بالعربي: فجر الخميس الرابع من شهر تشرين الأول الماضي، استولت مجموعة من المستوطنين على عقار قديم وتاريخي في "عقبة درويش" في مدينة القدس يبعد امتاراً قليلة عن المسجد الأقصى.
تمت عملية الاقتحام والاستيلاء على العقار الذي تعود ملكيته في الأصل إلى عائلة جودة الحسيني، من قبل عشرات المستوطنين، في ساعة متأخرة من الليل بحماية جيش الاحتلال .
وطن تنشر تفاصيل "تسريب" عقار "عقبة درويش"
وطن للأنباء تابعت القضية منذ اللحظة الاولى، تواصلنا مع عائلة جوده الحسيني، التي كانت تملك العقار قبل أن تبيعه رسمياً لخالد محمد عبد الحميد عطاري، وتسجله رسمياً باسمه مطلع عام 2018 في دائرة الطابو التابعة لحكومة الاحتلال في القدس.
وحول ذلك يقول جودة الحسيني الذي يملك وثيقة حيازة مفتاح كنيسة القيامة وهو وكيل والدته التي كانت تملك العقار لـ وطن : إن قضية العقار تعود للعام 2013 بعد أن أعلنت العائلة رغبتها في بيعه، "حينها اتصل بي شخصية فلسطينية مهمة تربطني به علاقة أسرية" وقال لي إن فادي السلامين يريد شراء العقار، وبعد أكثر من اجتماع اتفقنا على بيع العقار للسلامين.
وأضاف: قمت ببيع العقار بصفتي موكلاً من والدتي، للسلامين، الا أنه وبعد قرار السلطة الفلسطينية بتجميد حسابات السلامين فإنه لم يستطع تسديد ما تبقى عليه من دين بدل العقار، وقمنا وقتها بإرسال أكثر من انذار للسلامين أننا سنتجه لاستصدار قرار من المحكمة المركزية في القدس لفسخ العقد ، على حد قوله .
لكن الحسيني الذي وكل رسمياً بمتابعة العقار في الدوائر الرسمية من والدته لمياء جودة الحسيني، رفض الكشف عن المبلغ الذي اتفق عليه مع السلامين من اجل بيع العقار ، مبيناً أنه توجه بعد ذلك للمحكمة المركزية وأصدر قراراً يقضي بفسخ العقد بين الطرفين.
وتابع: في هذه الفترة تواصل معي خالد عطاري، وأبدى رغبته في شراء العقار واستعداده التام لتسديد المبلغ الذي دفعه السلامين كاملاً وهو ما حصل بالفعل، وتمت عملية البيع بعد ذلك للعطاري وتسجل العقار باسمه رسمياً في الطابو ، وذلك حسب رواية جودة الحسيني .
وعن حيثيات صفقة البيع قال جودة الحسيني: إنه وبعد اتصال العطاري بي قمت بالاستفسار والسؤال عنه فأثنت عليه العديد من الشخصيات المقدسية، وأثناء عملية بحثي تبين لي أنه كان يعمل مديراً لأحد البنوك، ويعتبر من أحد مؤسسي شركات التأمين في الضفة الغربية ، وشخصية معروفة ومزكيةٌ من الكثيرين .
ولفت جودة أنه وفي ذلك الوقت وضع محافظة القدس بصورة عملية البيع التي تمت، وتم ابلاغ الجهات الرسمية الفلسطينية بها، وقام بكتابة تفاصيل عملية البيع للمحافظ وقتها عدنان الحسيني.
ويتكون العقار المذكور من ثلاثة طوابق، ويقع في منطقة مهمة وحيوية جداً، على محور طرق تؤدي إلى باب حطة، شارع الواد، ويطل مباشرة على المسجد الأقصى من الناحية الشمالية.
ويقع عقار آل جودة الحسيني، الذي سيطر مستوطنون عليه في البلدة القديمة عقبة درويش رقم ١٠، وكان مسجلاً باسم المواطنة لمياء جودة، وهو عبارة عن ٣ طوابق، مكون من حواصل وطابق سكني ونصف طابق في الطبقة الثالثة، وتبلغ مساحته ما يقارب ٥٠٠ متراً.
وكان يشغل العقار صندوق المرضى الإسرائيلي "كلاليت" لسنوات طويلة، حتى بيع العقار من مالكيه آل جودة الحسيني لخالد العطاري فتم إنهاء عقد صندوق المرضى من قبل صاحب العقار الجديد.
وحصلت وطن على عقد البيع الذي تم بين عائلة جودة الحسيني وخالد العطاري.
خالد العطاري يتهرب من وطن، ويتهمها زوراً وبهتاناً
خالد العطاري والذي ارتبط اسمه متهما بتسريب العقار لصالح جمعيات استيطانية من خلال شرائه للعقار باسم شركة يملكها رفض اجراء أي لقاء صحفي مع وطن ، بل أنه وفي مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي اتهم العطاري من خلاله زوراً وبهتاناً وطن التي واكبت قضية تسريب عقار درويش والتي كانت ايضا قد نقلت عن صحيفة هآرتس الاسرائيلية ان العطاري كان قد باع عقار درويش مقابل مقابل سبعة عشر مليون دولار.
قصة تسريب عقار " عقبة درويش " تعود لعام 2014 !!
لكن قصة عقار عقبة درويش تعود لعام الفين واربعة عشر ، فقد كشفت صحيفة الاخبار اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ السابع والعشرين من شهر ايار عام 2016 ومن خلال تحقيق استقصائي جاء تحت عنوان " فلسطينيون وإماراتيون يبيعون القدس " محاولة شراء فادي السلامين العقار بأكثر من مليوني دولار لصالح شركة " الثريا " الاماراتية ، لكن تدخل السلطة الفلسطينية انذاك بتجميد اموال السلامين افشل الصفقة ، تحقيق الاخبار اللبنانية يقودُنا الى تصريحات نائب الحركة الاسلامية في الداخل كمال الخطيب والتي اكد خلالها ان الامارات تحاول بشتى الوسائل شراء عقارات المقدسييين وتسريبها لصالح جمعيات استيطانية.
وطن تسأل: لماذا العطاري حر طليق؟
عدم افشال السلطة لصفقة العطاري يطرح ايضا علامات استفهام كبيرة لاسيما بعد إفشالها صفقة السلامين ، ولماذا اعطى محافظ القدس السابق عدنان الحسيني الموافقة لعائلة جودة الحسيني على بيعها العقار للعطاري ، هي اسئلة كبيرة بحجم الجريمة المرتكبة والتي اثارت غضبا واسعا في الشارع الفلسطيني.
وطن لم تتوقف واستمرت على مدار اسبوعٍ متواصلٍ من تاريخ كشف الجريمة في متابعة القضية وطرح تساؤلات كبيرة لعل ابرزها لماذا لازال العطاري حرٌ طليق ؟؟
الحكومة تتحرك وتقرر تشكيل لجنة تحقيق، لكننا لازلنا ننتظر النتائج
وبعد نحو أسبوع على كشف الجريمة وما أثير حولها من علامات استفهامٍ، قررت الحكومة تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على حيثيات القضية.
وقد أعلن رئيس الوزراء عن تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على حقيقة وملابسات قضية عقار القدس، ومساءلة الأطراف ذات العلاقة، وذلك بهدف الاطلاع على كافة الوثائق المتعلقة بالموضوع، لضمان الوصول إلى حقيقة ما حدث، وإعلان نتائج التحقيق للجمهور فور انتهاء اللجنة من إنجاز مهمتها وملاحقة المتورطين وتقديمهم للعدالة.
بانتظار اعلان نتائج لجنة التحقيق ، وطن بدأت بالبحث في أوراق العطاري
وفي الوقت الذي ينتظر فيه الفلسطينيون نتائج عمل هذه اللجنة التي لم يصدر عنها لغاية الان أي شيءٍ، ولم نعرف ايضا من هم اعضائها ، كان طاقم وطن يبحث في ملفات العطاري واتهامه في تسريب العقارات والاراضي، اتصالات ولقاءات ومتابعات ميدانية، لتبدأ من هنا قصة جديدة.
خيوط " نكبة التسريب " وصلت بلدة "عطارة"
اتصال هاتفي يرد لبلدية عطارة شمال رام الله يفيد بأن اثنين وخمسين دونم من اراضي القرية ربما سُربت للمستوطنين، وأن ما يسمى بلجنة التنظيم والبناء الاسرائيلية تريد وضع اليد عليها، وهو ما دفع بالبلدية للتوجه لاصحاب الارض للاستفسار عن ذلك.
ويؤكد رئيس بلدية عطارة نصر قدادحة لـ وطن ان البلدية تلقت قبل اشهر قليلة من حادثة تسريب عقار درويش في القدس اتصالا هاتفيا في شهر حزيران العام الجاري من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، جاء فيه ان ما يسمى بلجنة التنظيم والبناء التابعة لبيت ايل وضعت اليد على احدى قطع الاراضي القريبة من مستوطنية "عطيريت" والتي تعود ملكيتها لورثة المرحوم "علي حمدان" وهو من سكان البلدة، والذين اكدوا انهم قاموا ببيعها لأحد المواطنين دون ان يذكر لـ وطن اسم المشتري.
كما أكد قدادحة ان البلدية واهالي البلدة ملتزمين الصمت في ظل الانباء التي تتردد في البلدة بأن الارض المذكورة قد تم تسريبها لصالح المستوطنين ، مشيراً في الوقت ذاته الى حالة من الخوف تسود اوساط الاهالي في القرية من قضية التسريب.
وفي ذات السياق اكد قدادحة أن مساحة بلدة عطارة بلغت عشرة الاف دونمٍ، ما يقارب الالفي دونم ذهبت لصالح مدينة روابي وان مئتي دونم قد تم مصادرتها لصالح مستوطنية "عطيريت" الجاثمة على ارض البلدة وايضا اراضي بلدة ام صفا شمال رام الله.
وطن مستمرة في البحث، وبالوثائق أسماء جديدة تظهر في ساحة القضية
وبعد البحث والتحري تبين ان احد ورثة اصحاب الارض قام ببيعها والتي تقدّر مساحتها بمئتي دونم لخالد العطاري واخيه وليد، الذي يعيش خارج فلسطين حاليا، وذلك من خلال تزوير اوراق حصر الارث عام 1993، اثنان وخمسون دونما من المئتي دونمٍ تعود ملكيتها لخالد العطاري وتثار شبهات حولها بأنها سربت لصالح مستوطنة عطيرت الجاثمة على ارض البلدة.
لم يقف الامر هنا، وبعد ان قمنا بجمع الوثائق والاوراق وبعد عدة زيارات لبلدة عطارة وخلالها التقينا بشاكر محمد حسين، وهو اسم ورد لنا بأنه متهمٌ مع خالد العطاري في قضية الارض ذاتها، لكن شاكر نفى التهمة وأكد أنه وكيل لمجموعة من الورثة اصحاب الارض المبيوعة لخالد العطاري، والذين منحوه الوكالة عنهم من أجل استرداد أرضهم بحجة تزوير أوراق حصر الارث والبيع.
ويؤكد شاكر محمد حسين لـ وطن ان ورثة المرحوم "علي حمدان" ويعيشون حاليا في الارض قد ابلغوه تخوفهم من تسريب قطعة ارض تعود لملكية العائلة في حوض رقم " 12 " بالبلدة والواقعة على طريق قرية ام صفا، وهي قريبة من مستوطنة "عطيريت" ، مشيرا في الوقت ذاته بأنه قام بالتوجه مباشرة الى جهاز الامن الوقائي وابلاغه بذلك مصطحبا معه كافة الاوراق والوثائق من اجل متابعة القضية، مؤكدا ان هذه الواقعة كانت في منتصف عام 2014.
ويؤكد شاكر انه قد تم توكيله من قبل ورثة الارض المذكورة من اجل استردادها ، وهو بدوره قام بتوكيل المحامي "محمد الهريني" برفع دعوة في محكمة بداية رام الله عام 2014 من اجل الحجز على الارض بحجة انه تم بيعها بشكلٍ غير قانوني، وذلك من خلال تزوير اوراق حصر الارث المتعلقة باصحابها، وبالفعل استطاع المحامي الهريني ان يحصل على قرار من المحكمة بالحجز على الارض المذكورة وعدم التصرف فيها.
ويكشف شاكر لـ وطن للأنباء انه مؤخرا تم ابلاغ البلدية بأن لجنة التنظيم والبناء في بيت ايل تريد وضع اليد على الارض المذكورة، حيث قام مباشرة رئيس البلدية بالتوجه لصاحب الارض وهو "جميل حمدان" والذي ابلغ رئيس البلدية بأنه قام ببيعها لخالد العطاري، ويؤكد ايضا شاكر ان خالد العطاري اجرى اتصالاً برئيس البلدية يؤكد لها بأن شاكر هو من اشترى الارض وهو الامر الذي نفاه شاكر لـ وطن.
كما يؤكد شاكر ان اوراق الارض "الكوشان" موجودة حاليا في بيت ايل وباسم خالد العطاري، وقد أُشير للكوشان بأنه تم فك الحجز عن الارض لصالح خالد العطاري، ولكن فك الحجز كان فقط على مساحة 52 دونما والمملوكة باسم "خالد العطاري" من اصل 200 دونم ، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة عن دور العطاري في هذه القضية .
فك الحجز عن الارض دون قرار قضائي، يطرح علامات استفهامٍ كبيرة
فك الحجز عن الارض دون قرار قضائي يطرح علامات استفهامٍ كبيرة، هل سُربت الارض فعلا للمستوطنين ام انها في طريق التسريب ، اسئلة دفعتنا للتوجه الى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التي يقع على عاتقها متابعة هكذا قضايا.
هيئة مقاومة الجدار : نتابع القضية في عطارة، وافشلنا تسريب 70 الف دونم خلال السنوات الثلاث الماضية في الضفة الغربية
ورداً على سؤال وطن اذا ما كانت هيئة مقاومة الجدار لديها اية معلومات عن قضية تسريب الارض في بلدة عطارة وهل خالد العطاري متورطٌ فيها، أكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف لـ وطن ان الهيئة تتابع قضايا يشوبها شبهات تسريب في بلدة عطارة، لكن الهيئة لا تفصح عن اي بيانات وان القضية قيد المتابعة.
كما أكد عساف ان القضاء الفلسطيني هو صاحب كلمة الفصل، فدور الهيئة هو تقديم الادلة والمعلومات والبيانات والقضاء هو من يقرر ان كانت هناك عملية تسريب وادانة او غير ذلك، مشيرا في الوقت ذاته ان محاميي الهيئة يتابعون الموضوع في بلدة عطارة، وان الامر سيبقى قيد الكتمان حتى اتضاح الصورة وكشف كل الخيوط.
كما أكد ان هيئة مقاومة الجدار والاستيطان استطاعت خلال السنوات الثلاث الماضية افشلت تسريب ما يقارب 70 الف دونم من اراضي المواطنين في الضفة الغربية لصالح الاحتلال ومستوطنيه، وأن 95 % من قضايا التسريب تتم من خلال تزوير الاوراق والوثائق.
وبالعودة الى قضية تسريب الاراضي في بلدة عطارة تواصلنا مع محامية خالد العطاري والتي تتحفظ وطن على ذكر اسمها، حيث أكدت لنا انها انهت عملها كمحامية للعطاري قبل نحو عامٍ رافضة في الوقت ذاته الادلاء باي معلومات تتعلق بتسريب الاراضي.
لنعود هنا في وطن مرة أخرى ونسأل لماذا لازال العطاري حرٌ طليق، ولماذا لم تقم الاجهزة الامنية باستدعائه والتحقيق معه، وهل العطاري وحده من يقف وراء قضية التسريب ام ان ورائه اصحاب نفوذ ،،، اسئلة برسم الاجابة وبحجم الجريمة المرتكبة لكشف المستور !!!
المصدر: وطن للأنباء
https://www.youtube.com/watch?v=8fKky0GZOBg