السوريّون يتعافون .. ويحرّرون بلادهم!

بالعربي-كتبت-ثريا عاصي:

أمّا لماذا بدأت الحرب على سورية في درعا، فإني أعتقد لأنّها كانت على الأرجح موقعاً ضعيفاً، اجتمع فيه تأثير عوامل عدّة:
١- القرب من الحدود مع الجولان المحتلّ، وهذا اعتُبر عاملاً مساعداً على ضرب سورية بمساعدة المستعمرين "الإسرائيليين" من الجولان.

٢- القرب من الحدود الأردنيّة: وفي الاْردن كانت معسكرات التدريب الأميركية والفرنسية والبريطانية. إنّ الحدود الأردنية كانت البوّابة التي عبر منها السلاح المموَّل خليجياً، والمرتزقة أيضاً.

3- في درعا أيضاً، تواصل الأخوان المسلمين في الاْردن وفي سورية. أعتقد أنّ الإسلاميين أقوياء في مدينة الزرقا الأردنية.

٣- حالة الترهّل التي كانت تطغى على الأوضاع في سورية، والتي من المحتمل أنّها سهّلت ارتشاء الموظفين السوريين في المحافظات الجنوبية.

لذا، أعتقد أنّ تحرير درعا حدث إيجابي، كونه من المحتمل أن يكون انتصاراً على الأسباب التي أدّت إلى اشتعال الحرب الأميركية انطلاقاً منها (درعا). أقصد إعادة معادلة التوازن العسكري إلى الوضع الذي كانت عليه قبل اندلاع الحرب، في أقلّ تقدير.

ثانياً، اندحار الإسلام السياسي والأخوان المسلمين بوجه خاص، انتهاءً بالدور الأردني، إضافة إلى تراجع رتبة حكّام الخليج وظيفياً في خدمة الإمبريالية. فبلدانهم تحوّلت من نصف مستعمرة إلى مستعمرة، بالإضافة إلى أنّهم أضاعوا نهائياً العباءة الدينيّة.

وأخيراً، أعتقد أنّ السوريين تجاوزوا جزءاً من مستنقعات الفساد والخيانة، وسمومها التي كادت أن تتلف المجتمع السوري. فتحرير درعا دليل على أنّهم يتماثلون إلى الشفاء .. هذا ما نتمنّاه !

إنّ هذه العوامل اجتمعت في درعا. ففضّل الأميركيون و"الإسرائيليون" مهاجمة سورية من درعا كنقطة رخوة، فتطلّبت استعادتها سبع سنوات ومئات الشهداء ودماراً واسعاً. كان الثمن باهظاً!! هذا ذو أهمية كبيرة طبعاً، ولكنّ الأهم هو أنّ السوريين استطاعوا دفعه، وهذا ما لم يكن في اعتقادي بالحسبان في غرف عمليات الثلاثي الغربي زائد "إسرائيل"!

يحسن القول أيضاً في سياق الحدث السوري، إنّ تحرير التراب الوطني من المرتزقة التي استولت على بعض المحافظات في إطار توكيلها بالحرب الأميركية ـ "الإسرائيلية" على سوريّة، ليس إلّا معركة دفاعيّة فقط، أي "استرداد ما أُخذ بالقوة". وفي هذا رسالة ضمنيّة موجّهة إلى المعتدي، فحواها إنّ السوريين سيدافعون عن بلادهم، ولكنّهم لن يتجاوزوا حدودها، معاقبةً للمعتدي، حتى لا يكرّر عدوانه كلّما تكوّن لديه فائض قوة، أملاً في أن ينجح في نهاية المطاف في الوصول إلى مبتغاه. ففي هذه الحالة يكون التحرير، المدينة أو أيّة خطوة في سبيل التحرير، فرصة للمعتدي لأن يطالب بتهدئة، أو بوقفٍ لإطلاق النار أو بهدنة، ريثما تتوافر ظروف أفضل لمواصلة العدوان أو لتثبيت الاحتلال !

وبمناسبة تحرير درعا، لا بُدّ من التذكير بأنّ المسألة السوريّة لا تقتصر على تحرير محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، وإنّما تتعدّى ذلك إلى استعادة هضبة الجولان، وإلى التوكيد على أنّها تشمل القضيّة الفلسطينية.

أعتقد أنّ مواصلة النضال في الاتجاه الذي تتطلّبه هذه الأمور هو ضرورة وطنيّة، حتى يوقن المستعمر أنّه سيبقى عدواً طالما هو مستعمر، وأنّ القوة العسكرية لن تبدّل شيئاً. بالإضافة إلى دروس حرب السنوات السبع الماضية، والأمانة للشهداء والاعتراف والتقدير بما قدّمه المقاتلون الذي دافعوا عن سوريّة. خلاصة هذا كلّه، أنّه لا يكفي أن يُردَع العدوان الاستعماريّ، وإنّما يجب أن يُجبَر على دفع ثمن عدوانه من جهة. أمّا من جهةٍ ثانية، فإنّ كلّ عمل عدوانيّ يتطلّب من حيث المبدأ، وطنياً ومنطقياً، البحث الجادّ والهادف عن الأساليب والوسائل الناجعة من أجل تعطيل قدرات العدو على تكرار عدوانه !