأن لدى المنطقة ما يكفيها.
وقالت إنّ الاتحاد الأوروبي يعمل «أولاً لزيادة المساعدة الإنسانية، لكنّ المال ليس كافياً، وعلينا التأكد أنّ المساعدة تصل إلى البلاد، لذا نحتاج إلى وضع ترتيبات أمنية»، مضيفة «نأمل أنه سيكون من الممكن في الأيام المقبلة إحياء المسار السياسي بقيادة الأمم المتحدة، على ألّا ترى دول المنطقة هذا كصراع إقليمي جديد، فلدينا ما يكفي المنطقة، ولكن كطريق لتطوير تعاون ممكن من أجل تقليل التوتر في المنطقة».
وقال مصدر ديبلوماسي أوروبي، لـ «السفير»، إنّ الخلافات جعلت المسودة المقترحة للبيان الأوروبي ترسو على صيغة مواربة، تدعم، بشكل غير مباشر، ضربات «التحالف» من باب أنّها تسعى «لإعادة السلطة الشرعية»، طالما أنّ الأوروبيين يعتبرون عبد ربه منصور هادي «الرئيس الشرعي»، ويدينون تحرّك «أنصار الله». لكن بعد النقاشات بين الوزراء، تمّ استبعاد هذه الصيغة تماماً، كما يلفت المصدر، موضحاً أنّ «التعبير عن أيّ إيجابية أو دعم مباشرين للضربات الجوية، هو مسألة يبدو أنّها غير واردة إطلاقاً للتعبير عن الموقف الأوروبي المشترك».
وفيما تستمر الحملة العسكرية على اليمن، أشار وزير الخارجية، في الحكومة المستقيلة، رياض ياسين إلى توجه نحو إطلاق «مشروع مارشال» عربي لإعادة الإعمار بعد إرساء «الشرعية» في اليمن، مجدداً رفضه أيّ وساطة من قبل إيران لحلّ الأزمة في بلاده.
وقال ياسين، من الكويت، إنّ «أيّ مشروع وساطة يأتي من إيران غير مقبول، لأنها تورّطت في الشأن اليمني»، مضيفاً أن «إيران أصبحت جزءاً كبيراً من الأزمة اليمنية، ولا يجوز لمن يعتبر نفسه طرفاً أن يكون وسيطاً».
وفيما اعتبر أنّه يتعيّن «على الحوثيين وميليشيات صالح الانسحاب من كل المدن والقرى بما فيها عدن وصنعاء»، قال «عليهم أن يعودوا إلى معقلهم في صعدة كمدنيين، ويلقوا السلاح ويسلّموا الأسلحة التي استولوا عليها، وبعدها يجري الحديث عن حوار وعن حلول سياسية، أمّا الآن فلا مجال للتفاوض»، معرباً، في الوقت ذاته، عن اعتقاده بأنّ العملية العسكرية التي تقودها السعودية ستنتهي «قريباً».
وأشار إلى وجود «مشروع ندرسه الآن مع دول الخليج، وعندما تعود الشرعية سيكون هناك مشروع لإعادة الإعمار والتنمية والبناء، عبارة عن مشروع مارشال عربي، أسميه مشروع سلمان التطويري لليمن».
وبادر الملك سلمان، أمس، إلى الاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مقيّماً الجهود التي تبذلها موسكو من أجل تطبيع الأوضاع المتأزمة في اليمن، معرباً عن امتنانه لموقف روسيا لدى تصويت مجلس الأمن الدولي في 14 نيسان الحالي على قراره بشأن اليمن، وفقاً لبيان الكرملين.
وجاء في البيان «أكد الزعيمان استعدادهما لتعزيز التنسيق بين روسيا والسعودية على جدول الأعمال الإقليمي والدولي. كما أعربا عن النية المتبادلة للمزيد من التعاون الثنائي البناء في مختلف المجالات»، مضيفاً أنّ بوتين دعا سلمان إلى زيارة روسيا.
وتنتظر الرياض وصول رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، بعد غدٍ الخميس، لبحث الوضع في اليمن، بعد أيام من إقرار البرلمان الباكستاني «الحياد» بشأن الأزمة في اليمن، رافضاً المشاركة في تحالف «عاصفة الحزم».
وعلى خلفية الغارة، أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أنّه تمّ استدعاء القائم بأعمال السفارة السعودية لدى طهران، احتجاجاً على سقوط صاروخ قرب مبنى السفارة الإيرانية في صنعاء.
وفيما شدّد على أنّ السفارة الإيرانية في اليمن ستواصل أعمالها، أكّد، في الوقت ذاته، أنّ مسؤولية أيّ حادث يؤدّي إلى مشكلة في النشاطات الديبلوماسية «تقع على عاتق السلطات السعودية باعتبارها دولة تمارس العدوان على اليمن».
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية منصور التركي أن قوات الأمن في حالة تأهّب لأيّ هجوم محتمل على مركز تجاري أو منشأة للطاقة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن التركي قوله «وردت معلومات بشأن عمل محتمل يستهدف مركزاً للتسوّق أو منشآت لأرامكو. أرسلنا هذه المعلومات إلى قوّات الأمن حتى تكون على أهبة الاستعداد».
ونعت وزارة الداخلية السعودية عنصراً من حرس الحدود، ليرتفع عدد القتلى السعوديين إلى ثمانية جنود منذ بدء العملية.
(«السفير»، رويترز، أ ف ب، أ ب، «الأناضول»)