فيلم "قضية 23".. هل هناك دروس مستفادة؟

بالعربي - كتبت ليالي درويش :

خلال شهر واحد اختبر الفنان الفلسطيني كامل الباشا مشاعر بالغة التناقض، ففي التاسع من أيلول الفائت كانت الاحتفالات قائمة بفوزه بجائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية السينمائي الدولي عن دوره في فيلم  "قضية 23"، وكان الفلسطينيون فخورين جدًا بابن بلدهم، أما هذه الأيام  فيتم لوم الباشا وتخوينه ورفض عرض فيلمه ضمن فعاليات مهرجان أيام سينمائية الذي أقيم في رام الله، لأن مخرج الفيلم زياد دويري متهم بالتطبيع مع الاحتلال.

ما بين أوائل أيلول وأواخر تشرين الأول تحول الكثيرون من مشاركة صور الباشا وهو يحمل جائزته، إلى مشاركة منشورات رافضة لعرض الفيلم ومتسائلة عن أخلاقيات العمل مع مخرجه الذي سبق وأن أقام في "تل أبيب" بغرض تصوير فيلم آخر. المهم هنا أن ذات الأشخاص شاركوا مجموعتين من المنشورات الفخورة بالرجل مرة، والمتسائلة عن وطنيته مرة أخرى، حصل ذلك بذات الحماسة و خلال فترة قصيرة جدًا.

مشهد التفاعل العام مع أخبار فيلم "قضية 23"؛ بدءًا بجائزة الباشا وصولاً إلى تطبيع الدويري يبدو ساخرًا بعض الشيء، فالسرعة التي تتغير بها مواقفنا مضحكة بل مخيفة، واندفاعنا نحو الحب مرة والكره مرة أخرى باسم البلاد، يجعلنا نتساءل عن قيمة هذه المشاعر وحقيقتها.

وأمام هذا المشهد أيضًا يأتي سؤال: هل نحن قادرون على أن نبني موقفنا من قضية ما دون الاتكال على رأي الآخرين؟ وكيف نفكر بما يجري حولنا ونفهمه دون أن ننتظر أن يفهمه لنا أحد؟ وهل يمكننا أن نبدأ من نقطة الصفر في بناء آرائنا؟ ودعونا نتخيل أن نقطة الصفر هي المنطقة الخالية من الأصوات والآراء حيث لم يسبق لأحد أن قال رأيه في الموضوع وعليك أن تكون أول من يتحدث عنه.

الأهم من عرض الفيلم أو مقاطعته هو إدارة الجدل المثار حوله. ودون أن يبدو هذا ضوءًا أخضر لتكون بيوتنا ومؤسساتنا منابر لرواية الاحتلال، فإن تخوين الراغبين بعرض الفيلم وتمجيد الرافضين لذلك، يبدو شكلاً بدائيًا للتعامل مع الأزمات، لن يساعد إلا في خلق مزيد من الأزمات وشخصنة القضايا، بينما الأصل فيها أن تظل القضايا الوطنية قضايا عامة، حيث يحافظ هذا على قيمتها ومكانتها عالميًا.

نخوض كثيرًا في نوايا بعضنا في السياسة كما في الدين كما في علاقاتنا الاجتماعية، ونفترض دائمًا أننا نعرف كل شيء، وأننا النسخة السليمة من هذا العالم المشوه، نفعل ذلك بإرادتنا أو رغما عنا، أو ربما بحكم إيماننا المطلق بالأفراد أو المؤسسات الذين وافقنا من خلال الانتماء لهم أنهم هم الذين سيفهموننا ما يجري، ويشرحون لنا كيف علينا أن نبني مواقفنا مما يحدث.

وهنا تبدو مجموعة البيانات التي أصدرتها مؤسسات وشخصيات فلسطينية خلال أزمة فيلم "قضية 23"، مادة مهمة لفهم كيف تُصاغ القرارات، وكيف تلعب المؤسسات دورًا في تحريك الرأي العام، وأيضًا للتساؤل عن كيفية تأثير الانتماء الحزبي والتوجه الفكري للقائمين على هذه المؤسسات على قراراتها؟ وهل من الممكن أن تصبح القضايا الوطنية أداة لتصفية حسابات شخصية؟ والأهم من كل ذلك، هل تساعد مثل هذه الأزمات المواطنين على تعزيز ثقتهم بأنفسهم؛ بأنهم يستطيعون التفكير وإبداء الرأي بعيدًا عما يقوله لهم صناع القرار؟

المصدر: (الترا فلسطين)