كتب: نسيم قبها
مستهدفة مواقع منصات اطلاق صواريخ لحزب الله ، شنت الطائرات الإسرائيلية صباح الأحد 25/8/2024 غارات جوية على جنوب لبنان، حيث كانت تستعد للهجوم على إسرائيل كما ذكرت تصريحات نتنياهو .
وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الجيش اكتشف أن حزب الله كان يعتزم إطلاق مئات الصواريخ باتجاه وسط إسرائيل الساعة الخامسة صباحًا، لذا تم الهجوم الاستباقي قبل نصف ساعة باستخدام 100 طائرة، مستهدفة 200 موقع.
في المقابل، ردَّ حزبُ الله بإطلاق 340 صاروخ، وعدد من الطائرات المسيرة باتجاه الأراضي المحتلة في الجولان وشمال الكيان وشمال تل أبيب، وقال إن هذه الهجمات جاءت انتقامًا لاغتيال القائد شكر الشهر الماضي. وأضاف الحزب في بيان له: "تم إطلاق جميع المسيرات الهجومية في الأوقات المحددة لها ومن جميع مرابضها وعبرت الحدود اللبنانية الفلسطينية باتجاه الهدف المنشود ومن مسارات متعددة، وبالتالي تكون عمليتنا العسكرية لهذا اليوم قد تمت وأنجزت". وأضاف: "إن ادعاءات العدو حول العمل الاستباقي الذي قام به والاستهدافات التي حققها وتعطيله لهجوم المقاومة هي ادعاءات فارغة وتتنافى مع وقائع الميدان".
من جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي حرص أن يُضخم الأحداث لاعتبارات دعائية "إنقاذ السكان وتل أبيب ومرافق استراتيجية"، وينسب لنفسه إنجازًا إنه وجّه الجيش للمبادرة لإزالة التهديدات، بعد رصد استعدادات من حزب الله لمهاجمة إسرائيل. وقال إن الجيش دمر آلاف الصواريخ التي كانت موجهة لشمال إسرائيل وأزال تهديدات أخرى، وأنه يعمل بقوة كبيرة لإزالة التهديدات عبر الدفاع والهجوم.
ويتضح مما جرى أن حزب الله قد اتخذ قرار الرد المحدود في ضوء قراءته لموقف الولايات المتحدة من صفقة تبادل الأسرى، وأنها غير مهتمة بإنجازها بقدر اهتمامها بالتظاهر بالاشتغال عليها أمام الرأي العام الأميركي، ولا سيما مع إصرار نتنياهو على موقفه وشروطه، وأن ما يعنيها بالدرجة الأولى إنما هو منع توسع الحرب، وفي هذا السياق قال مسؤول في حـزب الله: "إن هجومنا بصواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل ردًا على مقـتل القائد العسكري الكبير فؤاد شكر الشهر الماضي تأخر لاعتبارات سياسية، على رأسها المحادثات الجارية بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة"، وهو ما أكده حسن نصرالله في خطابه حيث قال: لقد تريثنا بالرد على اغتيال فؤاد شكر حتى نعطي الفرصة للمفاوضات بشأن إنهاء الحرب على غزة، مضيفًا "إن المفاوضات طويلة ونتنياهو بدأ بفرض شروط جديدة على المقاومة في غزة". ومن ثم فإن تأخير الرد لم يعد مُجديًا. ومن هنا فإن رد حزب الله يندرج في إطار المحافظة على قواعد الاشتباك، وعلى تعهده بالرد وحفظ ماء الوجه، ولتنفيس حالة التوتر الداخلي التي يغذيها خصومه السياسيون للتنفير من الحزب ومواقفه السياسية.
وأما نتنياهو فقد اتخذ قرارًا بالضربة الاستباقية لاستعراض القوة، ونزع زمام المبادرة من حزب الله؛ لتحقيق إنجاز على مستوى القيمة الاستراتيجية الدولية للكيان، وعلى مستوى الردع لإيران وأذرعها وأهل المنطقة، حيث قال وزير الأمن الإسرائيلي في هذا السياق: "إن استهداف اليوم يوجه رسالة إقليمية بعزم إسرائيل على إزالة أي تهديد في أي ساحة وأي وقت"، وعلى مستوى الرأي العام الإسرائيلي المترقب بقلق رد الحزب والرد الإيراني، والمُطالب بضربة استباقية. ولطمأنة قطعان الكيان الجبناء على أمنهم، وقدرة الدولة على حمايتهم، وللتأكيد على جدوى الخيار العسكري الذي تطالب المعارضة وأهالي الأسرى بوقفه، ولا سيما وأن الهجوم الصهيوني قد وقع في ظل المفاوضات الجارية في القاهرة، وللتغطية على خسائر الجيش المستمرة رغم الألم في غزة .
وقد استغل نتنياهو الفرصة للمبادرة وعدم تأخير الرد حتى يظهر أن له اليد العليا، وأن المشهد هو اشتباك اعتيادي، حتى يتجنب الحرج الداخلي وتصدع الردع في حال عدم الرد على هجوم حزب الله. ولهذا صرح مصدر إسرائيلي مسؤول عقب الاشتباك وعبر هيئة البث الإسرائيلية: "إن عملياتنا انتهت والأمر يعود لحزب الله". في الوقت الذي أعلن فيه حزب الله عن انتهاء العملية الثأرية. وبهذا المعنى فإن كلا الطرفين قد حققا ما كانا يصبوان إليه، وبات خطر الانزلاق لحرب شاملة خارج حسابات الطرفين في الوقت الراهن. وهو ما يمكن قراءته أيضًا في قول حسن نصر الله: إن "العدو الإسرائيلي يتحمل مسؤولية التصعيد وليس حزب الله" وفي نفيه لوجود مراحل أخرى للرد على اغتيال فؤاد شكر وتعليقه لاستئناف الرد على نتائج الهجوم، ويمكن قراءته أيضًا في تصريح وزير خارجية كيان العدو بأن إسرائيل "لا تسعى لحرب شاملة لكنها ستتصرف وفقًا للتطورات على الأرض".
ورغم ذلك فقد حرص حسن نصر الله في خطابه عقب العملية على تكذيب ادعاءات نتنياهو والجيش الإسرائيلي؛ لإحراجهم في ظل انقسام الداخل الإسرائيلي حول الرواية الرسمية. حيث قال إن الرد على اغتيال القيادي فؤاد شكر قد أنجز بنجاح، من خلال استهداف قاعدة المخابرات العسكرية غليلوت المسماة شعبة (أمان) والتي تضم (الوحدة 8200) قرب تل أبيب، وقاعدة عين شيمر للدفاع الجوي، بالإضافة إلى مواقع عسكرية متفرقة، ونفى مزاعم الكيان بأنه دمر آلاف منصات الصواريخ. وهذا يؤكد أن حزب الله ما يزال ملتزمًا بقواعد الاشتباك المتمثلة بتبادل اللكمات، وأن جبهته هي جبهة إسناد فقط، وأنه غير معني بالحرب الشاملة. وهو ما شدد عليه مصدر مسؤول في الحزب بقوله: "عملنا للتأكد من أن ردنا على مقتل فؤاد شكر لن يشعل حربًا واسعة النطاق".
وينبع هذا الموقف لحزب الله من مقارباته السياسية المحكومة بسقفه الوطني والمحاذير الداخلية والإقليمية والدولية، ومن قراءته لاستراتيجية نتنياهو ومحاولاته لتوسيع رقعة الحرب، وهو الأمر الذي حذر منه المبعوث الأميركي هوكشتاين الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري في زيارته الأخيرة للبنان، مشيرًا إلى أن "نتنياهو يتصيد ردود الفعل لتحويلها إلى كارثة إقليمية".
غير أن نتنياهو وكما يبدو قد اكتفى بأخذ زمام المبادرة بالهجوم على مواقع حزب الله دون الذهاب إلى حرب شاملة، استجابة لطلب الإدارة الأميركية في هذا الظرف الانتخابي وتنامي الاعتراضات الداخلية على موقف الإدارة من الإبادة الجماعية في غزة، وبخاصة بعد أن حصل نتنياهو من بلنكين على ما يريد بشأن صفقة تبادل الأسرى، والتي تمكنه من استمرار عدوانه على غزة ولو بشكل منخفض ومتقطع، وهو الأمر الذي يلزمه لكسب الوقت وتأجيل الصراع مع خصومه في المعارضة الداخلية وتثبيت الوقائع الجديدة على الأرض.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عدول نتنياهو عن التصعيد لحرب شاملة إنما هو أمر ظرفي، إذ إن تصعيده مضطرد مع الضغوط الداخلية والخارجية. ومن ثم فإنه لا يُستبعد أن يكون نزع فتيل الأزمة قد جاء نتيجة مقايضة بين نتنياهو وبلنكين في اجتماعهما الثنائي وبمعزل عن أعضاء الحكومة، بخفض التصعيد على الجبهة اللبنانية لقاء شروطه بشأن مفاوضات صفقة الأسرى مع حماس، مستغلًا موقف الإدارة الأميركية الداخلي الحرج، والموقف المتوتر على الجبهة الأوكرانية. حيث كانت استجابة بلنكين لشروط نتنياهو، وتصريحاته بعد اللقاء صادمة للمراقبين السياسيين، وصادمة حتى لفريق التفاوض الإسرائيلي نفسه. إذ كان يُتوقع أن يضغط بلنكين على نتنياهو لقبول الصفقة وليس الانقلاب عليها.
وأما موقف الولايات المتحدة فقد صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي: "ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وسنواصل العمل من أجل الاستقرار الإقليمي". كما توجه رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة لزيارة الكيان الغاصب، ولا يعدو ذلك عن كونه استثمارًا من قِبل إدارة بايدن بالتصعيد لاعتبارات دعائية انتخابية؛ ولذلك أرسلت حاملات طائراتها إلى المنطقة بدعوى الدفاع عن "إسرائيل".
وفي الختام فإن المقاربات السياسية المحكومة بالجدران الوطنية والمشاريع التنظيرية لن تردع العدو الصهيوني أو تُلجمه عن عربدته وبطشه. وإنه لا سبيل لرفع الظلم ووقف الإبادة والتهجير الممنهج وحالة البؤس لأهلنا في غزة عبر الإسناد فقط، بل لا بد من تحطيم القبة الحديدية التي تقيد المقاربات السياسية بحدود جغرافية وعرقية ضيقة ، مع العلم أن أمريكا هي الفاعل الحقيقي لمجريات الأمور ، وما إسرائيل إلا يد تستخدمها للقذارة ، مع أياد أخرى كثيرة .