بالعربي: بقلب يعتصر حزنا، تحدثت الخمسينية منى السالم من قرية عارورة شمال رام الله، عن أرض والدها، التي باعها شقيقها بثمن بخس ودون علمها، منى التي قضت طفولتها ترعى الأرض وتقطف زيتونها، لم يعد بإمكانها حتى الوقوف فيها دون إذن صاحبها.
تقول منى لـوطن: أمتلك وثيقة "حصر إرث" باسم جدي، ورغم ذلك يتمكن شقيقي من بيع قطع الأرض على اعتبار انه صاحبها. وتؤكد السالم أنه منذ عام 2012 بدأ شقيقها برفع قضايا عديدة في المحاكم ضدها، ولأسباب مختلفة، من أجل اجبارها على التنازل عن حصتها.
أرملة وأم لـولدين وضمن الأكثر فقرا
منى أرملة وأم لولدين، ومدرجة في سجلات وزارة التنمية الاجتماعية، ضمن العائلات الأكثر فقرا، ولكن ذلك لم يثنِ شقيقها اسماعيل السالم عن رفع أربع قضايا ضدها في المحاكم، كنوع من الضغط عليها من أجل التنازل عن حقها في إرث والدها، وفقا لتأكيداتها.
إكرام محرومة أيضا
ولم تقف المشكلة عند منى، فابنة عمها المسنة اكرام، حرمها أولاد عمها أيضا، من حقها في ميراث والدها، بحجة أنه توفي قبل جدها، ورغم استصدارها قراراً قضائيًا بأحقيتها في الميراث، إلا أن بقية الورثة ضربوا القرار بعرض الحائط، وفقا لتأكيداتها.
تقول المسنة إكرام: أولاد عمي، وعلى رأسهم شقيق منى، كانوا يعاملونا على أنه لا حق لنا في الميراث، بسبب وفاة والدنا، وكانوا يتعاملون على هذا الأساس.
وأضافت: في يوم من الأيام طلبت من ابن عمي أن يعطيني قطعة أرض صغيرة كي يبني ابني بيتا فيها، ولكنه رفض، وقال: "اذهبي الى المحكمة واذا كان لك حق خذيه".
قرار قيد التطبيق منذ 7 سنوات
وتابعت المسنة اكرام: بالفعل توجهت الى المحكمة ورفعت قضية عليهم، وبعد 8 سنوات أصدرت المحكمة قرارا يؤكد أحقيتنا في ميراث والدنا، ولكن ذلك لم يغير شيئا من الواقع ولا زلت محرومة من حصتي حتى هذا اليوم.
وتؤكد ان ابناء عمها يبيعون أراضي بشكل مستمر دون ان تحصل على حصتها، ودون ان يتم استشارتها.
وطن تواجه شقيق منى
تواصلنا في وطن، مع شقيق المواطنة منى، ابن عم المواطنة إكرام، من أجل أخذ رده على الاتهامات التي وجهتها شقيقته وابنة عمه ضده، فقال: هذه الاتهامات غير صحيحة بتاتا، وأضاف: شقيقتي حصلت على حقها كاملا وهناك وثيقة قسمة رضائية بيننا، وهذه الادعاءات مجرد افتراءات لا أساس لها من الصحة.
اما عن ابنة عمه "إكرام" المحرومة أيضا من حصتها في الميراث، فأكد أنه عرض عليها أن يعطيها قطعة أرض من أراضيه بدل حصتها، ولكنها رفضت وفقا لقوله.
تسعة أمتار حصة عبلة!
وعلى بعد بضعة كيلومترات من عارورة، لم تتجاوز حصة المواطنة عبلة عبد الجابر من قرية ترمسعيا، تسعة أمتار، من إرث والدها الذي يمتلك ثماني وعشرين قطعة أرض في المنطقة، وفقا للمواطنة.
تقول عبلة لـوطن: أنا الأصغر بين أخوتي واخواتي، الذين توفوا جميعا منذ سنوات، باستثناء شقيقة واحدة، وتتابع: أخوتي الذين توفوا لم يعطونا حصتنا من الميراث، توفوا جميعا ولم يفكروا فينا بتاتا.
وتؤكد عبلة وهي سيدة متزوجة حاليا ولديها أولاد، أنها بدأت بمطالبة أولاد أخوتها بحصتها من الميراث عام 2012، حيث كانت تنوي الذهاب في عمرة إلى بيت الله الحرام، فكان رد أحد أبناء اخوتها على ذلك: "شو يعني بدك تقاسمي؟".
فأكدت أنها فقط تريد حقها لا أكثر، فأجابها: حقك هو عبارة عن 9 أمتار فقط لا غير!.
القضاء ظلمها!
وفي الوقت الذي ظلمت فيه المواطنة من أهلها، فإن القضاء الفلسطيني ظلمها أيضا كما تقول، فطالبها بإحضار شهود من قريتها على حصر إرث يزيد عدد الورثة فيه عن مئة، معظمهم يعيشون في الولايات المتحدة الامريكية ولا يعرفهم أهل القرية، فأصبحت المواطنة كمن يبحث عن إبرة في كومة قش.
67% من النساء محرومات من ميراثهن كاملاً
مشهد حرمان المرأة من ميراثها تحول إلى ظاهرة في فلسطين، فـ 67% من الفلسطينيات محرومات من ميراثهن بشكل كامل، و16% منهن يحصلن على جزء من ميراثهن، و16% فقط يحصلن على ميراثهن كاملا، وفقا لإحصائية مسح الملكية والمصادر، الصادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني.
هذا الحرمان يضرب المشروع الوطني لتسوية الأراضي والمياه الذي انطلق عام 2006، فيعطل سير العمل فيه، وهو ما سنثبته في هذا التحقيق.
توجهنا إلى هيئة تسوية الأراضي لمعرفة حال مشروع الطابو، بعد سنوات من العمل عليه، فأكد رئيس هيئة تسوية الأراضي، موسى شكارنة لـوطن، إن الهيئة بدأت عملها في نيسان عام 2016، وهي تعمل حاليا في 87 موقعا في الضفة الغريبة، وأكد شكارنة عبر وطن، أن الهيئة مسحت حتى اليوم 700 الف دونم، بينها 200 ألف دونم انتهى العمل فيها تماما، وتم تعليقها والإنتهاء منها.
سلطة الأراضي: خلال 5 سنوات سينتهي المشروع
وفي وقت أكد شكارنة لـوطن أن سلطة الأراضي ستنهي المشروع برمته خلال خمس سنوات، فقد أجرينا معادلة حسابية بسيطة، على عمل هيئة تسوية الأراضي، التي تعمل حاليا على تسجيل ثلاثة ملايين وستمئة ألف دونم، من الأراضي غير المسجلة في الضفة الغربية، وتنجز في السنة الواحدة 16 ألف دونم، لنستنتج أنه اذا استمر العمل على هذه الوتيرة، فإنها ستحتاج إلى مئتين واثنتي عشرة سنة، كي تنجز المشروع.
ويعتبر مشروع تسوية الأراضي أحد أهم المشاريع الوطنية، في ظل سعي الاحتلال الحثيث للسيطرة على أكبر قدر من أراضي الضفة الغربية لصالح المستوطنات، والتي ابتلعت حتى اليوم 42% من اراضي الضفة، الا أن اسبابا اجتماعية أهمها حرمان العائلات للنساء من الميراث، تقف عقبة في وجه هذا المشروع، وفقا لسلطة الأراضي.
وأكد شكارنة لـوطن أن هناك مشاكل كثيرة تواجهها طواقم الهيئة يوميا، مضيفا أن وجود مشاكل كهذه يعطل عملية التسوية، كونها تصبح مضطرة إلى العودة للتحقق من هذه المشاكل، والنظر في المستندات وسماع أقوال الشهود والمعرفين من أجل التوصل إلى حلول.
وأكد شكارنة، أن كل هذه الاجراءات بالتأكيد تعطل عمل الهيئة، وتستغرق وقتا طويلا، وأحيانا كثيرة تصل هذه المشاكل إلى القضاء، وحاليا يوجد 7 الآف ملف اعتراض على التسوية وهو عدد مقبول اذا ماقورن بالمساحات المعمول عليها، ولكن أيضا هذه الملفات بحاجة إلى جهد وطواقم من أجل حلها، وهذا يعيق من عملية التسوية.
ماذا حققت وزارة شؤون المرأة خلال سنوات عملها الطويلة؟
توجهنا إلى وزارة شؤون المرأة من أجل أخذ ردها على ذلك، فقالت إلهام سامي، رئيسة وحدة الشكاوى في وزارة شؤون المراة، أن الوزارة لا تقدم خدمات مباشرة للمجتمع، سواء نساء أو رجال، مضيفة: الوزارة دورها متابعة تعزيز المساواة بين الجنسين وتعزيز العدالة الاجتماعية في القطاع العام، عبر السياسات والتشريعات والخدمات والبرامج.
الوزارة تحمل القضاء المسؤولية
وأكدت سامي في حديثها لوطن، أن واحدة من أهم المعيقات التي تواجهها النساء، هي الإجراءات القضائية، ورسوم المحكمة، مؤكدة أن القضاء يتعامل مع قضايا الإرث الخاصة بالنساء معاملة اقتصادية بحت، فيكون عليها تكاليف مالية باهظة الثمن، وهو ما يعرقل توجه النساء إلى القضاء من أجل تحصيل حقوقهن.
كما أوضحت أن غياب الإرادة السياسية، في قضايا حقوق المرأة بشكل عام تعرقل أيضا تحصيل النساء لحقهن في الميراث.
الإرادة السياسية خجولة
وقالت سامي: الإرادة السياسية في قضايا النساء خجولة ومترددة، والحق في الميراث يجسد الحق الرئيس للحقوق الاقتصادية بالدرجة الاولى، وهو ما يعكس حالة التردد والخجل في قضايا النساء.
وفي وقت حملت فيه سامي المسؤولية الأكبر عن هذا الموضوع، للقضاء الفلسطيني والإرادة السياسية، فقد نفى الأمين العام لمجلس القضاء الاعلى أسعد الشنار، أن تكون رسوم المحاكم سببا في عرقلة تحصيل النساء لحقوهن الإرثية.
القضاء النظامي: الرسوم زهيدة
وقال أسعد الشنار عبر مقابلة خاصة مع وطن، "الموضوع ليس موضوع رسوم بالعكس الرسوم زهيدة بالذات في القضايا الصلحية، واذا ما تحدثنا عن قضية "منع المعارضة" فهي لا تتجاوز 30 دينار، وقضايا إزالة الشيوع لا تتجاوز 10 دنانير، ولكن المشكلة تكمن في التمثيل القانوني أمام المحاكم.
وأضاف: المشكلة ليست في القضاء، وإنما في ثقافتنا المجتمعية، التي لا تتقبل كثيرا أن تلجأ المرأة للقضاء والقانون من اجل تحصيل حقوقها، وتتهم مجتمعيا بأنها "جابت أهلها عالمحكمة".
القضاء الشرعي: المشكلة ليست قانونية
من جهتها اتفقت القاضية في محكمة الاستئناف الشرعي، صمود الضميري مع الشنار على أن المشكلة ليست قضائية بتاتا، وإنما ثقافية ومجتمعية، واكدت عبر وطن، أنه من السهل جدا أن تحصل المرأة على وثيقة رسمية تبين أنها وريثة ولها حقوق، ولكن المشكلة في تنفيذ حجة حصر الإرث، وبخاصة حين يضع الذكور "يَدَهُم" على هذه الحقوق.
وأكدت الضميري أنه لا يوجد أي إشكالية قانونية في هذا الموضوع، ولكن الإشكالية الحقيقية هي أن بعض البيئات معارضة لتحصيل النساء هذه الحقوق.
هل نُفّذت أي قرارات قضائية؟
ولدى سؤالنا للضميري حول عدد القرارات القضائية التي تم تنفيذها في قضايا الإرث، قالت: خلال الثلاث شهور الاخيرة لم تمر أمامي أي قرارات في قضايا متعلقة بالإرث، بحاجة إلى تنفيذ، وأكدت أن التقرير السنوي يتضمن عدد القرارات التي تم تنفيذها، ولكن بعد البحث لم نجد هذه الأرقام في التقرير السنوي لعام 2017، وهو آخر تقرير صدر وقت إعداد هذا التحقيق.
تواصلنا مع مجلس القضاء الشرعي من أجل تزويدنا بالأرقام وبعد محاولات عديدة، أكدت الدائرة الإعلامية لديهم، إن دائرة التنفيذ القضائي لا "تفصل القرارات"، التي تم تنفيذها حسب نوع القضية وإنما تزودهم بعدد القرارات المنفذة فقط.
من يتحمل المسؤولية؟
وفي وقت رمى كل طرف من أطراف هذه القضية اللوم على الطرف الآخر، فقد توجهنا في وطن إلى الخبير القانوني ماجد العاروري، الذي حمل المسؤولية في هذا الأمر إلى كل الاطراف المتعلقة بالقضية (وزارة، وقضاء، ومجتمع) إلى جانب الحركة النسوية ومؤسساتها المختلفة، التي لم تستطع حتى اليوم تحسين واقع المرأة في هذا الجانب، وتمكينها من تحصيل حقوقها.
المصدر: وكالة وطن للأنباء