ترامب يغامر وروحاني يصفع!.. فوضى شاملة تعتري العالم إلى أين تسير الامور؟

بالعربي: ترامب يُقدِم على مُقامَرةٍ خَطيرةٍ بإعلانِه بِدء العُقوبات على إيران.. تأكيد روحاني على وُقوف روسيا والصِّين خَلفَ بِلادِه صَفعةً قويّة لأمريكا وحُلفائِها.. “الناتو العربي” قد يَخرُج الخاسِر الأكبَر.. والعالم على حافّةِ فَوضىً شامِلة.. والمُفاوضات السِّريَّة غير مُستَبعَدة

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تطبيق المرحلة الأولى من العُقوبات الاقتصاديّة ضِد إيران فَجر غد الثلاثاء السَّاعة الرابعة بتوقيتِ غرينتش، التي تشمل وقف التعاملات الماليّة معها، وحَظرًا لاستيراد المواد الأوّليّة، والمُشتَريات في قِطاع السيّارات والطَّيران التِّجاري، على أن تشمل المرحلة الثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبِل وقف جميع الصَّادِرات من النِّفط والغاز.

إنّه إعلانُ حَربٍ، سيُؤدِّي إلى حالةٍ من الفَوضى على صعيد العالم بأسْرِه، لأنّ دُوَلاً عديدةً وعلى رأسِها الأعضاء في الاتِّحاد الأُوروبي، إلى جانِب الهند والصين وتركيا، أعلنت رسميًّا عدم الالتزام بهَذهِ العُقوبات.

الرئيس ترامب، أكّد أمس وبعد تحديد موعد بِدء هذه العُقوبات، أنّه مُستَعدٌّ لحِوارٍ شامِلٍ مع إيران دون أي شُروطٍ للتَّوصُّل إلى اتِّفاقٍ نوويٍّ جديد، ومُلحقاتِه، وتحدّثت صُحف "إسرائيليّة" عن نيويورك التي ستُعقَد فيها اجتماعات الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة الشهر المُقبِل كمكانٍ مُحتَمل لاستضافَة جلسات الحوار، في حال وافقت إيران، ورئيسها حسن روحاني على المُشاركةِ فيها، ولكن هذه الجلسات العلنيّة قد تكون مُستَبعدة في المرحلة الأُولى على الأقل، ووجود السيد يوسف بن علوي، وزير خارجيّة سَلطنة عُمان في واشنطن، ولقائِه مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو، ربّما يُؤشِّر إلى احتمالات بِدء مُفاوضاتٍ سريّة في مسقط، على غِرار تِلك التي قادَت إلى الاتِّفاق النووي، فترامب يُصَعِّد حتى يتفاوَض، والإيرانيّون يفهمون هَذهِ المُعادَلة جيّدًا.

الرئيس ترامب يُريد استسلامًا إيرانيًّا كامِلاً، من خِلال فرض اتِّفاقٍ جَديدٍ يَتضمّن وقفًا نِهائيّاً ودائِمًا لكُل أعمال التَّخصيب النَّووي، وتفكيك البُنى التحتيّة النوويّة، والتَّخلِّي عن البرامِج الصاروخيّة، وقَطع كُل وسائل الدَّعم للأذرُعةِ العسكريّة المُوالِية لإيران مِثل “حزب الله” في لبنان، والحَشد الشعبي في العِراق، وتفكيك الحرس الثَّوري، وسَحب القُوّات الإيرانيّة كامِلة من سورية، ولكنّه يُدرِك أنّ هَذهِ المَطالِب من المُستحيل القُبول بِها إيرانيًّا، وإذا ذهب الإيرانيّون إلى المُفاوضات، سِريّة كانت أو علنيّة، فلِكَسب الوَقت أوّلاً، ولتَحسين المكاسِب ثانيًا.

الرئيس روحاني رَفَض ثماني عُروض لللِّقاء مع ترامب في الماضي، ونَشُك بقُبولِه بالعَرض التاسع العَلنيّ، وقال أنّ إيران هي التي تَصنَع السَّلام الجَدّي، وإذا تَعذّر ذلك فإنّ “أُم الحُروب” قادِمة، بينما هَدَّد الجِنرال قاسم سليماني قائِد فيلق القُدس في الحرس الثوري بإغلاق مضيقيّ هرمز وباب المندب، وشَن حَربٍ لاستهدافِ خمسين ألف جندي أمريكي يتواجدون حاليًّا في العِراق وسورية وأفغانستان، وإطلاق صواريخ على بارِجَةٍ حربيّة سعوديّة قُرب باب المندب مِن قِبَل الحوثيين، هو أحد أبرز المُؤشِّرات على جِدِّيّة هَذهِ التَّهديدات.

إدارة الرئيس ترامب تُريد تغيير النِّظام الإيراني وليس تغيير سُلوكِه، مِثلما قال جون بولتون، مستشار الأمن القَوميّ الأمريكيّ، وتُحاوِل تَطبيق سيناريو مُماثِل للسِّيناريو الذي مَهّد لغَزو العراق، وتَدَخُّل حِلف الناتو عَسكريًّا في ليبيا، وهذا ما يُفَسِّر الوعد الذي قطعه على نفسه ردوي جولياني، مُستشار الرئيس الأمريكي، في مؤتمر المُعارضة الإيرانيّة في باريس (مُجاهِدي خلق)، بِلقائِهم في طِهران العام المُقبِل.
بِدء تنفيذ هِذهِ العُقوبات سيَضع أعضاء حِلف “الناتو العربي” الذي يُطالِب ترامب بتَشكيلِه من دول مجلس التَّعاون السِّت إلى جانب الأُردن ومِصر أمام تَحَدٍّ صَعب، إن لم يَكُن مصيري، فمُعظَم هَذهِ الدُّوَل، إن لم يَكُن كُلّها، وخاصَّةً دول الخليج، لا تَستطيع أن تقول “لا” للرئيس ترامب وتَرفُض الالتزام بها بالتَّالي، وهذا يعني انهيار اقتصاد دَولة مِثل الإمارات التي يَبلُغ حجم تَبادُلها التِّجاريّ مع إيران حواليّ 8 مِليارات دولار سَنويًّا، والشَّيء نفسه يُقال عن قطر التي اعتمدت على إيران ومَوانِئها بشَكلٍ مِحوريّ لكَسر الحِصار المَفروض عَليها من جيرانها.

السيد علي خامنئي، المُرشَد الأعلى للثَّورة الإيرانيّة وَصَف المُفاوضات مع أمريكا بأنّها عبثيّة لا فائِدة منها، لأنّ الرئيس ترامب لا يَحتَرِم توقيعه، وعليه العَودة عن قرارِه بالانسحاب من الاتِّفاق النَّووي أوّلاً قبل الحديث عن أيِّ لقاءاتٍ، وهذا المَوقِف كرّره الرئيس روحاني أكثر من مَرّة آخرها لِقاء اليوم المُتلفَز.

لا نُريد استباق الأُمور، ولكن كُل الدلائِل تُؤكِّد أنّ مِنطَقة الخليج سَتكون في الأيّام المُقبِلة مَيدان المُواجَهات الأوليّة، ومُحاوَلات جس النَّبض بين الولايات المتحدة وإيران، فعِندما يُهدِّد الجِنرال محمد علي الجعفري، قائد الحرس الثوري، بأنّ قُوّاته لن تَسمَح بمُرور بِرميلٍ واحِد من النِّفط في حالِ مَنع الصَّادِرات النِّفطيّة الإيرانيّة إلى العالم، فإنّ هذا التَّهديد، في حالِ تَطبيقِه يعني الحَرب كخَيارٍ أخير لا مَحالة.

السيد روحاني في المُقابِلة التي أدلى بِها أمس لقناة “روسيا اليوم” في أوّل رَدٍّ فِعلٍ على قرار ترامب أكّد أنّ روسيا والصين تَعهّدتا بالالتزام باتّفاقاتهما الاقتصاديّة مع إيران، وهذا الإعلان يُشَكِّل صَفعةً قويّةً لترامب وكُل حُلفائِه، وخاصَّةً العَرب ودولة الاحتلال التي باتَ رئيس وزرائها نتنياهو يُسيطِر على الرئيس الأمريكي ويُملِي عليه مَواقِفه وقَرارتِه، كما أكّد إنّه لا جَدوى من أيِّ مُباحِثاتٍ مع الولايات المتحدة في ظِل العُقوبات، وأنّ المُحادَثات مع واشنطن يَجِب أن تُبنَى على الصِّدق وتَرمي إلى تَحقيقِ نَتائِج.

عندما تَقِف قُوّتان عُظمَيان مع إيران في وَجهِ هذه العُقوبات، وإلى جانِبها كُل من الهِند وتركيا والاتِّحاد الأُوروبي، فإنّ هذا يَعني أنّ إيران لن تَقِف لوَحدِها، وأنّ احتمالات فَشَل مُقامَرة ترامب هَذهِ سَتكون فاشِلة، وقد تَقود إلى هزيمته، وربّما نهايته كرَئيسٍ للولايات المتحدة.. أو هذا ما نَتمنّاه، ولا نَتَردَّد في قَولِ ذلِك نحن الذين اكتَوينا وما زِلنا من هَذهِ الغَطرَسَة.

الأيّام المُقبِلة سَتكون ساخِنةً جدًّا، بَل مُلتَهِبة، ولَعلَّ آخِر العِلاج الكيّ، وبِما يُنهِي هَذهِ الغَطرسة الأمريكيّة "الإسرائيليّة" دُفعَةً واحِدة، وإلى الأبَد.

المصدر: راي اليوم/ عبد الباري عطوان