لباس العيد.. قبر بمقاس كفن !

بالعربي: كتبت رولا حسنين

"تعال نشتري من هذا المحل، بحكوا بضاعته مرتبة، صحيح سعرها غالي شوي، بس بتخدم عندك كثير"

"محتار شو أشتري للعيد، أواعي عندي، عطور عندي، أحذية بلاوي عندي، بس لازم اشتري اشي خاص لهذا العيد، اقترحوا عليّ"
"اسف يا ابني، ما رح أقدر أشتريلك أواعي هذا العيد، أو ما رح أقدر أعطيك مصروف لتشتري الأواعي، كل الي معي رح أشتري فيهم قضية وكفن وتراب وقبر بمقاس كفن"

سيناريوهات متعددة، متشابهة والأخيرة تتنكر للواقع المسموم الذي تحياه فلسطين المحتلة من البحر الى النهر.

كفلسطيني، أنتَ لا تدرك معنى الصيام كفرض عبادة تحرمك من الطعام والشراب لتشعر بالمساكين والفقراء، فأنت المسكين والفقير ذاتك، وأنتَ الصائم الأبدي الى أن تتحرر من احتلال يفرض عليك طعامك وشرابك ولباسك، حتى كمية الهواء التي تستنشقها يتحكم بها الاحتلال، فهل يحدث مثلاً أن تذهب للقدس وتستنشق هواءها، لا، يفرض الاحتلال عليك تنقلك والمسافات التي يتوجب عليك قطعها اذا قررت التنقل بين حارات هذا الوطن المحتل.

أيها الفلسطيني، لا أحرمك من فرحة العيد وإني أدرك تماماً أن العيد في قاموسك كأي يوم، بل ربما متاعبه أكثر من غيره، تضطر فيه الى زيارة الأحبة والأقارب، تملئ بطنك من القهوة السادة التي تشبه حياتك واحتلالك، وكل تفكيرك محصور "كيف سأقضي بقية الشهر والراتب نفذ عندما اشتريت للأطفال ملابسهم وألعابهم" علماً ان الكثير من الأطفال عيدهم في ملابس نومهم، فالفقر أكبر من عيدهم وملابس جديدة، والفقر أكبر من راتب الأب.

أيها الفلسطيني، عش تفاصيل العيد بحلوها ومرها، ولا تأخذنك رائحة العطور المكدسة في علب وتباع في الأسواق، فرائحة دم الشهيد أطيب وأعمق أثراً، وفي خضم هذا اليوم تذكر أن ثمّة مَن يحرمهم الاحتلال من لقاء أبنائهم الشهداء المحتجزين في ثلاجات البرد،  11 عائلة يحرمها الاحتلال من فرحة العيد، بسبب فراق أحبتهم، وانتظارهم منذ عام أن يفرج الاحتلال عن جثامين أبنائهم يلقون عليهم قبلة وداع أخيرة، ويودعوهم بطن الأرض الدافئ.

السيناريو الأخير كنت أقصد به هذه العوائل، والتي اعتادت في كل الأعياد أن تشتري للشهداء الأحياء ملابسهم، وباتت اليوم تدفع مالها المتواضع دفاعاً عن قضية عادلة، قضية إخراجهم من ثلاجات البرد الى باطن الأرض، والى كفن أبيض سيكون عبارة عن ملابسهم في العيد، وتراب من أراضي مقدسة تنتظر أن تلامس جسد الشهيد وتطمئن أن ابن الأرض عاد لها من جديد، وقبر بمقاس كفن في الأراضي المقدسة التي ما رحل الشهداء الا دفاعاً عنها وحباً لها.

أيها الفلسطيني، شارك هذه العوائل مصابها الجلل، فهي تجوب الضفة كلها في وقفات احتجاجية باحثة عن مَن يساندها في قضيتها، كُن معيناً لها، اجعل عيدك موازياً لعيدها، طبطب على قلبها بمساندتك لها، طمئن قلوب أمهات الشهداء أنك ابنها الشهيد، وأنك ابنها الجريح، وأنك ابنها الأسير، وانك ابن الأرض حقاً، وأن ابنهم الشهيد الذي ثأر للشهداء الذين سبقوه، هو أنت الذي ستثأر لهم أيضاً.