بالعربي: بدأت قصة هذا التحقيق الصحفي بمعلومات وردت إلى وحدة الصحافة الاستقصائية في "وطن"، تفيد بترويج وبيع حبوب تنحيف خطرة ومحظورة، في أسواقنا المحلية، فقررنا التأكد من هذه المعلومات، وأرسلنا فتاة لشراء تلك الحبوب من صيدلية في منطقة مصنفة "أ"، أي خاضعة لرقابة السلطة الوطنية الفلسطينية.
وعندما عادت الفتاة المتطوعة، قالت لـ "وطن": "أخبرت الصيدلي أن موعد زفافي اقترب، وأريد أن أخفض وزني بأية طريقة، فتوجه إلى الرف خلفه، وتناول دواءً مختوماً من وزارة الصحة الفلسطينية، وقال: هذا الدواء غير موثوق، لا أنصحك به، ووضعه جانباً، فسألته: ألا يوجد دواء آخر موثوق لتخفيض الوزن؟ فقال: بلى، وأخرج علبة دواء أخرى باسم تجاري "bodyline sliming"، وقال: هذه سعرها 500 شيقل، ولكن عليها عرض مغرٍ الآن، بسعر 350 شيقلا".
وأضافت الفتاة: الصيدلي أكد لي أن هذا الدواء يخفض الوزن من 5- 6 كيلوغرامات أسبوعيا.
الصحة: body line sliming غير مرخص
وللتأكد من أن هذا المنتج الذي عرضه الصيدلي على المواطنة، مرخص من قبل وزارة الصحة، عدنا إلى موقع الوزارة وأجرينا بحثا عنه ولم نجده في قائمة الادوية الموثقة، ولكننا لم نكتف بذلك، بل تواصلنا عبر البريد الالكتروني مع وزارة الصحة التي أكدت لنا أن هذا المنتج غير مسجل لديها وبالتالي غير مرخص، ويحظر تداوله في الصيدليات.
وحول ذات الحبوب، استقبلت وحدة الصحافة الاستقصائية في "وطن"، عددا من شكاوى المواطنين، إحداها من "غدير" وهي ممرضة في أحد مشافي محافظة رام الله والبيرة، التي قالت إنها تناولت حبوب التنحيف على مدار شهور، ظنا منها أنها ستمنحها جسداً نحيفاً، لكن ذلك لم يتحقق.
تقول غدير لـ "وطن": اشتريت دواء للتنحيف باسم تجاري "extra slim"، واستمررت في تناوله على مدار ستة شهور، كانت النتيجة ممتازة في البداية، وانخفض وزني بدرجة معقولة.
ألم شديد في المعدة
وتضيف غدير: لكنني كنت أعاني جراء تناول تلك الحبوب، فبمجرد أن أتناول هذا الدواء، كنت أشعر بتعب وهزل في كل جسدي، وتحدث لدي عدة أعراض: صداع فظيع لا يمكن تحمله، وقلة نوم، وعصبية كبيرة جدّاً.
والأمر لم يقف عند هذا الحد، فبعد تناول غدير الحبوب بأيام، بدأت تعاني من ألم شديد في معدتها. تقول غدير: الوجع صار يحدث وأنا آخد في الأدوية، والسبب أنني كنت أتناول الحبة على الريق حسب تعليمات الصيدلي.
وأضافت غدير: كنت أتناول الحبة، وبعد ساعة أو ساعتين يحدث وجع بالمعدة، وعندما أوقفت الدواء تماما، صار وجع معدتي أكبر.
مواطنة أخرى من محافظة رام الله والبيرة، رفضت الكشف عن هويتها تقدمت بشكوى لدى وطن، تفيد فيها باستخدامها حبوب تنحيف من نوع "سفن سليم"، ما تسبب لها بمشكلات صحية عديدة، وبالإضافة إلى ما سبق، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تعج بتذمرات وشكاوى المواطنين الذين استخدموا هذه المنتجات.
وبالعودة إلى موقع وزارة الصحة، فقد وجدنا أن كل هذه العقاقير المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، محظورة رسميّا من قبل الوزارة، وكذلك وفقا لتعليمات منظمة الصحة العالمية، وهنا أسماء المستحضرات الدوائية المسموح تداولها في السوق المحلية:
- سليم كير
- اورلي سليم
- اورلكس
ولكن، لماذا حظرت وزارة الصحة غالبية حبوب التنحيف من الأسواق وحذرت المواطنين من تناولها؟
مدير دائرة التغذية في وزارة الصحة موسى حلايقة، أوضح لـ "وطن" السبب، فقال: التنبيه الصادر عن وزارة الصحة يعني أن أي مادة دوائية غير مسجلة لدى وزارة الصحة ضمن متطلبات وشروط وزارة الصحة، حتى لو كانت صحية، فهي ممنوعة ويجب مصادرتها، حسب قانون الصحة العامة".
وأشار حلايقة إلى أن ما يروج من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بالعادة لا يكون مسجلا، والكثير من التحذيرات صدرت عن وزارة الصحة بهذا الخصوص، عن بعض منتجات التنحيف، التي لاقت رواجاً كبيراً من خلال البيع الالكتروني؛ فيها مشاكل كثيرة وفيها بعض المواد الصيدلانية او المادة الفعالة غير المسموح فيها محليا وعالميا لمشاكلها وأضرارها.
خلل في هرمونات الجسم
وللوقوف على رأي المختصين في حبوب التنحيف، قالت أخصائية التغذية في مركز "نيوتري هيلث"، إيمان خليل: "الناس يلجأون عادة إلى حبوب التنحيف لحاجتهم إلى تخفيض الوزن بسرعة كبيرة، ولكن استخدام هذه الحبوب يسبب خللا في هرمونات الجسم، الذي من شأنه أن يؤثر على صحة الكلى اذا كانت الحبوب تحتوي على مادة فعالة قوية".
وبما أن الإدارة العامة للصيدلة في وزارة الصحة هي المسؤول المباشر عن قطاع الصيدليات، توجهت وكالة "وطن" لها لمعرفة دورها الرقابي على هذا القطاع، تحديدا فيما يتعلق بحبوب التنحيف.
الوزارة: حذرنا مرارا
تقول مديرة الإدارة العامة للصيدلة في وزارة الصحة، رانيا شاهين، إن الوزارة حذرت مرارا وتكرارا الجمهور من تداول مستحضرات غير مسجلة لدى وزارة الصحة.
وأضافت شاهين: "وزارة الصحة تدقق على الصيدليات والمستودعات وعلى المصانع، أن تكون دائماً ملتزمة بالتعليمات والشروط، وأي دواء عند تسجيله يتم فحصه في المختبر، وأي شكوى ترد الوزارة أيضا على أي منتج يتم فحصه".
وحول وجود مخالفات في الصيدليات فيما يتعلق بهذا الموضوع، ردت شاهين: "لا ننكر أن هناك مخالفات، ولكن دائما هناك جلسات لمجلس التأديب التابع نقابة الصيادلة الذي يصدر قرارات بخصوص المخالفين، والمخالفات دائماً يتم تحويلها لمجلس التأديب، والمخالفون تتم معاقبتهم".
وبالرجوع إلى عدد الشكاوى التي وصلت الوزارة حول حبوب التنحيف، خلال السنوات الماضية، وجدنا أن 22 شكوى هو مجموع ما وصل، ثلاث منها فقط تم تحويلها إلى القضاء، ولم يتم البت فيها بالمطلق.
النقابة: وزارة الصحة هي المسؤولة
وحاولنا في "وطن" الاتصال عشرات المرات بنقيب الصيادلة، أيمن خماش، لمنحه حق الدفاع عن موقف النقابة وعن زملائه، ولكنه رفض التعقيب على الموضوع رفضاً قاطعاً، مشككاً في مهنية "وطن"، ومبررا أن نقابة الصيادلة لديها قرار مجلس نقابة بعدم التعامل قطعيّاً مع تلفزيون وطن.
وعندما نجح الاتصال الهاتفي معه، قال النقيب حول حبوب التنحيف تحديداً: "أنتم في وطن أجريتم مقابلة مع وزارة الصحة حول هذا الموضوع، والصحة هي الجهة المختصة المسؤولة عن هذا المجال".
وأضاف النقيب خماش: الأدوية الموجودة في الصيدليات للتنحيف هي أدوية رسمية ومرخصة من وزارة الصحة، أما الأدوية الأخرى الموجودة في السوق، فهي غير مرخصة، والمسؤول عن الرقابة على نوعية هذه الأدوية هو وزارة الصحة.
ووفقا لشاهين، فإن وزارة الصحة كانت قد أجرت عام 2011 فحصاً مخبريّاً لمستحضر "سفن سليم" للتنحيف، بعد أن وردت شكوى عليه من إحدى المواطنات، وكان المستحضر يباع في الأسواق على أنه مكون من مواد طبيعية، وتبين فيما بعد أنه يحتوي على مادة كيمياوية تدعى "سيبيوتريمين"، وهي مادة محظورة عالميّاً.
سكتات دماغية ووفيات حول العالم
وأكدت مديرة الإدارة العامة للصيدلة في وزارة الصحة، أن هذه المادة "سيبيوتريمين" لها مخاطر تفوق فوائدها، مثل ارتفاع ضغط الدم الذي سبب سكتات دماغية ووفيات حول العالم، ولهذا السبب تم سحب المادة عالميا لخطورتها.
أما عن فوضى أدوية التنحيف على مواقع التواصل الاجتماعي، وغياب الوزارة تماما عن هذه المواقع، ما يجعل المواطن فريسة سهلة لتجار الأرواح، ردت شاهين بالتأكيد أن "الوزارة ناشدت المواطنين مرارا عدم التعامل مع هذه الصفحات حرصا على سلامتهم"، موضحة أن الوزارة في طور عمل إجراءات لملاحقة الصفحات والمروجين لها، مشيرة إلى أن الأسلم والأضمن دائما لشراء الأدوية هو الصيدليات وليس الصفحات.
كيف تصل الحبوب إلى أيدي المواطنين؟
ولمعرفة طرق التهريب التي تؤدي الى وصول هذا العقاقير غير المرخصة الى أيدي المواطنين، قررت وحدة الصحافة الاستقصائية في "وطن" تتبع خط سير حبوب التنحيف، منذ طلبها على هذه المواقع، إلى أن تصبح بين يدي المواطن، وفي سبيل ذلك، توجهنا الى مكتب التبادل الدولي في مدينة أريحا، وهو المسؤول عن كل ما يستورد إلكترونيّا من الخارج.
مدير عام البريد الفلسطيني، حسين صوافطة، قال إنهم كإدارة لا يعرفون ما مدى الضرر الذي يسببه أي طرد يصلهم، سواء كان يحتوي على حبوب أو غيرها، وأضاف: "لدينا لجنة تفتح الطرود المشكوك فيها، وهناك موظف وزارة الصحة ضمن أعضاء هذه اللجنة، وهو من يقرر إذا كان هذا الطرد مسموحاً دخوله إلى البلد أم لا".
لا أجهزة لفحص الطرود
اللافت أن مكتب التبادل الدولي، لا يملك حتى اليوم أجهزة من أجل فحص الطرود بشكل دقيق، بالتالي فإن الرقابة على ما يستورد بدائية جدّاً وتقتصر على الفحص اليدوي للطرد "المشكوك في محتوياته".
بدوره، قال مدير مكتب التبادل الدولي الفلسطيني، نضال غزاوي لـ "وطن"، إن الطرد المشكوك فيه يتم استدعاء صاحبه وفتح الطرد وفحصه، وإذا ما احتوى هذا الطرد على مستحضرات طبية، يتم استدعاء موظف الصحة من أجل أخذ القرار بشأن السماح بدخوله إلى الأراضي الفلسطينية أو منع دخوله.
من جهته، قال مدير الصيدلة في مديرية صحة أريحا، محمود أبو خليل، إن معظم هذه الحبوب يتم تهريبها من الداخل المحتل ومن خارج البلاد، عبر شبكة من التجار، ولا يوجد تصنيع لهذه الحبوب داخل مناطق السلطة بتاتا.
وأشار أبو خليل إلى أن السيطرة الفلسطينية على السوق المحلية غير مكتملة، فهناك الجانب الاسرائيلي على الجسر الذي لا توجد سيطرة عليه، وهناك المناطق المصنفة "جيم"، التابعة للسيطرة الاسرائيلية والتي تكون متاخمة لمناطقنا، ومن السهل التنقل ونقل البضائع في هذه المناطق.
شبكة من التجار
في ظل كل ما سبق، فإن الحقيقة الأكثر وضوحا حتى الآن هي وجود شبكة من التجار يهربون هذه الحبوب من الخارج الى الداخل، وبين المدن والقرى الفلسطينية، سعيا وراء الكسب المادي، دون اي اكتراث بصحة وحياة المواطنين، ويساعدهم في ذلك ضعف الرقابة على الاسواق من قبل الجهات المختصة.
ثالوث يشترك في استمرار خطر عقاقير التنحيف غير الموثقة: جهل المواطنين، وهشاشة الرقابة الحكومية، وشبكة تهريب تجد طريقها للسوق الفلسطينية فتجني الأرباح وتهدد الأرواح. وهذا واقع يستدعي من السلطة الوطنية وضع سياسة حاسمة تنهي كل ما من شأنه التلاعب بأجساد المواطنين وأرواحهم.
تم إنتاج هذا التحقيق ضمن مشروع الصحافة الاستقصائية، بالشراكة بين مركز تطوير الإعلام – جامعة بيرزيت، والبيت الدنماركي في فلسطين، ومؤسسة الدعم الدولي للإعلام "IMS".