ديموقراطيّة تونس والإرهاب

بالعربي-كتب سمير العيطة:

يعيد العمل الإرهابي الذي عاشته تونس واستهدف متحفها التذكير أنّ مآلات اضطرابات «الربيع العربيّ» لا تنتهي بمجّرد وضع دستور دولة «مدنيّة ديموقراطيّة» والتوافق على الاحتكام لصناديق الاقتراع.

تونس كانت مثال الرحيل السريع للاستبداد والتعلّم الأطول للعبة الديموقراطيّة في الاختلاف والتوافق. إلاّ أنّ الديموقراطيّة لا تعني بالضرورة الاستقرار، ولا يُمكن أن تغفل المسائل الاجتماعيّة.

تتمّ الإشارة منذ زمن إلى أنّ تونس هي البلد الذي ينتمي له أكبر عدد من المقاتلين الأجانب الذين يحاربون إلى جانب المتطرفين في سوريا، وأنّ الأمر يستحقّ اهتماماً، خصوصاً إذا نُظِر للعدد على ضوء النسبة الإجمالية للسكّان، وأنّ ذلك يعني أنّ لهؤلاء المتطرّفين حاضنة اجتماعيّة ينمون في إطارها، وما يشير إلى مشكلة اجتماعيّة يجب التعامل معها.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو كيف لم يأبه أحد أنّ سيدي بوزيد، مهد «الربيع العربيّ» قد رفضت مجيء سياسيي تونس العاصمة للاحتفاء بالعيد الرابع للثورة؟

لا يخرج التطرّف والإرهاب من العدم، بل من صلب المجتمع، وأحياناً من صلب الديموقراطيّة كما من صلب الاستبداد. وهو دلالة أوّلاً وأساساً على مشكلة اجتماعيّة، قبل أن يكون أزمة فكر، إن كان ذلك في تونس، أو في فرنسا، أو في العراق وسوريا.

لقد ترك سياسيو تونس المشكلة الاجتماعيّة تتفاقم، وهي التي كانت في أصل الثورة. وتقاسم بعض القائمين على اللعبة السياسيّة تركة بن علي الريعيّة. وبقيت مؤسّسة الدولة معطّلة بفعل تناحر السياسيين على السلطة، ولم تقم برغم كلّ التحذيرات بأيّ شيء يجعل الناس في المناطق التي كانت أصلاً مهملة يشعرون أنّ الثورة أتت لتحسين أحوالهم المعيشيّة. وعرفت تونس هزّة كبرى مع الحرب القائمة في ليبيا، اجتماعياً واقتصادياً، في حين لم يأبه العالم، خصوصاً الأوروبيّين المتغنّين بالديموقراطيّة، بمساعدة تونس للخروج من المعضلة الاقتصادية التي خلقها التغيير السياسيّ ولمواجهة مشكلة اللاجئين.

أربع سنوات من الانتظار، والحالة الاقتصاديّة الاجتماعيّة تتردّى، برغم أنّه كان واضحاً أنّ تونس لا يُمكن أن تعود إلى ريع اقتصاد السياحة إلاّ على المدى المتوسّط، وأنّ النهوض الاقتصاديّ لن يأتي إلاّ عبر إعادة هيكلة الاقتصاد، خصوصاً القطاع المصرفيّ المتعثّر.

كما تناسى الجميع أنّ التطرّف والإرهاب تحت عنوان الإسلام، ينبُع من رحم الإسلام السياسيّ، كما كان ينبع تطرّف وإرهاب أوائل القرن العشرين في حضن الفكر الماركسيّ أو الليبراليّ السياسيّ. وأنّ مواجهته فكريّاً يجب أن تتمّ أوّلاً من قبل الإسلام والمسلمين، كما كان الأمر على الماركسيين أو الليبراليين سابقاً. وهنا لا بدّ من الإشادة بالجهد الذي بذلته حركة «النهضة» التونسيّة بصدد هذه المواجهة. ولكنّ تفاقم الأمر يدلّ أن جهداً أكبر ما زال ضروريّاً، فما بالنا بالبلدان الأخرى حيث ليس هناك من مواجهة، بل تلاعب من قبل أنظمة الاستبداد، واحتضان من قبل نخب الإسلام السياسيّ والليبراليين على السواء.

لا يعالج التطرّف والإرهاب فقط بالقمع أو بالحرب، وإنّما بالتوجّه لحاضنته المجتمعيّة ولمعالجة الأسباب الاقتصاديّة الاجتماعيّة التي تأخذ الشباب إليه، وكذلك بإزالة المظالم التي يوجّه المتطرّفون سخطهم حيالها.

هنا ستأتي التجربة التونسيّة بدلالات كبيرة حول مستقبل «الربيع العربيّ». فهل ستتوجّه نحو دولة قويّة بالمعنى الأمنيّ، أم إلى دولة فاعلة بمعنى القطيعة مع اقتصاد سياسيّ يحمل أصلاً في طيّاته الاضطرابات الاجتماعيّة؟

المجتمع التونسيّ هو الذي سيحسم الأمر. وصدمة العمل الإرهابيّ وتبعاته قد توقظه مرّة أخرى من الاستكانة للأقدار.