الفلافل والحمص والكنافة بعد القدس والأرض..

بالعربي_كتب علي الصالح:  تمسكنوا حتى استأسدوا.. بداية كانوا يساومون على قطعة صغيرة من الأرض لإقامة وطن.. فتحقق الوطن الحلم بفضل وعد بلفور البريطاني المشؤوم، وبدعم من الأمم المتحدة. وأقاموا دولتهم على حساب شعب فلسطين.. ولم يكن ذلك إلا البداية، فهم لم يكتفوا بما سلبوه زورا وبهتانا.. فباشروا التوسع وسلب المزيد من الأرض حتى سيطروا على أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين التاريخية… ثم كل فلسطين في عام 1967..

كانوا يساومون الفلسطينيين على جزء من الأرض والاعتراف بوجودهم ودولتهم، وانقلبت الآية ليصبح الفلسطينيون هم من يساومونهم على جزء من هذه الارض والاعتراف بحقهم في إقامة دولة، وكأنهم هم اصحاب هذه الأرض الأصليون والفلسطينيون هم الغرباء المدعين.. وهنا لن أدخل في الأسباب ولا من المسؤول… فالقصة معروفة "من طقطق للسلام عليكم" أي من أولها إلى آخرها.

أدرك جيدا أن كل ما تقدم هو كلام ممجوج ومكرر.. وأعرف أيضا أن الكثير صمت آذانهم من كثر الاستماع لهذه الإسطوانة المشروخة.. لكن ما تقدم ليس الا مقدمة ضرورية لما هو أعظم وأخطر.

بعدما اطمأنت إسرائيل، ممثلة بحكوماتها المتعاقبة منذ عام 1948، وحتى الإئتلاف الحكومي الحالي، الذي يضم مجموعة من أحزاب دينية متشددة واستيطانية عنصرية متعصبة، والحكومة الجديدة المتوقع أن تكون أكثر تعصبا وتشددا وعنصرية، لنجاحها في تقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، ببسط نفوذها على كل الأرض وحشر الفلسطينيين في "معازل بشرية"، كما فعل من قبلها المستعمرون الأوروبيون للهنود الحمر في أمريكا، تصعد الآن من نشاطها لتنفيذ المرحلة الثانية من مخططها الاستعماري، وهو محو العلاقة التاريخية بين الفلسطينيين وفلسطين وسلبهم تراثهم الزاخر وتجريدهم من كل مقومات الشعب وتزوير تاريخهم وإعادة كتابته، بما يخدم الرواية الصهيونية المختلقة، ووضع اليد على كل شيء له علاقة بالتراث الفلسطيني، بما في ذلك الآثار التاريخية والمأكولات الوطنية، وحتى الأزياء، ونسبها إلى ما يسمى بالتراث اليهودي المزعوم.

وبذلك تعتقد إسرائيل خاطئة، أنها أطبقت الخناق، وأكملت مهمتها في وأد الحلم الفلسطيني في استرجاع حقوقه، ونفذت خطة يغال آلون وزير الخارجية الأسبق، عام 1973، وعمادها منح الفلسطينيين حكما ذاتيا على التجمعات السكانية، لا الأرض. ولم يأتِ اتفاق أوسلو 1993، عبطا أو عبثا أو كرما من إسرائيل، بل تنفيذا لخطة ألون، فمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا على المراكز السكانية المكتظة، ممثلة بالمدن الرئيسية في الضفة الغربية، بينما ظلت السيادة لإسرائيل على اكثر من 60٪ من 20٪ (مساحة الضفة الغربية من فلسطين التاريخية) وحتى الطرق والشوارع التي تربط هذه المركز السكانية ببعضها خاضعة للأمن الإسرائيلي.

وتواصل مسلسل التهويد وسرقة المزيد من الأراضي، ومحاولات طمس الهوية الفلسطينية، لاسيما في منطقة القدس الكبرى، بالتنسيق الرسمي مع المنظمات الاستيطانية. فمنذ اللحظة الأولى التي بسطوا فيها سيطرتهم على كامل الأرض عام 1967، لم يضيعوا لحظة في ترسيخ وجودهم، بداية في القدس المحتلة فدمروا في الساعات الأولى من احتلالهم للقدس الشرقية، حارة المغاربة المتاخمة لحائط البراق (الغربي) للمسجد الأقصى، تدميرا كاملا وهجروا أهلها وغيروا معالمها لتسهيل وصول اليهود الى الحائط الذي يطلقون عليه حائط المبكى. وواصلوا على مر السنين، حفرياتهم تحت الأقصى، وبنوا الأنفاق، ما يهدد بانهياره كخطوة أولى لإعادة بناء الهيكل المزعوم مكانه، وبذلك يكونون قد أتوا على أحد أهم وأقدس المقدسات الإسلامية، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول.

وتواصلت اعمال التهويد وبنوا الكنس وغيروا أسماء الشوارع، وأضيف اسم جبل المعبد الى جانب الحرم القدسي (الأقصى وقبة الصخرة) بينما تواصلت الحفريات في المناطق المحيطة بالقدس وتحت الأقصى وباب المغاربة، إحدى بواباته، لتسهيل وصول اليهود الى ساحة الأقصى، تمهيدا لاقتسامه بداية، قبل السيطرة الكاملة عليه، كما حصل في الحرم الإبراهيمي في الخليل، الذي أصبح الأذان فيه ممنوعا في كثير من الايام بحجة ازعاج المستوطنين.

وأثارت هذه الجرائم حفيظة حتى حكومة ديفيد كاميرون الإئتلافية في بريطانيا، وليس دولا عربية، أعدت الجيوش لمواجهة المد الإيراني في اليمن. واتهمت بريطانيا في بيان اصدرته باسمها الوزيرة المحافظة البارونة جوسي آنالي، المستوطنين بالسيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية، بحجة حماية المواقع الأثرية التاريخية الموجودة هناك. وقالت البارونة إن اسرائيل تحاول التلاعب بالآثار والتاريخ في القدس.

وقالت البارونة إن الوزراء أعربوا عن قلقهم من أن هيئة الآثار الإسرائيلية تقوض جهود السلام في المنطقة، من خلال عملها مع جماعة من المستوطنين المتطرفين. ودفعت "العاد" سابقًا، هيئة الآثار إلى حفر خنادق عميقة تحت أساسات البيوت والمساجد الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة. وأكدت البارونة أن ما تقوم به منظمة "العاد" اليمينية هو جزء من هذا الاستيطان الذي يهدف للسيطرة على الارض وتغيير المعالم في المدينة.

وكأن سرقة الاراضي والاثار لم تعد تسد جوع الإسرائيليين ولا تروي عطشهم لكي يكونوا شعبا أسوة بباقي الشعوب، له ماض وتاريخ وآثار وتراث، فبعد أن مكنوا أنفسهم من الأرض، وبسطوا اليد على الآثار، توجهت أنظارهم نحو الجوانب الأخرى من التراث الوطني الفلسطيني من مأكولات وأطباق طعام وأزياء وغيرها.

ويأتي في هذا السياق انتشار الكثير من المطاعم الإسرائيلية المختصة بتقديم الحمص والفلافل، باعتبارها إسرائيلية في الكثير من العواصم والمدن الأوروربية والأمريكية، ويوجد في نيويورك أكبر مطعم للحمص في العالم، وهو بالطبع مطعم إسرائيلي.

ليس هذا فحسب، بل ان اسرائيل نجحت مؤخرا في إقناع احد اكبر المحلات في بريطانيا "ويت روز" بإضافة ملحق في مجلتها الشهرية عدد فبراير الماضي من إعداد مجلس السياحة الإسرائيلي، بعنوان "مذاق من إسرائيل" يتحدث عن تاريخ المطبخ في إسرائيل، ويحتوي على وصفات من "المأكولات الوطنية في إسرائيل".. الحمص والفلافل والشكشوكة وغيرها من وصفات المطبخ الشعبي الفلسطيني والعربي.

ونشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية اليسارية، تحقيقا عن تاريخ الحمص اليهودي ووضعت مجموعة من الوصفات لعمل الحمص، وصفات هي بالأساس فلسطينية مئة بالمئة. كما نشرت تحقيقا آخر عن الكنافة التي تعرف في العالم أجمع بالكنافة النابلسية (نسبة الى مدينة نابلس شمال الضفة الغربية) ونسبتها الى التراث اليهودي.

ويفاجأ زائرو موقع "باز دفييد" الأمريكي المتخصص في تصنيف الأطباق الغذائية، بان الكنافة باتت حلوى إسرائيلية وتحتل المرتبة 17 على قائمة أطباق الحلوى العالمية.

وللتوضيح لمن لا يعرف ان تاريخ الكنافة في فلسطين يعود الى منتصف القرن التاسع عشر، كما ذكرت المفوضية العامة للعلاقات الوطنية لحركة فتح. وحسب الرواية المتداولة في نابلس فإن المدينة عرفت صناعة الكنافة عام 1850، نقلها اليها مواطن من سوريا، افتتح أول محل للكنافة شراكة مع مواطن نابلسي من عائلة أبو سير. وكانت الكنافة بذلك الوقت تحشى بالمكسرات، وبعد سنتين قرر المواطن السوري العودة الى موطنه، وبقي المحل يعمل في نابلس باسم آخر، ونظرا لشحة المكسرات التي كانت تستخدم لحشو الكنافة، استبدلت بالجبنة النابلسية البيضاء او الجبنة العكاوية.

وقبل أن ننتقل الى موضوع الأزياء، لا بد من من التذكير بان إسرائيل أيضا وضعت يدها على أحد المقومات الغذائية الفلسطينية، الزيت والزعتر، إضافة الى الميرمية وغيرها من الموروثات الوطنية، ومنعت الفلسطينيين من الضفة الغربية من قطف هذه الشجيرات البرية.

ومن المأكولات والحلويات الشعبية الى الأزياء، ففلسطين رغم ضيق مساحتها وتقارب المدن والبلدات، إلا أن فيها طيفا من الأزياء التي تختلف من منطقة لأخرى.. فهناك أزياء موروثة من جيل عن جيل، بدءا من الناصرة شمال شرق فلسطين التاريخية الى مناطق جنين مرورا بطولكرم ونابلس ورام الله والبيرة والقدس وبيت لحم وأريحا والخليل، وحتى بئر السبع في صحراء النقب الخ. وحتى هذه الأزياء مهددة تحاول إسرائيل سرقتها ونسبها إليها.

إذا لم تحرك مشاعركم فلسطين.. ولم يثر نخوتكم الأقصى.. لا بد ان يكون مكان في بطونكم للفلافل والحمص والكنافة..