تحقيق استقصائي: ضريبة الجمال.. تشوهات وخداع

بالعربي: صالونات ومراكز تجميل تخدع الباحثات عن الجمال وتنهش ما في جيوبهن من أموال بطريقة مخالفة للقانون، مسببة الحروق والالتهابات نتيجة غياب الإشراف الطبي على عمليات واجراءات التجميل، دون محاسبة المسؤولين عنها أو تقديم أي ضمانات لعدم تكرار مثل هذه الحوادث. هذه هي الفرضية التي بدأنا بها هذا التحقيق الذي استمر شهرين من البحث والتقص، اعتمادا على شكاوى وصلتنا تؤكد وجود مخالفات كبيرة في هذا القطاع.

قررنا البحث عن حجم الظاهرة بزيارة أطباء الجلد المختصين، كشفنا عن خروقات ومخالفات بتوثيق الكاميرا السرية، بحثا عن التراخيص والإشراف الطبي والقوانين، لكن تحقيقنا هذا بدأ بالأكثر معاناةً وهم الضحايا!!.

عام من الليزر دون فائدة !! ...
الثالث والعشرون من شهر نيسان 2019 وفي يوم عمل اعتيادي، توجهت المواطنة "س أ" الى وحدة الصحافة الاستقصائية في "وطن" كي تروي لنا معاناتها مع صالونات ومراكز التجميل.
"هي تجارة .. لكنها تجارة بشعة .. على مدار عام كامل أجريت جلسة ليزر كل شهر لإزالة الشعر عن جسدي، حيث كنت أدفع على كل جلسة 300 شيكل (80 دولار)، من دون أي نتيجة تذكر"، هذا ما أكدته المواطنة "س أ"، مردفة "كل المبلغ الذي دفعته على الجلسات راح عالفاضي .. انضحك علي وبنضحك على كتير صبايا بضيعوا كل رواتبهم."

حروق والتهابات ...

في اليوم الثاني لشكوى المواطنة "س أ"، اتصلت بنا احدى صديقاتها لتحدثنا عن اصابات بالحروق تعرضت لها داخل احد مراكز التجميل.

وقالت المواطنة التي فضلت عدم ذكر اسمها إن " جهاز الليزر صار يضرب على جسمي ضربات قوية .. صار عندي حروق، جسمي كلو بقبش وصار ينزل سائل"، مردفة "بعد عرسي بتصل في صاحبة الصالون والمركز بحكيلها حرقتيلي جسمي والحروق ما زالت ظاهرة، فردت علي هذا الموجود عندي، قلتلها راح أقدم فيكي شكوى للصحة، حكتلي ما بتقدري تعملي إلي إشي!"

حالتان يوميا ..

بعد الاستماع لمعاناة الضحايا قررنا زيارة طبيبين مختصين بالأمراض الجلدية في مدينة رام الله لمعرفة مدى انتشار المشكلة، وهل ترقى لمستوى الظاهرة.

د.رياض مشغل، قال"يوميا لدي حالتين الى ثلاثة حالات من أخطاء صالونات ومراكز تجميل، هذا رقم هائل، فوضى وتجارة على حساب صحة المواطن وعلى حساب اقتصاده."

وأضاف"حروق من الاستخدامات الخاطئة لليزر وهذه شائعة في الحقيقة، وتورمات عميقة في الوجه نتيجة استخدام ما يسمى بـ (الفيلرز)، وهذه الحالات للأسف علاجها بالغ الصعوبة."

من جهته، أكد د.صلاح صافي "الحروق التي تأتينا بالعادة درجة أولى وثانية، يتبعها تصبغات لونية تكون دائمة أحيانا، وندب جلدية لا تزول إطلاقا"، مضيفا "في العادة من تقوم بعمل الليزر وغيرها من الاجراءات والعمليات التجميلية داخل الكثير من الصالونات والمراكز لا تملك شهادة صف سادس ابتدائي، مشيرا الى أن الطبيب المختص وهو يمارس هذه العمليات التجميلية بكون ايده على قلبه ويشعر بالخوف من المضاعفات، فما بالك مع مواطنات غير متعلمات وغير متمرسات على هذا العمل الدقيق".

تصوير سري يستهدف 7 صالونات ومراكز تجميل
معد التحقيق حاول التنسيق لمقابلات صحفية مع أصحاب مركزي تجميل في مدينة رام الله لمعرفة أسباب انتشار الأخطاء داخل الصالونات ومراكز التجميل، لكنهما تهربا من المواجهة، ما اضطر وحدة الصحافة الاستقصائية في "وطن" لاستخدام تقنية التصوير السري.

على مدار يوم كامل أدخلنا مخبرة سرية الى سبعة صالونات ومراكز تجميل بطريقة عشوائية في مدينتي رام الله والبيرة وما خفي وثقته الكاميرا بأدق التفاصيل.

جميع الصالونات والمراكز السبعة تجري عمليات ازالة الشعر بأجهزة الليزر المختلفة، وبعضها تجميد وتكسير الدهون، وسط تناقض كبير في عدد الجلسات والأسعار.

المخبرة السرية ادعت بأنها ترغب باجراء جلسات الليزر لإزالة الشعر تحت إبطها، فانقسمت الصالونات والمراكز على نفسها . بعضها طالبها ب 12 جلسة، والبعض الآخر من 4 الى 5 جلسات، فيما أكد أخرون أنها تحتاج الى 8 جلسات، أما الأسعار فتراوحت ما بين 70 الى 150 شيكل (20 – 40 دولار) للجلسة الواحدة.

غياب أي إشراف طبي !
- وتبين ان جميع الإجراءات والعمليات التجميلية تنفذ دون أي إشراف طبي، ودون تحذير المواطن من أية أضرار أو مضاعفات كالحروق أو الالتهابات، وهذا ما دار بين المخبرة وبعض المراكز والصالونات :

المخبرة السرية : عمليات تكسير الدهون والليزر بشتغلها دكتور ولا لا، مش فاهمه أنا ؟
الموظفة : لا احنا منشتغلة .. حتى بالليزر حتى بالأشعة كله بس احنا البنات، لأنه آمن ومضمون.

في صالون آخر أكدت مديرته لمخبرتنا أنها توحد لون البشرة وتزيل الكلف والطبع والحبوب والحفر والمسامات الواسعة، كما تقوم بتحفيز الغدد اللمفاوية بالأشعة كي تسحب كل سموم الجسم بادعاء أنه صحي وآمن ولا يحتاج الى طبيب.

فيما ادعت صاحبة صالون ثالث أنها تبيع مرهما مع جلسات تكسير الدهون، حيث قالت : هذا الكريم اذا دهنته على خصرها ولفته بكيس نايلون واشتغلت طوال اليوم، ستنقص كل يوم 2 سم من محيط خصرها، مردفة : تكسير الدهون آمن وما في أي أعراض جانبية.

تحايل على مهنة الطب
مخبرتنا السرية كشفت بالصوت والصورة ادعاء صاحبة صالون ومركز تجميل حصولها على شهادة الدكتوراة وترخيص من وزارة الصحة لممارسة عمليات التجميل كإزالة الشعر بالليزر وتجميد وتكسير الدهون، وهذا ما دار من حديث بين الطرفين :

المخبرة السرية : أختي عاملة عملية سيزيرين وبنتها عمرها 8 شهور .. بدي أشوف اذا عمليات تكسير الدهون بتأثر عليها سلبيا ؟
مديرة الصالون ومركز التجميل: ولا أي أثر .. أنا دكتورة بالأصل.. ممنوع الترخيص بدون طبيب .. على إسمي الترخيص.

تتبعنا اسم صاحبة الصالون ومركز التجميل، بحثنا في أرشيف وحدة الإجازة والتراخيص التابعة لوزارة الصحة عن أي أثر لشهاداتها أو تراخيصها وهنا كانت المفاجأة .

مدير دائرة التراخيص في وزارة الصحة د. عبد الله الأحمد حسم القضية قائلا : هذا غير صحيح .. هذا إدعاء وكذب على المواطن لأن اسمها لم يرد في جميع ملفات الدائرة، مضيفا: هذا أحد ممارسات تضليل المواطنين.

أدوية ومستحضرات محظورة
لا تقتصر الخروقات والمخالفات عند هذا الحد، الصالونات ومراكز التجميل تحولت الى صيدليات تصرف أدوية ومستحضرات دون أي وصفات طبية، في كل صالون ومركز تجميل ممن قمنا باستهدافها تجد خزانة مخصصة للأدوية والمستحضرات، لكن القصة ليست هنا، فبطريقة عشوائية اخترنا أحد المستحضرات ((Octan PearL لمعرفة قانونية وجوده داخل الأسواق .. بحثنا عن اسم المستحضر في قائمة الأدوية والمستحضرات المصرح بيعها في فلسطين على موقع الادارة العامة للصيدلة، فلم نجد له أي أثر.

للتأكد توجه معد التحقيق الى الإدارة العامة للصيدلة في مدينة نابلس فأكد مدير دائرة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة د. ماجد صبحة أن المستحضر مخالف ولا يجوز بيعه في أي مكان داخل فلسطين، مردفا : المستحضر لم يمر في دوائرنا الرسمية وغير مفحوص وبالتالي هو مهرب وغير شرعي.

غياب كامل للتراخيص .. جريمة !
كل ما سبق مجرد غيض من فيض .. فجميع الصالونات التي تحولت مع مرور الوقت الى مراكز تجميل والتي استهدفها التحقيق، ادعت حصولها على ترخيص رسمي من وزارة الصحة.

معد التحقيق سلم مدير دائرة التراخيص في وزارة الصحة د. عبد الله الأحمد قائمة بأسماء المراكز والصالونات، وبعد اطّلاعه عليها رد قائلا : لا يوجد لهذه المراكز أي إسم في وحدة الإجازة والترخيص وهي الوحدة المسؤولة عن إصدار التراخيص للمنشآت الصحية.

وأضاف: غير مرخصة وغير مستكملة لشروط التراخيص وبالتالي مخالفة، مردفا: جريمة بأنك تمارس الطب التجميلي في منشآة غير مرخصة.

كيف تعمل الصالونات ومراكز التجميل ؟
بعد التعمق أكثر في قضية التراخيص، اكتشفنا أن الصالونات ومراكز التجميل تحصل على ترخيص مزاولة المهن والحرف من البلديات فقط، لكن هذا الترخيص لا يسمح لها القيام بعمليات الليزر وتجميد وتكسير الدهون وغيرها من الاجراءات التجميلية التي تحتاج الى إشراف طبي.

رئيس بلدية رام الله موسى حديد أكد لمعد التحقيق أن "الصالون بموجب رخصتنا يعمل وفق ما نص عليه نظام مزاولة المهن والحرف تماما، أي تصفيف الشعر وأنواع التجميل الأخرى، ولم ينص على أي إجراء يحتاج الى إشراف طبي كتكسير الدهون وتجميدها وإزالة الشعر بأجهزة الليزر المختلفة."

وأضاف "إذا فهم خطأ بأن كلمة "أنواع التجميل الأخرى" تشمل الليزر وتكسير وتجميد الدهون أو البوتكس والفيلرز فنحن نؤكد أن هذه الاجراءات التي يمكن أن تضر بحياة الإنسان بحاجة الى تراخيص من وزارة الصحة واختصاصيين للإشراف عليها."

أين وزارة الصحة ولماذا لا تقوم بإغلاقها فورا ؟
خلال اعداد هذا التحقيق قمنا باحصاء أكثر من ثلاثين صالونا ومركز تجميل في الضفة الغربية يمارسون أنواعا مختلفة من عمليات التجميل دون أي إشراف طبي، الأمر الذي يدعو للتساؤل أين وزارة الصحة من هذه المراكز ولماذا لا تقوم باغلاقها فورا حفاظا على صحة المواطن؟

لمعرفة الحقيقة توجهنا الى مديرية الصحة في محافظة بيت لحم، لنجد بالوثائق قيام المديرية باغلاق عشرة صالونات ومراكز تجميل خلال عام 2018 في المحافظة، على خلفية قيامها بعمليات تجميل دون أي إشراف طبي، وقرارات جديدة باغلاق صالونات ومراكز خلال العام الحالي 2019، لكن المشكلة أن الصالونات والمراكز تعاود فتح أبوابها من جديد.

وحول هذا الموضوع قال رئيس قسم الطب الخاص في صحة بيت لحم د. أحمد عودة إن "كل ما بحوزتنا أنظمة وتعليمات فقط في ظل غياب قانون واضح يسمح ويحرم ويلزم."

وأضاف "مشكلتنا الرئيسية مع الصالونات ومراكز التجميل أنه وبعد إغلاق أبوابها من قبل وزارة الصحة، تتجه هذه المراكز الى القضاء، والكثير منهم يكسب هذه القضايا استنادا لآراء بعض القضاة الذين يؤكدون أن تعليمات الوزراء غير ملزمة، بينما ما يلزم فقط وجود قانون."

وفي السياق ذاته، قال مدير الشؤون الصحية في صحة بيت لحم د.شادي عيسى إن "ما يحدث اليوم هو خداع للمواطن الفلسطيني من خلال هذه الشبكات التي تدعي التجميل، تستدرج المواطنين الى المراكز لتدفيعهم مبالغ ضخمة جدا، هو غبن وتجارة والفوضى، لذلك نحن بأمس الحاجة لقانون."

ويشار الى أن وزارة الصحة أكدت لمعد التحقيق أنها ومنذ ثلاثة أعوام تعمل مع جميع أطراف القضية على مسودة قانون، وما زال العمل جاريا.

وفي هذا الصدد قال مدير دائرة التراخيص د.عبد الله الأحمد إن مسودة القانون في اللمسات الأخيرة وستعرض على رئاسة الوزراء بعد موافقة وزيرة الصحة د. مي كيلة على بنودها.

وأمام ما سبق فإن ما يجري على أرض الواقع غش وتلاعب و استغفال للمواطن، داخل بعض الصالونات ومراكز التجميل، وفي المقابل ضعف في الرقابة وغياب للعقوبات الرادعة، ولريثما يصادق على القوانين، ستبقين أنت فريسة سهلة لأصحاب الضمائر الغائبة.


المصدر: وكالة وطن للأنباء