صمود خالدة جرار .. من بين جدران السجون إلى رمز للمقاومة الفلسطينية

كتب ثائر أبو عياش: واجهت المناضلة خالدة جرار، التي طالما كانت رمزًا للشجاعة والإصرار، مأساة لا توصف في زنزانتها الانفرادية في سجن "نفي تيرتسيا"، حيث وصفت حالتها لمحاميتها بكلمات مؤثرة: "أنا أموت يوميًا، فالزنزانة أشبه بعلبة صغيرة مغلقة لا يدخلها الهواء. لا يوجد سوى مرحاض وشباك صغير تم إغلاقه بعد نقلي بيوم واحد. لا متنفس لي سوى فتحة صغيرة أجلس بجانبها لأتنفس بصعوبة. أنا أختنق في زنزانتي، وكل ما أتمناه هو أن تمر الساعات لأجد جزيئات هواء أتمكن من خلالها البقاء على قيد الحياة".

ما زاد مأساة جرار قسوةً كان العزل في ظروف غير إنسانية، فقد أضافت: "لقد وضعوني في فرن على أعلى درجة حرارة، لا أستطيع النوم، ومع ذلك، لم يكتفوا بحرماني من الهواء، بل قطعوا عني الماء. حتى عندما أطلب قنينة ماء، يحضرونها بعد أربع ساعات على الأقل".

لكن المعاناة الأشد التي لا يمكن نسيانها في رحلة خالدة جرار، هي فقدانها لابنتها في السجن. وهي التي كانت حريصة على توديع ابنتها في أيامها الأخيرة، حرمت من هذا الحق، لتزداد قسوة الاعتقال وتنقض عليها الأوجاع النفسية والإنسانية في لحظة فارقة. فقد رحلت ابنتها عن الحياة أثناء اعتقالها، ولم يسمح الاحتلال لها بأن تكون بجانبها في آخر لحظات حياتها. لم يكن هناك وداع، ولم يكن هناك إغلاق لقلب الأم على أحزانها.

وفي آخر المستجدات، جدد الاحتلال العزل الانفرادي للأسيرة خالدة جرار حتى 22 يناير 2025، في استهداف مباشر للمناضلة الفلسطينية خالدة التي لم تتوقف مقاومتها أمام كافة التحديات. هي معتقلة إداريًا منذ عام، وتم عزلها في أغسطس الماضي دون أي سبب واضح، في إطار سياسة قمعية تهدف لتحطيم روح المقاومة الفلسطينية.

إلى جانب حرب الإبادة ضد قطاع غزة، صعّد الاحتلال من اعتداءاته على الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، حيث أصبح العزل الانفرادي أحد أبرز أساليب القمع ضد القيادات الفلسطينية، وفي مقدمتهم خالدة جرار. على الرغم من كافة الممارسات القاسية بحقها، تبقى جرار، بكل عزيمتها، رمزا للمقاومة الفلسطينية التي لا تنكسر.

خالدة جرار، المناضلة التي شغلت العديد من المناصب في مؤسسات المجتمع المدني وانتُخِبَت كنائب في المجلس التشريعي عام 2006، وهي التي كانت مسؤولة عن ملف الأسرى، تم اعتقالها مرارًا وتكرارًا، وجاءت معاناتها لتكون شاهدة على الإصرار الفلسطيني على الحياة والكرامة. وواجهت في سجون الاحتلال ظروفًا مروعة، من بينها الحرمان من وداع ابنتها التي توفيت في إحدى فترات اعتقالها السابقة، لتظل تلك اللحظة، جرحًا مفتوحًا في قلب المناضلة الأم.

الاعتقال الإداري الذي تمارسه إسرائيل يعد جريمةً وانتهاكًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني، حيث يتم احتجاز الأسرى الفلسطينيين دون محاكمة أو تهمة، وبدون السماح لهم وللمحامين بمعرفة الأدلة أو التهم الموجهة إليهم. ويبقى الاحتلال الوحيد الذي يواصل ممارسة هذا النوع من الاعتقال، في خرق واضح للحقوق الإنسانية.

ومع استمرار هذا الوضع المأساوي، تُجدد خالدة جرار التحدي من داخل زنزانتها، لتبقى شعلة أمل ونضال في قلب فلسطين، رغم كل محاولات الاحتلال لثنيها عن مقاومتها.