الحياة تتجدّد بميلاد أطفالٍ جُدد، والعدوان الصهيوني يشتد شراسةً

بمرور مائة يومٍ على العدوان اعتقد الناس في غزة أننا سندخل في هدنة مؤقتة لدرجة أن البعض تداول تلك الأمنية باعتبارها أمرًا تحقق، خصوصًا مع الانسحاب الجزئي للجيش الصهيوني من داخل مدينة غزة باتجاه خطوط التماس، لذا أخذ الناس بالتدفّق في شوارع مدينة غزة وشمالها بأعداد كبيرة.

وقد رأيت ذلك بعيني عندما خرجت اليوم مع قريبتي التي اندهشت من حجم الحركة أثناء انتقالنا إلى منطقةٍ قريبة لزيارة ابن أُختي وزوجته اللذان جاءتهما مولودةٌ جميلة قبل شهرٍ تقريبًا، وكان توقيت ولادتها حساسًا جدًا حيث ترافق مع دخول جيش الاحتلال إلى منطقتنا والحصار الذي اضطررنا أن نعيشه حتى انسحاب الجيش بجنوده ودبّاباته، وبالطبع لم نتمكّن سابقًا من زيارتهما احتفاءً بالمولودة وبسلامة الوالدة، ما بثّ السرور والامتنان عندنا وعندهُما بهذا اللقاء الذي جاء بعد أن كنّا جميعًا قد فقدنا الأمل في التلاقي وفي الحياة أيضًا، نتيجة لحجم الخطر الذي أحدق بنا على مدار شهرٍ كامل.

لقد تفاءلنا خيرًا بولادة هذه الطفلة وغيرها من الأطفال الذين يولدون يوميًا في قطاع غزة، ليعوّضوا بعض من خسرناهم من الأطفال الذين استشهدوا خلال المائة يوم السوداء.

ومن المهم أن نتذكّر دائمًا أن ادّعاءات حكومة العدو الصهيوني ومؤيديها كاذبةٌ بالمجمل، وأنهم في هذا العدوان الهمجي لا يستهدفون رجال المقاومة ولا قيادات حركة حماس، حيث يدعي الجيش في بيانه أنه سيقضي على حركة حماس، بينما من يقضي عليهم بالفعل هم المدنيّون العُزّل، والذين بلغ عددهم المُحصى 24,100 شهيدةٍ وشهيد. وكان نحو نصفهم من الأطفال، حيث قُتل خلال المائة يومٍ نحو 12,000 طفلٍ وطفلة بمتوسط 120 طفلًا يوميًا، بينما تساوى تقريبًا عددُ الشهيدات والشهداء ليصل إلى نحو 6000 امرأة و6000 رجل، أي قتل الاحتلال يوميًا بالمتوسط 60 امرأةً و60 رجلًا. ولا نتجاهل أيضًا نحو 352 من الشهداء الذين قتلهم جيش الاحتلال سواء على الحواجز أو خلال المواجهات أثناء مداهمات المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية.

هذا كما أُصيب نحو 60,834 من النساء والأطفال والرجال، جراح معظمهم خطيرة مع احتمالية عالية بأنها ستخلّف إعاقاتٍ دائمة لما يزيد عن 10% منهم تقريبًا.

ومن المهم أن نعرف أنّ العدوان مستمرٌّ ولم يتوقُف، وهو يشتدّ شراسةً وضراوةً على المحافظات الوسطى والجنوبية، حيث يسقط العشرات يوميًا من المواطنين والمواطنات، ويدمّر الاحتلال كلّ ما يزال واقفًا من أبنيةٍ ومنشآت، في حين تلاحق الطائرات والمدفعية الثقيلة النازحات والنازحين في الخيام و مراكز الإيواء التي حاولوا الاحتماء بها هربًا من وابل القذائف.

أما في مدينة غزة وشمالها، فقد كان تقديرنا أن الجيش الصهيوني لم ينسحب كليًّا بل أعاد تموضعه، وها هو يستأنف غاراته بشراسة، وها نحن نقضي هذا المساء تحت خطر غارات الطيران هنا وهناك.

ونرجو أن تمر الأيام القادمة على خير والتي لا نعرف كم ستطول، ولكننا نأمل ألّا يستمرّ هذا النزيف الدمويّ من لحمنا وعظمنا، وألّا يستمر هذا الانكشاف المخزي في حياة شعبنا، ونرجو أن يتوقف هذا العدوان البغيض، وأن تندحر دولة الاحتلال عن قطاع غزة في أقرب وقت.

زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف