وثيقة سرية للمخابرات الأمريكية تكشف زيف الادعاءات للاطاحة بصدام حسين

بالعربي: كان مبرر شن الحرب على العراق قبل 13 عاما  مبنيا على اساس وثيقة سرية مكونة من 93 صفحة والتي ادعت في مضمونها "معلومات محددة" عن صدام حسين واسلحة الدمار الشامل التي كان يعد لها. اليوم تم رفع السرية عن هذه الوثيقة وكشفت فعليا ان مبررات الحرب كانت (صفرا)، كما كشفت انه لم تكن هناك اي علاقات عملية بين نظام صدام حسين والقاعدة  اضافة لعدم وجود اي برامج لاسلحة الدمار الشامل. وكشف التقرير ان مجتمع المخابرات والوكالة الامريكية للطاقة لم تعتقد ان صدام يجري تجارب او بنفذ برامج لاسلحة الدمار الشامل، فيما كان يطور فقط محركات الصواريخ.

نشرت السي اي ايه نسخة من التقرير معدلة عام 2004 استجابة لقانون حرية الوصول الى المعلومات، لكنها حجبت معظم حقائقه تقريبا حيث اعتبرت ان النشر الكامل يشكل تهديدا للامن القومي الامريكي ، لكن في السنة الماضية طلب جون غربنوالد الذي يدير (المدفن الاسود)، مقر تبادل الوثائق السرية الحكومية  من السي اي ايه ان ينظر مرة اخرى الى القرار الذي تم اتخاذه عام 2002 والتقرير بشأن رفع السرية عن اجزاء اضافية من الوثيقة.

استجابت الوكالة لطلب غرينوالد في بداية هذا العام وزودته بنسخة جديدة والتي اشرك بها حصريا وكالة (فايس نيوز)، التي استعادت اغلبية العمل الاستخباري قبل الحرب والتي استعصت على المؤرخين، الصحفيين ونقاد الحرب مدة عقد من الزمن. ( بعض الحقائق التي حجبت تم نشرها في تقارير الكونغرس).

لاول مرة يستطيع الجمهور الان ان يقرأ الوثيقة المصاغة بشكل مستعجل والتي ادت الى تمرير قرار من الكونغرس يشرع استخدام القوة العسكرية في العراق، وهي حرب مكلفة شنت في آذار عام 2003 والتي عان عنوانها تجريد العراق من سلاح الدمار الشامل (غير الموجود) واسقاط صدام حسبن وتحرير الشعب العراقي.

في تقرير نشرته مؤسسة راند في كانون اول الماضي بعنوان " الغمايات والخطايا والحرب"  جاء: " هناك قضايا ومعلومات عديدة قد اسقطت ، حيث ان تقرير السي اي ايه قد مر بعملية وسلسلة من المراتب  حيث عولج الاستنتاج  بسرعة وبشكل نهائي".
فعلى سبيل المثال وحسب الوثيقة الاخيرة استنتج مجتمع المخابرات ان العراق " ربما بنى منشأة لتصنيع (المطعومات)" ليصنع اسلحة بيولوجية " لكننا لا نستطيع القطع فيما اي اسلحة بيولوجية استؤنفت" كما قال التقرير" صدام لا يملك مواد كافية لتصنيع اي سلاح نووي. لكن  بوش في خطابه في سينسيناتي في 7 تشرين اول عام 2002  قال ببساطة " العراق يملك وينتج اسلحة كيماوية ونووية " والدليل يكشف ان العراق يستعيد برنامجه النووي".

  كشف احد اهم اجزاء الوثيقة، لاول مرة قسما يتعلق باقامة العراق علاقات مع القاعدة  حيث ادعى رامسفيلد في ايلول 2002 ان لدى امريكا دليلا قاطعا عن ارتباطات بين صدام والقاعدة وقال التقرير: " ليس لدينا اي دليل قوي عن وجود القاعدة في العراق ، بما في ذلك تواجد البعض منهم في بغداد  ويقول رامسفيلد : "  نحن نمتلك ما نعتبره تقريرا معتمداعن علاقات بين مسؤولين كبار منذ عقد من الزمان وعن احتمالات وجود تدريبات على اسلحة كيماوية وبيولوجية".

لكن الوثيقة تقول انها معلومات عن علاقات عملية بين القاعدة  والعراق قائمة على " مصادر مختلفة في قوتها" مثل " منشقين عراقيين" وكانت كلها غير واضحة  فيما اذا كان صدام يعلم بواحدة منها. وتقول الوثيقة : " بالنسبة للعلاقة والمعلومات عنها والتفاصيل حول التدريب والدعم هي معلومات مصادر ثانوية ، ان وجود مليشيا القاعدة في العراق يثير عديد الاسئلة ولا نعرف لاي مدى يقبل العراق ضمنيا بوجودها في مناطقه بشكل آمن او بتحركاتها".

تقدم الوثيقة تفاصيل عن مصادر الشك الاستخباري المتعلق بالادعاءات عن تدريب العراق للقاعدة على الاسلحة الكيماوية والبيولوجية  ومدى انتشارها- مصادر مثل اسرى الحرب على الارهاب  الذين خضعوا للاعتقال في السجون الامريكية  او آخرين حولوا الى وكالات مخابرات اخرى  وخضعوا للتعذيب. واستنتج تحقيق الكونغرس حول العمل الاستخباري ما قبل الحرب على العراق ان مجتمع المخابرات بنى ادعاءاته عن اسلحة العراق وتدريب القاعدة عليها على مصدر وحيد.

تقول الوثيقة: " ان المعتقل بن الشيخ الليبي – الذي كان مسؤولا مهما عن التدريب قد اخبرنا ان العراق زود اثنين من القاعدة بتدريبات على استخدام اسلحة كيماوية وبيولوجية غير محددة بدأت في كانون اول عام 2000. ويقول التقرير " لقد ادعى ان العراق لم يرسل اي مواد كيماوية او بيولوجية او نووية  او اي مدربين الى القاعدة في افغانستان".

كان الليبي امير معسكر خلدان للتدريب في افغانستان والذي اغلقةه طالبان قبل 11/9 لان الليبي رفض تحويل السيطرة عليه لبن لادن.
في كانون اول الماضي نشرت لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ تلخيصا مرفوع من السرية عن ما سمته التعذيب في برنامج السي اي ايه . وبينت حاشية في التقرير بان الليبي " قال بينما كان معزولا في السجن ان العراق كان يدعم القاعدة ويقدم المساعدة في مجال الاسلحة الكيماوية والبيولوجية لها".

" بعض هذه المعلومات استشهد بها وزير الخارجية كولن باول في خطابه في الامم المتحدة واستخدمت كمبررات لغزو عام 2003 فيما قال تقرير التعذيب لمجلس الشيوخ : " لقد اعترف الليبي تحت التعذيب  في سجون السي اي ايه  وانه قال ما يريد المحققون منه ان يقوله".
لقد قيل ان الليبي انتحر في سجن في ليبيا عام 2009 بعد شهر من مقابلته لاحدى هيئات حقوق الانسان. وقالت الوثيقة " لا احد من اعضاء القاعدة الذين القي القبض عليهم خلال حرب افغانستان قال انه تلقى تدريبا في العراق على ايدي مدربين عراقيين ولا في اي مكان، ولكن مع ان اهتمام القاعدة عبر السنوات بالتدريب  واستجلاب مدربين خارجيين لا نستطيع ان نهمل التقارير عن مثل هذا التدريب كليا".
الكل يقول ان هذه اكثر لغة لعينة في الوثيقة حول علاقة صدام بالقاعدة " فيما الرئيس العراقي" لم يثق بالقاعدة وبرنامجها وكان يشك في الحركات الاسلامية بشكل عام ، ويظهر انه لم يقم اي علاقة باحداها".

تقول الوثيقة ان السي اي ايه كان لديها مصادر في الاعلام لاثباتوجود اجتماعات بين القاعدة ومسؤولين عراقيين كبار بين 1990 و2000 لكن بعضها لم يكن قابلا للاعتماد عليه. " العديد من اللقاءات المباشرة وغير المباشرة جربت عبر مصادرسرية او مصادر صحفية خلال تلك الفترة".

وبين تقرير راند ان "استنتاجات الوثيقة بانه لم يكن هناك  اي علاقة عملية بين صدام والقاعدة لن يعوض هذا التقدير الانذاري".كما ان الوثيقة استعادت قطعة اخرى غير معروفة من المعلومات الاستخبارية". اقتراح بان العراق ربما كان وراء الرسائل المرتبطة بالانثراكس الذي ارسل للمؤسسات الاعلامية والشيوخ توم داشيل وباتريك ليهي  بعد اسبوع من غزوة الحادي عشر من ايلول عام 2001، فقد ادى هجوم الانثراكس الى قتل 5 اشخاص واصابة 17 آخرين.

"ليس لدينا معلومات استخبارية حول علاقة العراق باحداث الحادي عشر من ايلول، لكن لدى العراق القدرة على انتاج جراثيم الانثراكس  تشبه الجراثيم الجافة المرسلة عبر البريد" هكذا تقول الوثيقة، لقد وجدت الجراثيم في رسائل داشل وليهي  منقاة تماما بما يعكس المهنية العالية والمهارة في التعامل مع اصناف البكتيريا.  وان علماء العراق يمكن ان تكون لديهم مثل هذه الخبرة، هذا رغم ان هناك عينات من العوامل البيولوجية كانت معروفة  كشي يحث على انتاج الانثراكس رغم انها ليست نقية مثل الانثراكس في الرسائل".

ابلغ بول بيلر وهو منسق اعمال المخابرات بشأن تقدير الموقف بالنسبة للعراق ومحلل في السي اي ايه لشؤون الشرق الاوسط ، ابلغ فايس نيوز ان " ادعات الوثيقة حول الاسلحة البيولوجية استندت الى مصادر غير مقنعة  مثل احمد الجلبي، وهو رئيس سابق للمؤتمر الوطني العراقي ومعارض مدعوم من الولايات المتحدة.  ويقول: " كان هناك شكوك نقدية غير كافية حول مصادر المواد" وهو يتكلم الان عن الوثيقة غير المحجوبة  واضاف: " اعتقد انه كان هناك لاادرية معبر عنها في التقييمات الرئيسية.  كان يمكن ان تكون ورقة افضل لو صيغت بشكل اكثر حرصا  في هذا النوع من التوجه".

لكن بيلر  الذي يعمل الان استاذا زائرا في جورج تاون  اضاف ان ادارة بوش كانت قد اتخذت قرارها في الذهاب الى الحرب على العراق  ولذا فان الوثيقة لم تؤثر في هذا القرار ". واضاف ايضا: انه اخبر من مساعدي الكونغرس  ان هناك نصف دزينة فقط من الشيوخ وعدد قليل من النواب  قرأوا في الماضي هذه الوثيقة  او ملخصها التنفيذي المكون من 5 صفحات.

وقال دافيد كاي ل"فرونت لاين"، وهو مفتش اسلحة سابق في العراق والذي ترأس ايضا مجموعة التفتيش العراقي ان مجتمع المخابرات قد قاموا بعمل "فقير" في الوثيقة وربما يكون الاسوأ بين كل اعمالها ، ويمكن تفسير ذلك جزئيا بالضغط  ولكن التفسير الاهم هو بسبب عدم وجود معلومات  بين ايديهم ، وانهم كانوا يحاولون ادارة نتائج سياسية لا تدعمها المعلومات".

الجزء الاكثر اشكالية في الوثيقة  والذي التقط مئات المرات خلال العقد الماضي  تم فضحه بشمول  والمتعلق بقسم حول محاولات العراق الحصول على انابيب الالومنيوم . فقد ادعت ادارة بوش ان ذلك دليل على ان العراق مستمر في تجريب صناعة السلاح النووي. وقالت كونداليزا رايس على سي ان ان ان الانابيب " معدة فقط للسلاح النووي  ولاجهزة الطرد المركزي  ولا نريد لدخان المدافع ان يصبح  غيمة من الفطر.

لقد حجبت الوثيقة التي اصدرت عام 2004 هذا الجزء حول انابيب الالومنيوم كليا، لكن النسخة الاخيرة منها والتي رفعت السرية عنها قبل ايام  لم تحجب معظم الاشياء  واظهرت ان المخابرات لم يكن متأكدا لماذا كان صدام حسين مهتما بانابيب الالومنيوم ، لكن وكالة الطاقة الامريكية استنتجت ان ابعاد انابيب الالومنيوم  تتعلق بملاءمتها لمحركات الصواريخ  وهذا هو الاحتمال الاكبر.  وهو ما لم يأت عليه التلخيص المذكور من السي اي ايه.

بعيداعن كوننا تحت تأثير رغبات صانعي السياسات كانت هناك عدة اسباب للعيب في التقرير وخلصت مؤسسة راند الى ان " الدليل على وجود مختبرات بيولوجية متنقلة ، او شراء اليورانيوم الخام من النيجر وتوصيله عبر طائرات مجهولة  ثبت انها زائفة، لقد فبركت على عجل  وكان الذكاء البشري فيها نادر وغير موثوق. وبينما تعرضت  كثير من الادلة للتساؤل كان وزن الادلة المشكوك فيها له ثأثير في جعل الوثيقة  اكثر اقناعا ومنذرة بالسوء. ان الحالة الاساسية التي تفترض ان صدام يمتلك اسلحة دمار شامل تبدو ظاهريا جديرة بالتصديق لدى المحللين اكثر من الحالة البديلة التي ترى انه قد دمرها ، وكما يعرف المحللون ان لصدام تاريخ في الخداع ، لذا نظر الى الدلائل حول ملكية صدام لاسلحة الدمار الشامل كان كثيرا ما ينظر اليه كخداع.

حسب الارقام الاخيرة التي اصدرها جهاز الرقابة العراقي انه حتى الان يوجد اكثر من 200 الف مدني عراقي قد قتلوا ، فيما تسير مصادر اخرى الى ضعف العدد. وهناك 4 آلاف جندي امريكي قتلوا في العراق  وهناك عشرات الالاف من الجرحى والمعاقين ، لقد كلفت الحرب الولايات المتحدة  ودافعي الضرائب اكثر من 800 مليار دولار.

في مقابلة مع مؤسس فايس نيوز شين سميث قال اوباما ان صعود داعش كان نتيجة مباشرة للغزو الكارثي.  حيث قال: " داعش هي ناتج مباشر من القاعدة في العراق والتي نمت من خلال غزونا له، وهذه مثل على التبعات العرضية ، والتي تقول انه يجب ان نصوب قبل ان نطلق النار".

المصدر:(http://wakingtimesmedia.com، ترجمة جبريل محمد)