لماذا رفض ترامب توصية وزيري الدفاع والخارجية ازاء نقل السفارة ؟

بالعربي: نشرت مجلة "واشنطن ريبورت اون ميدل ايست افيرز" تقريرا بعنوان "خمس وجهات نظر معارضة لسياسة ترمب بخصوص القدس". كانت وجهات النظر تحليلية وتبريرية في طبيعتها، فهي تبرر معارضتها لقرار اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.

نقدم فيما يأتي ترجمة لوجهة نظر الكاتب "مارك بيري"، حيث نشر مقال معارضته للقرار الترمبي تحت عنوان "تيلرسون وماتيس حذرا ترمب من نقل السفارة". يعتبر مارك بيري من المحللين المعروفين للسياسة الخارجية الامريكية، وهو مؤلف كتاب "حروب البنتاغون".

يعتبر إعلان دونالد ترمب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، بمثابة القرار الأمريكي الأكثر توقعا، من الرئاسة الامريكية الأقل توقعا على الاطلاق (أي الرئاسة التي لا يمكن التنبؤ بما يصدر عنها).  وكان ترمب قد عرض وعده هذا بخصوص القدس قبل وقت طويل، وتحديدا في شهر آذار من العام 2016، خلال خطاب القاه امام لجنة الشؤون العامة الأمريكية "الإسرائيلية" (ايباك)، حيث كانت تلك محاولة واضحة منه لإقناع القادة اليهود المتشككين بدعمه لدولة الاحتلال.

ولكن من المهم العلم ان ترمب لم يكن وحده عازما على الوفاء بوعد حملته. فالمخطط حول القدس كان على جدول اعماله، واعمال حملته منذ اليوم الأول لتولي منصبه. فقد تم تنسيقه مع نتنياهو مباشرة. كما تلقى دعما كبيرا من الأصوات المؤثرة في الإدارة الامريكية- بمن فيهم نائبه مارك بينس، وصهره جاريد كوشنر، ومبعوثه الى الشرق الأوسط ومحاميه السابق جيسون غرينبلات، ومايك بومبيو، مدير ال (سي اي ايه).

وقد سبق قرار ترمب لقاء ومحادثات حاسمة جرت خلال شهر 11/2017، وكان الامر يسير بشكل جيد، حيث كان على وشك اعلان قراره خلال ذلك الشهر. ونقل عن ترمب قوله ان ضابطا كبيرا في البنتاغون، كان على علم بالاجتماع قبل بدايته، تحدث الى ترمب مصرا عليه ان يحافظ على تعهده الذي قطعه على نفسه خلال الحملة. غير انه تلقى في ذات الوقت تحذيرات جدية من وزير الدفاع، جيمس ماتيس، ومن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون كي لا يتخذ القرار. وقال المسؤولان لترمب مباشرة ان من شان هذه الخطوة ان تعرض حياة الدبلوماسيين الامريكيين العاملين في المنطقة للخطر، وان تقوض جهود الإدارة الامريكية باتجاه احياء عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية المتعثرة اصلا، وأنها ستؤدي بلا شك الى تلقي ادانات من أوروبا، والدول العربية، بمن فيها حلفاء أمريكا.

وتابع الوزيران نصحهما لترمب بعدم اتخاذ الخطوة، محذرين من ان عليه الا يتوقع أي دعم في أوساط المجتمع الدولي، وان الولايات المتحدة ستذهب الى هذا الموضوع وتبعاته وحيدة.

ويعترف ترمب بانه تلقى الكثير من التحذيرات، وخصوصا خلال الساعات الأخيرة قبل الإعلان. لكنه ووفق مسؤول كبير في البنتاغون، ورغم ان التحذيرات كانت جدية جدا، الا ان ترمب لم يعتبرها "ساخنة". ولكن، وفي نهاية المناقشات، قال ترمب انه سوف يمضي قدما في قراره بالرغم من كل التحذيرات والصعوبات التي قد تنتتج عنها. غير انه أعرب عن مخاوفه من التهديدات المحتملة التي قد تطال الدبلوماسيين الأمريكيين. وقال مضيفا انه سيعمل على تخفيف تلك التهديدات من خلا تكرار التأكيدات الامريكية بان الولايات المتحدة ما تزال ملتزمة بحل الدولتين. واشار الى ان "الإسرائيليين" لم يطلبوا منه نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس على الفور، وفضل ان يؤخذ الامر بالتدريج، الامر الذي سيضفي المزيد من الاطمئنان.

ورغم ما سبق، فان الإعلان الترمبي بتاريخ 6/12/2017، قد تعرض لعدد من الانتقادات، والكثير من التجريح والتشريح من جوانب عدة. فقد احتوى على عدد من التناقضات الكبيرة، وافتقد الى الحساسية الكافية. من ضمن التناقضات على سبيل المثال، مقولة ان القرار يصب في "المصالح العليا للولايات المتحدة"، وانه سيعزز فعلا افاق حل الدولتين، وانه سيعمل على تنشيط عملية السلام. الا ان كل ما جاء بعد القرار يثبت انا أيا من هذه التقديرات لن ترى النور. هذا على الرغم من ان ترمب قال في قراره "نحن لا نتخذ موقفا حيال اي من قضايا الوضع النهائي، بما في ذلك حدود السيادة الاسرائيلية في القدس، او الحدود المتنازع عليها".

وتابع ترمب "ان هذا الامر يعود الى الاطراف المعنية ذاتها"، مضيفا "ان القرار هو في مصلحة الولايات المتحدة، وفي صالح مساعي السلام بين "اسرائيل" والفلسطينيين".

الا ان الواقع يبين انه من غير المحتمل أن تخفف كلمات وادعاءات ترمب هذه من المخاوف العربية، رغم انها قد تكون مخاوف مشكوك فيها، فالكل في العالم العربي والإسلامي يدركون ان الولايات المتحدة ما تزال بمثابة "المحامي عن اسرائيل". بل انها أصبحت الان سمسارا لإسرائيل. غير انه لا يبدو ان هذه التسميات تزعج ترمب، بل ربما يكون سعيدا بها لأنها في النهاية تقدم شهادة على دعمه المطلق "لإسرائيل".

ومباشرة بعد ان أعلن ترمب قراره وانتهى الامر، وحيث لم يكن هناك مجال للرجعة عنه، فقد بدأ المسؤولون في الإدارة وغيرهم من المقربين منها بالتملق الى هذا الإعلان، واصفين القرار، واستراتيجية ترمب بانها "جميلة"، وفضلا عن ذلك سعى الكثير من المسؤولين في الإدارة الى بيع قرار الرئيس بخصوص القدس وتسويقه، فضلا عن سعيهم الى "تجميله" بكل الطرق الممكنة. فقد قال بعضهم إن إعلان ترامب لا يقوض عملية السلام، وأنها ستسير كما كانت دون تأثر. وقد بلغ التملق حدا ابعد من ذلك، الى الحد الذي قال فيه أحد المسؤولين، ان ترامب كان حريصا بالفعل على الادلاء بإعلانه، لأنه "يدعم التقدم الذي حققه جاريد كوشنير وفريقه في عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية".

اما على الصعيد الأمريكي الداخلي، فقد تميز ترمب بقراره عن الحزب الديمقراطي. فقد أمضى الديمقراطيون السنوات ال (70) الماضية (أي منذ عام 1948) في حالة تأرجح حيال قضايا إسرائيل، وأساليب الدفاع عنها. في حين أن الحزب الجمهوري، وقاعدته من الجمهوريين الإنجيليين المسيحيين، طالما قدموا الدعم الكامل لموضوع نقل السفارة. وجاء ذلك في مرحلة كان الحزب الجمهوري يائسا من وجود طريقة فعالة لاقتحام ما يسمى "احتكار الحزب الديمقراطي للأصوات والمؤسسات اليهودية". ولهذا، يعتبر الجمهوريون إعلان ترامب بانه خروج عن السياق، وكسرا للاحتكار الديمقراطي. وبالتالي فانهم (أي الجمهوريين) يعتبرون أنفسهم "وصلوا الى مبتغاهم". وفي النهاية، يعتبر إعلان ترمب انتصارا هاما وحاسما بالنسبة ل"إسرائيل"، وللحزب الجمهوري، ولليهود الأمريكيين.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: مجلة "واشنطن ريبورت اون ميدل ايست افيرز"