دردشة في الإنتخابات النيابية اللبنانية

بالعربي-كتبت- ثريا عاصي:

طائفياً، كيدياً، قبلياً، عصبياً... بهذه المعايير توزن المواقف السياسية في لبنان. وهي طبعاً معايير لا علاقة لها بالدِين إلا من بعيد.
إنتخابياً تبدو الصورة بالمعيار الطائفي:

أولاً- طائفة المقاومة ضد المستعمرين "الاسرائيليين" ودفاعاً عن العروبة في لبنان وسورية وفلسطين.

ثانياً- طائفة الولايات المتحدة الاميركية بأقنعة مختلفة... الهدف منها الإغواء والاغراء والاستجحاش من اجل ابعاد بعد الفئات عن المقاومة التي هي في الواقع بحاجة ماسة لهم ثالثاً - هناك طائفة السعوديين وهؤلاء مثل طائفة الأميركيين ولكن من دون قناع والهدف من عملهم استفزاز المقاومة للحط من مستوى الصراع... يعني نزع الصفة الوطنية عنه وإظهاره كما لو انه صراع مذهبي او عرقي! بالمناسبة الولايات المتحدة الاميركية تعدل الوهابية كما تفيد بعض المصادر الأميركية.
مجمل القول ان الانتخابات في لبنان غايتها إضعاف المقاومة والتمهيد للحرب ضدها... الخيارات أن تكون على خط محمد بن سلمان السعودي أو متواطئاً مع الاميركي على ذبح الناس في بلادك... أو ان تقاوم او تدعم المقاومين او ان تكفيهم شرّك... وهذا اضعف الإيمان!

ان الواقع في لبنان مرير والمشروع الوطني غير موجود، او انه في مأزق خانق.. لا أمل في الخلاص منه.. الامل الضعيف يكمن في صياغة مشروع وطني جديد.. جميع مؤسسات الدولة هي شكلياً منتهكة من الذين يمسكون بالسلطة ويعتبرونها بقرة حلوب... الادارة فاسدة هذا أمر معروف...

ينبني عليه ان جميع الذين يشجعون على الأحلام هم مشبهون، يريدون استخدام اللبنانيين وقوداً لحرب دائرة او لحرب يعدون لها... اما اللبنانيون الذين يهذون بالحرية والديمقراطية والإصلاح.. فهولاء هم اما سذج واما عمي... واما انتهازيون...

لم يبق الا المقاومة... مقاومة النفوذ الاميركي والغربي... مقاومة أداته الخليجية والسعودية بوجه خاص... حتى لا يسقط كل شيء ولا يذبح امراء الحرب البقرة!
يلاحظ المرء المعني بما يجري في لبنان بمناسبة الانتخابات النيابية انه تشكلت بقدرة قادر ومن وراء الستار لوائح انتخابية تدعي في ظاهر الامر انها ضد السلطة، ولكنها في الحقيقة شكلت من اجل دعم السلطة الحالية بفسادها ورائحتها الكريهة...

هذه اللوائح هي في جوهرها ضد المقاومة.. وهؤلاء يتمنون ان ينتصروا ليس على السلطة ولكن على المقاومة... اما كيف يدعم السلطة الحالية فيكون عن طريق إغواء واغراء واستجحاش البسطاء الذين من المفترض ان يدلوا بأصواتهم لصالح المقاومة الاسلامية والمقاومة الوطنية، فيقترعون ضد رائحة وضد الفساد وضد كلن !... هكذا يأملون بان يقل عدد النواب الذين يؤيدون المقاومة الى حد يصير ممكناً تشكيل حكومة لا يكون للمقاومة فيها ممثلون فتلغى عندئذ معادلة المقاومة والشعب من البيان الحكومي، وتبقى الروائح والفساد وتسقط مقولة «كلن يعني كلن» ويسجل هؤلاء نصراً ليس منطقياً ان يقترع الانسان التقدمي المناهض للاستعمار وللرجعية لفريق يعلن العداء للمقاومة... والذين يعلنون العداء للمقاومة هم "اسرائيل" واميركا والسعودية... انها ليست مسألة سياسية او عقائدية.. انها مسألة اخلاقية.

لماذا ظهر في لبنان هؤلاء؟ لماذا ظهر شعار « ضد لوائح السُلطة»؟ 1ـ هؤلاء هدفهم منه تحويل أصوات فئة من الناس الذين يحلمون بدولة مستقلة آمنة الى أصوات غير سياسية... الى خارج الموضوع السياسي والوجودي الذي يفرض نفسه منطقياً على جميع الذين يسكنون في لبنان على الارجح ان هذا الحرب هو من نوع الحركات التي ظهرت في البلدان العربية التي دمرتها «الثورات» الأخيرة وخربت دولتها... علماً ان هذه الحركات أدت دوراً ثم تلاشت واختفت... وانا أتوقع ان يتلاشى هؤلاء ويختفي ولن أفاجأ شخصياً اذا علمت ان الذين نشطوا تحت هذه الاسماء انما توكلوا بذلك مقابل أجر.

2- شعار «ضد لوائح السُلطة» هو شعار غير صحيح... ففي لبنان لا توجد سلطة ولكن هناك سلطات.. وهناك دولة شكلية وكيلة.. هذا الشكل له وجود معنوي دولي استخدم مثلاً في قضية السيد سعد الحريري عندما احتجزه السعوديون... ومن المعروف للقاصي والداني ان هذا الشكل تحتاجه حركة المقاومة لإثبات انها تدافع عن بلاد يتهددها المستعمرون "الاسرائيليون"...

هذا وصف للواقع، المقاومة تحتاج الى وطن حتى تكون وطنية... والدولة بطاقة تدل على وجود وطن. المقاومة لا تُمارس في رأي اي دور سياسي او ربما يكون أداءها السياسي شبيه باداء شركاء السلطة. ولكن ما يهمنا هو الأداء المقاوم وهذا ما يبرر العمل معها والى جانبها وتأييد مرشحيها والتحالف معها انتخابياً.... حيث يمكن ذلك وحيث تستطيع هذه المقاومة التحالف مع قوى تقدمية وواعية...

وهنا يلزم التوضيح ان المشروع الوطني في لبنان ظهر انه فاشل سنة 1958، بعد الانتخابات النيابية في سنة 1957... وفشل نهائياً في سنة 1975.

إذا تجري الانتخابات في دولة غير موجودة، او قل في وكالة نيابة عن جهات أجنبية.. وكنا أشرنا بداية الى طائفة السعوديين والخليجيين والى طائفة اميركا وحلفائها في أوروبا والى طائفة المقاومة... الأميركيون والسعوديون هم في مواجهة مع المقاومة قلنا ان السلطة في لبنان هي اميركية سعودية وانها تخوض الانتخابات ضد المقاومة بواسطة لوائح «السلطة» مباشرة وغير مباشرة وبواسطة لوائح هؤلاء.

- قلنا ان المقاومة لا تُمارس السياسة في لبنان في اطار السلطة ولكنها تفرض نفسها على السلطة لاجبار هذه الاخيرة شكلياً على تبني المقاومة ومنعها من التطبيع مع المستعمر.. ومن استجلاب قوى اجنبية الى لبنان من اجل تصفية المقاومة.. يتم ذلك نتيجة لميزان قوى يحاول اعداء المقاومة تبديله لكافة الوسائل ومنها الانتخابات النيابية.
- المقاومة لا تُمارس السياسة، ولا تمتلك قدرات وبصيرة على ذلك ولكنها تقرأ جيداً البوصلة... واستخلصت ان المشروع الاميركي يهدف إلى تدمير لبنان وفلسطين وسورية والعراق وايران وصولاً الى روسيا والصين.. لذا انخرطت في حرب دفاعية بناء على ان مصيرنا في لبنان مرتبط بسوريا والعراق.. وان الدولة اذا قامت لنا دولة ستكون على مساحة ساحة المواجهة اي من سواحل المتوسط حتى ضفاف الخليج... هذا هو الوطن وإلا الإنقراض...

الروائح باقية والفساد باق ووكلاء السعودية واميركا باقون حتى هزيمة التحالف الأميركي "الإسرائيلي" السعودي على يد مقاومتين : مقاومة عسكرية ومقاومة فكرية سياسية!!