اليمن.. جبهة جديدة لمصر!

بالعربي_كتب مصطفى بسيوني: واحدة تلو الأخرى تتفتح جبهات الصراع والأزمات أمام النظام المصري. وابتداءً من تهديدات الجماعات التكفيرية في سيناء شرقاً، مروراً بحالة الفوضى والانهيار في ليبيا غرباً، وصولاً إلى أزمة «سد النهضة» جنوباً، يبدو الامن القومي المصري محاصراً من ثلاث جهات.

واليوم، تبدو مصر مدعوة للانضمام الى جبهة جديدة في اليمن. فمع اطلاق السعودية «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين، بدا بديهياً لكثيرين أن تشارك مصر في تلك العمليات العسكرية.
والى جانب العلاقة القوية التي تربط مصر بدول الخليج، وبخاصة السعودية، ثمة مصلحة لمصر، كما يرى كثيرون، في السيطرة على الأوضاع في اليمن، خصوصاً ان الصراع في هذا البلد يقترب شيئا فشيئا من مضيق باب المندب، مهددا بذلك الملاحة في المضيق، وبالتالي في البحر الأحمر، ما من شأنه ان يشكل خطورة على حركة مرور السفن في قناة السويس.
وكانت مصر أكدت، في أكثر من مناسبة، أن تهديد الملاحة في البحر الأحمر أمر لا يمكن السماح به.
كما أجرت مصر والسعودية والإمارات، قبل شهر تقريباً، مناورات بحرية في البحر الأحمر بهدف حماية الملاحة فيه.
كذلك، فإن مؤتمر شرم الشيخ شهد دعما غير مسبوق من دول الخليـج لمصر، تمثل في منح ومساعدات بأكثر من 12 مليار دولار. وبالرغم من أن تلك المنح لم تصل مصر بعد، إلا أنها تشكل دافعاً للسلطات المصرية للتعاون مع دول الخليج لمواجهة الأزمة في اليمن.
ويضاف الى ذلك، ان التدخل العسكري في اليمن ضمن «تحالف عربي» يصب في خانة الدعوة التي اطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من شهر لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب وحماية أمن منطقة الشرق الاوسط، وهو المشروع الذي وافق عليه وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم، أمس، قبل يومين من القمة العربية في شرم الشيخ.
وبالرغم من أن مشاركة مصر في العمليات العسكرية في اليمن كانت شبه مؤكدة، إلا أن الحكومة المصرية لم تعلن رسمياً عن انخراطها في التحالف العسكري سوى مساء الأمس، حتى أن المتحدث العسكري العميد محمد سمير رفض التعليق على مشاركة مصر من عدمها في حديثه يوم أمس لـ «السفير» قائلا ان «هذا الأمر لن نعلق عليه، ويمكن الرجوع فيه الى وزارة الخارجية، لأنه موقف الدولة المصرية وليس شأن القوات المسلحة وحدها».
ولكن رئاسة الجمهورية أصدرت بيانا بعد ذلك أكدت فيه مشاركة مصر بقوات جوية وبحرية في عملية «عاصفة الحزم» إلى جانب دول عربية وإسلامية. وأكد البيان أن مشاركة مصر في العمليات جاءت بعد استيفاء الإجراءات الدستورية.
ويحدد الدستور المصري قواعد لإعلان الحرب أو إرسال قوات خارج البلاد.
وفي هذا الإطار، تقول النائبة السابقة لرئيس المحكمة الدستورية العليا المستشارة تهاني الجبالي لـ «السفير» انه «يجب أن يوافق البرلمان على إعلان الحرب أو إرسال قوات للقتال خارج البلاد. ولكن في ظل غياب البرلمان يتخذ القرار مجلس الدفاع الوطني».
وبرغم ذلك، لم يتم الإعلان عن عقد مجلس الدفاع الوطني، مثلما حدث قبل شن مصر الغارات الجوية على ليبيا قبل أكثر من شهر.
وقد تكون مشاركة مصر مقررة بالفعل قبل فترة، خاصة أن القيام بطلعات جوية من مصر لليمن يحتاج الى تجهيزات خاصة.
وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلوم الاستراتيجية في «أكاديمية ناصر العسكرية» اللواء نبيل فؤاد لـ «السفير» ان «قيام الطائرات المصرية بطلعات في اليمن والعودة منها الى قواعدها في مصر قد يحتاج الى التزود بالوقود في الجو، ومصر لا تمتلك طائرات لوجستية من هذا النوع».
ويشير الى ان «مشاركة طائرات مصرية يمكن أن تتم عبر نقلها أولا الى الأراضي السعودية لكي تقلع من قواعد جوية سعودية ثم تعود إليها، ذلك ان المسافة بين مصر واليمن لا تسمح لطرازات الطائرات العاملة في مصر بمداها الفعلي أن تقوم بتلك الطلعات وتعود».
لا تبدو العمليات العسكرية التي تمت مساء أمس الأول عابرة، كذلك لا تبدو المشاركة المصرية محدودة، فوزير الخارجية المصري سامح شكري أكد في اجتماع وزراء الخارجية العرب أن مصر مستعدة للمشاركة في عملية «عاصفة الحزم» سواء بقوات جوية أو بحرية، وإن لزم الأمر بقوات برية أيضا، ما يعني أن مصر لن تتردد في الدخول بقوة في التحالف الذي شكلته السعودية، وقد أكد ذلك مرور أربع قطع بحرية مصرية من قناة السويس في اتجاه البحر الأحمر لحماية الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، حسبما أوردت تقارير صحافية.
التجربة السابقة لمصر في اليمن في ستينيات القرن الماضي، تركت أثرها في الفكر العسكري المصري، وجعلت أي خطوة في اتجاه إرسال قوات مصرية في الخارج محاطة بألف سؤال، فما بالنا إذا كان هذا المكان هو اليمن مرة أخرى.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير العسكري اللواء نبيل ثروت في حديث إلى «السفير» ان «مصر واعية ويقظة، ولن تقع في أخطاء الماضي، وإذا تدخلت فسيكون ذلك بحذر وبحساب».
ويضيف «أتوقع أن تكون مشاركة مصر المحتملة بوحدات رمزية».
وعن طبيعة الوحدات التي قد تشارك من مصر في العمل العسكري في اليمن قال ثروت «لا أحد يستطيع أن يجزم ما إذا كانت المشاركة ستقتصر على وحدات بحرية وجوية أو ستشمل قوات برية، فالحرب عندما تبدأ تكون لها حسابات اخرى، والأحداث والمعارك الجارية تفرض واقعها وضروراتها».
ويضيف ثروت «يجب أن نضع في الحسبان أن قوات الخليج كبيرة وقادرة على لعب دور رئيسي، كذلك فإنّ العالم كله معني بما يجري في اليمن، خاصة أنه يجري على ساحل البحر الأحمر، بما يعنيه ذلك للملاحة الدولية. كما أن ما يجري في اليمن يعد امتدادا للحرب على الإرهاب».
لا يمكن مقارنة أزمة اليمن اليوم ودور مصر فيها بالستينات من أكثر من جانب.
مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير معصوم مرزوق يقول لـ «السفير» ان «أوضاع اليوم تختلف عن أوضاع الستينات حينما تدخلت مصر عسكريا في اليمن».
ويرى مرزوق ان «الشبه الوحيد بين الحالتين هو أن اليمن يمكن أن يتحول الى مستنقع».
ويشير المرزوق الى ان «في الستينات كانت هناك ثورة في اليمن دعمتها مصر، وكان ذلك ضد رغبة السعودية والأنظمة الملكية، أما ما يجري اليوم فهو صراع سيحول اليمن الى مستنقع لمن يتورط في الصراع داخله».
ويقلل مرزوق من احتمال تورط مصر في التدخل في اليمن قائلا «ليس لدي يقين أن هناك مشاركة فعالة من مصر، ربما ستكون هناك مشاركة محدودة وليست ضخمة، فقوات درع الجزيرة كافية للقيام بهذا العمل وهي أقرب الى اليمن».
بعد دخوله في مواجهة دموية مع «الإخوان المسلمين»، وقيامه بما اعتبر تحدياً للولايات المتحدة، واقترابه من روسيا، يذهب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى اليمن، كما لو كان يقتفي أثر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد حوالي ستة عقود.
ولكن مياها كثيرة جرت في أنهار الشرق الأوسط، جعلت تلك الخطوات مختلفة شكلا ومضمونا عما كانت عليه عندما قام بها عبد الناصر... ولكن ليس من المعروف بعد مدى اختلاف نتائجها.