هل "غسل" أوباما يديه من "السنة العرب"؟

بالعربي: من تابع الحديث الذي أدلى به الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الصحافي توماس فريدمان ونشرته صحيفة "نيويورك تايمز" يوم أمس يدرك جيدا أن الرئيس الأمريكي "غسل يديه" تماما من حلفائه العرب، وخاصة في منطقة الخليج العربي.

الرئيس أوباما صدم الحلفاء العرب عندما قال "التهديدات التي يواجهها حلفاء واشنطن من العرب السنة قد لا تكون قادمة من جهة إيران المهاجمة وإنما من الاستياء داخل بلدانهم"، وأضاف "لديهم تهديدات خارجية حقيقية لكن لديهم أيضا بعض التهديدات الداخلية”، ولخص التهديدات الداخلية في "التهميش السكاني"و"البطالة" في اوساط الشباب، والايديولوجيات الدينية المتطرفة.

اللافت أن الرئيس أوباما في هذا الحديث وجه انتقاداته إلى "العرب السنة" وعرب الخليج على وجه الخصوص، وكأنه أراد أن يوجه لهم رسالة واضحة تقول بأن الإدارة الأمريكية لن تخوض حروبهم وتضحي بأبنائها من أجل طمأنتهم والقضاء على اعدائهم، طالما أنهم لا يريدون خوض هذه الحرب بأنفسهم، والوقوف بموقف المتفرج أو الممول عن بعد فقط، وكان صريحا جدا تجاه هذه المسألة عندما قال "لماذا لا يمكننا رؤية عرب يحاربون ضد الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان أو يقاتلون ضد ما يفعله الرئيس بشار الأسد في سورية".

كلام الرئيس اوباما في هذا الخصوص ينطوي على بعض الصحة، وإن اختلفنا معه وبلاده في معظم الملفات الأخرى، فمن المعيب أن تصل البطالة في أوساط اليمنيين إلى أكثر من ستين في المئة، وفي أوساط الشباب السعودي إلى أكثر من ثلاثين في المئة، وتتدهور الخدمات الصحية والتعليمية في معظم الدول العربية، وتتصاعد معدلات انتهاك حقوق الإنسان إلى الأسوأ عالميا.

ويمكن الرد على الرئيس أوباما بتوجيه النقد، وإن كان بصيغة أخرى إلى بلاده وإداراتها المتعاقبة التي صمتت ولأكثر من نصف قرن على الأقل على هذه الأوضاع المهترئة في الدول العربية، وفضلت التعاطي مع حكومات ديكتاتورية تحت عناوين الاستقرار.

حقوق الإنسان كانت دائما منتهكة في الوطن العربي، والفساد تحول إلى مؤسسة، وتهميش بعض الفئات أو الأقليات، بل حتى الأكثريات في معظم الأحيان، كان من العناوين الرئيسية لأنظمة الحكم، لكن الولايات المتحدة استغلت هذه الأوضاع لمصلحتها لتعميق ضعف هذه الأنظمة واستمرار دورانها في الفلك الأمريكي.

الرئيس اوباما اختار الصحافي فريدمان خصيصا بسبب خبرته في الشؤون العربية والشرق أوسطية لتبرير الطعنة السامة التي طعنها في ظهر حلفائه في السعودية والخليج عندما خدعهم، وأخفى عنهم، مفاوضاته السرية مع إيران للتوصل إلى صفقة حول برنامج الأخيرة النووي، وكأنه يقول لهم إن ديكتاتوريتكم وسوء إدارتكم وفسادكم، وتهميشكم للشباب وقطاع عريض من مواطنيكم هو السبب الذي دفعني إلى التنصل منكم وتحالفكم، والتوجه إلى إيران كبديل عنكم يمكن الاعتماد عليه في المنطقة.
ومثلما اختار العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز الصحافي فريدمان دون غيره لاطلاق مبادرته للسلام في صيغتها الأولى للوصول إلى الإدارة الأمريكية واللوبي اليهودي، فعل الرئيس اوباما الشيء نفسه لإيصال رسائله إلى حلفائه العرب الذين تخلى عنهم، وركلهم دون أسف، أو ندم.

مقابلة أوباما لصحيفة الـ"نيويورك تايمز"، ومع توماس فريدمان بالذات، تعتبر وثيقة عالية الأهمية، ولا نبالغ إذا قلنا إن ما ورد فيها من أفكار يمكن أن يكون أجندة، أو جدول أعمال اللقاء الذي دعا إليه زعماء دول الخليج العربي إلى منتجع كامب ديفيد الشهر المقبل لشرح الاستراتيجية الجديدة في المنطقة، ومحاولة طمأنتهم تجاه أاخطار الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني على بلدانهم وحكوماتهم.

دول الخليج يجب أن تقلق من هذا التحول الأمريكي، وتدرس هذه المقابلة وما ورد فيها بشكل متعمق لتفهم الرسائل الموجهة من خلالها، والتعاطي معها بشكل عملي وسريع، وخاصة الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان، والاستياء الشعبي، والفساد والبطالة، حتى لو كانت "شهادة حق اريد بها باطل".

 

المصدر (رأي اليوم)