فيديو.. "الاخطاء الطبية".. لجان تحقيق دون معايير ونصوص قانونية غائبة

بالعربي: على حين غَرةٍ ودون سابق إنذار لم يعد الطفل امير خضير قادرا على الحركة بعد ان كانت ضحكاته وحركاته تملأ البيت.

الثلاثون من ايار لعام 2016 وحينما كانت عقارب الساعة تشير الى التاسعة صباحا تواجد والد امير في مشفىً خاص بمدينة رام الله ، الاطباء وبعد ان اجروا الفحوصات اللازمة للطفل ابلغوا والده ان امير بات جاهزا لاجراء عملية استئصال " اللوزتين " وان مدة العملية بحدها الاقصى نصفة ساعة.

مرّ الوقت بطيئاً على والد الطفل نصف ساعة ثم ساعة ثم اكثر من ساعة وبعد ان كان يستعد لسماع خبر نجاح العملية بدأ مسلسل آخر سوف لن تنتهِ فصوله ليدخل الطفل امير في غيبوبة ويأتي للوالد الخبر الصادم .

امير ذاك الطفل الشقي كما يصفه والده وابن الثمانية اعوام بات اليوم حبيس سرير المرض بعد ان تعرض دماغٍه لتلفٍ تجاوزت نسبته 80%، بعد توقف جهاز الاكسجين في غرفة العمليات وفقا للتقارير الطبية الخاصة به .

وكانت حادثة امير قد دفعت بوزارة الصحة الى تشكيل لجنة تحقيق طبية مكونة من الوزارة ونقابة الاطباء والنيابة العامة حيث بدأت بعملها مباشرة في حين تم احتجاز الاطباء المتهمين بالاهمال الطبي على ذمة التحقيق .

ورغم اتخاذ نقابة الاطباء قرارا بتوقيف الاطباء المسؤولين عن حالة الطفل امير عن ممارسة مهنة الطب لكن احتجاجات اعضاء النقابة واضرابهم عن العمل أديا الى الافراج عن الاطباء المتهمين مباشرة .

وفيما أوصت لجنة التحقيق التي شُكّلت مباشرة عقب حادثة امير بضرورة محاسبة الطاقم الطبي المشرف على العملية واتهمته بالاهمال الطبي، فإن قضية الطفل امير لاتزال متداولة في المحاكم ولازال المتهمون خارج قضبان الاعتقال بعد اكثر من عام ونصف على وقوعها.

هذه الحادثة دفعتنا للبحث في سجلات الشكاوى في نقابة الاطباء الخاصة بقضايا الاهمال والاخطاء الطبية، محمد فلاح في قرية بروقين في محافظة سلفيت ووفقا لتقرير اللجنة الطبية الخاصة بقضيته ضحية جديدة للاخطاء الطبية، محمد وبعد ان توجه لاحدى المشافي الحكومية في نابلس من اجل اجراء عملية الزائدة الدودية، خرج من المشفى بإعاقة شبه دائمة .

محمد الذي انصفه تقرير اللجنة المُشكّلة في الحادثة وحمّل الاطباء مسؤولية الخطأ الطبي تفاجأ وبعد ان رفع دعوى ضد الاطباء في المحكمة من تغيير نتائج اللجنة من خلال تشكيل لجنة جديدة نسفت في تقريرها الذي حمل الكثير من المغالطات كتاريخ انعقاد هذه اللجنة والذي يظهر انعقادها قبل وقوع حادثة محمد ، نسف هذا التقرير نتائج تقرير اللجنة الاولى المشكّلة في الحادثة ، لتبرأ محكمة الاستئناف بعد ذلك الاطباء المشرفين على حالة محمد.

وزارة الصحة : غياب القانون يعقد عمل لجان التحقيق.

من جانبه، اكد وكيل وزارة الصحة د.اسعد رملاوي ان ملف الاخطاء الطبية معقد جدا بخاصة فيما يتعلق بالقوانين المتعلقة بهذا الملف الى جانب افتقارنا كفلسطينيين لقانون تأمينٍ خاصٍ للاخطاء الطبية الى جانب غياب القوانين الواضحة التي تتعامل بنصوص صريحة بشأن قضايا الاهمال والاخطاء الطبية .

وأشار رملاوي الى ان الوزارة عندما تتحدث عن القانون فهو يساعد القاضي والقضاء بأخذ القرار المناسب الذي يتم أخذه بحق الطبيب او بتعويض المريض، مع الاشارة الى ان الخطأ الطبي يتم تحديده من قبل لجان متخصصة.

واكد رملاوي وجود لجنة شُكّلت من خلال وزير الصحة ولجنة أخرى شُكّلت من خلال رئاسة الوزراء الى جانب رؤساء النقابات ومؤسسات المجتمع المدني لتدارس الوضع القانوني للأخطاء الطبية وتم مراجعة العديد من القوانين المعمول بها في المنطقة والخارج مثل الأردن والدول المجاورة للخروج بمسودة قانون جديد، ومشيرا في السياق ذاته الى انه وبالرغم من عدم وجود قانون خاص بالاخطاء الطبية الا انه يتم العمل وفقا لقانون الصحة العامة لحماية المريض وتحديد أخلاقيات الطب وبناء على ذلك يتم العمل في اللجان المشكلة في الاخطاء الطبية حيث تعمل النيابة العامة من جهة وفقا للقوانين التي تحكم عملها وتعتمد ايضا على عمل لجان التحقيق ونتائجها .

وفيما يتعلق بتشكيل اكثر من لجنة تحقيق بحادثة معينة تتعلق بالخطأ الطبي ، اكد رملاوي حدوث ذلك في اكثر من مناسبة ، فاذا لم تقتنع بنتائج اللجنة الاولى المُشكّلة من النيابة العامة ووزارة الصحة يتم الاستعانة بلجنة اخرى للتحقيق في نفس الحادثة وهي اللجنة العليا وهي لجنة تحتوي على كفاءات علمية عالية ، وفي أكثر من مرة من لم يدان في اللجان الصغرى وهي اللجان الاولى أدين في اللجان الكبرى وهي اللجنة العليا.

نقابة الاطباء: نرفض اعتقال اي طبيب متهم بارتكاب خطأ طبي، وهناك لجان في النقابة مسؤولة عن ذلك

بدوره، اكد المتحدث الرسمي باسم نقابة الاطباء د.محمد الرمحي، وجود قانون لنقابة الأطباء يسمى الدستور الطبي وفيه يوجد فصل كامل يسمى السلطة التأديبية ، هذا الفصل يختص بعمل الطبيب مهنيًا و طبيًا الى جانب وجود لجنة دائمة لمتابعة هذه الأمور وتنعقد شهريا في مجلس النقابة وتتراوح العقوبات التي تفرض على اي طبيب ما بين التنبيه مبدئيا، والتوبيخ والغرامة المالية ، والفصل لمدة معينة أو الفصل الدائم وهناك حرمان من لجان النقابة وهيئاتها وتتنوع العقوبة حسب الإخلال الموجود في هذا القانون.

وقال الرمحي انه في العادة يتقدم المواطن بشكوى لنقابة الأطباء حول ما حدث معه كشبهة الخطأ الطبي أو اعتقاده بوجود خطأ طبي وهذا عادة يتعلق بالعمل في القطاع الخاص ، اما القطاع العام فوزارة الصحة هي التي تنظر في اية حوادث تقع في مراكزها الطبية والشكاوى لديها ، وتطلب الوزارة من نقابة الاطباء تسمية مندوب من النقابة للمشاركة في اللجان التي تشكلها وزارة الصحة ، وبعد ذلك تطلب اللجنة المشكلة في التحقيق بأي خطأ او إهمال طبي من الطبيب المعني التقدم برد خطي حول فحوى الشكوى وتعاود اللجنة الانعقاد مرة اخرى لترى الرد وتنظر في الموضوع من كافة جوانبه .

واشار الرمحي الى ان نقابة الاطباء تلقت خلال عام 2016 سبعين شكوى تتعلق بالاخطاء والاهمال الطبي، كما طالبت وزارة الصحة من نقابة الاطباء تسمية مندوبٍ عن النقابة في 27 لجنة تحقيقٍ تم تشكيلها في ذات العام ، مشيرا في السياق ذاته الى ان النقابة اتخذت عدة قرارات خلال العام المنصرم كان ابرزها ادانة ثلاثة اطباء بقضايا الاخطاء الطبية ومن بينهم تم توقيف طبيب عن ممارسة مهنة الطب ، وفي قضية أخرى تم الحكم على طبيب باعادة مبلغ من المال لمواطن تسبب له بخطأ طبي ودفع غرامة مالية وبالتالي فإن اللجان التي تم تشكيها في قضايا الاخطاء الطبية والاهمال الطبي تتمتع بمصداقية ومهنية .

ولفت المتحدث باسم النقابة الى اصرار نقابة الاطباء حتى اللحظة على رفض اعتقال او احتجاز اي طبيب على خلفية قضايا الاخطاء الطبية إلا بعد وجود قرار قضائي قاطع بحقه غير قابل للطعن أو الإستئناف لان هناك خصوصية لمهنة الطب، "فالطبيب الذي أفنى حياته ليصل إلى هذه المرحلة ورأس ماله هو سمعته وفي حال تم اعتقاله على شبهة خطأ طبي ثم تبين عدم وجود هذا الخطأ من قبل اللجان الفنية بالتالي من سيعوض هذا الطبيب، لذلك نحن نصر على عدم اعتقال الطبيب اعتمادًا على المادة 48 من قانون نقابة الأطباء المعدّل الذي يمنع اعتقال الطبيب إلا بصدور قرار قضائي قاطع بحقه غير قابل للطعن والاستئناف وبعد وجود لجان فنية أثبتت هذا الخطأ الطبي وتكون نقابة الأطباء فيها صفة محورية في هذه اللجان" .

كما اكد الرمحي ان النقابة في العادة تتخذ اجراءات صارمة وواضحة فيما يتعلق بالاخطاء الطبية لكنها تصر على رفض الاعتقال لان هذا الطبيب غير مجرم وهو دخل لاجراء العملية بنية إنقاذ المريض ويود مساعدة المريض، وحدوث مثل هذه الاعتقالات ستؤدي إلى نتائج وخيمة على الجسم الطبي، وسيمتنع الأطباء عن معالجة الحالات الصعبة ، مما سيساهم بارتفاع معدل الوفيات ، "يعني أن المريض الذي يأتي في حالة توقف للقلب سيمتنع الطبيب عن عملية الإنعاش القلبي لأنه سيُتّهم بقتله وسيُزج به في السجن ، لذلك جاءت اتفاقية النقابة مع النيابة العامة بعدم التسرع في اعتقال الأطباء قبل صدور تقارير اللجان الفنية و إعطاء نقابة الأطباء دور محوري فيها".

وطالب الرمحي بضرورة وجود قوانين وبروتوكولات للتقليل من الأخطاء الطبية، وفي حال التعويض عن الخطأ الطبي تصر النقابة على ان التعويض يجب ان يقع على عاتق المؤسسة المشغّلة وليس على الطبيب ، سواء كانت المؤسسة حكومية أو خاصة ومن هنا تنبع اهمية وجود تأمين خاصٍ للاخطاء الطبية والذي نفتقده في فلسطين.
واما فيما يتعلق بتشكيل لجان التحقيق الخاصة بشكاوى الاخطاء الطبية، فقد اكد الرمحي وجود لجنة في النقابة دائمة تتكون من سبع أفراد ورئيس وفي كل دورة للنقابة يتم تحديثها من الأطباء الأكفاء الذين لاتقل سنوات عملهم في مجال الطب عن 10 سنوات .

قانونيون وخبراء : المحاسبة مشكوك فيها .. والمعايير ضبابية

من جانبها، اكدت مديرة وحدة المناصرة والمساءلة الاجتماعية في إئتلاف (أمان) هامة زيدان، اننا كفلسطينيين نفتقد لنظام مسؤولية عن الأخطاء الطبية، فعندما يقع أي خطأ طبي لن تجد مادة قانونية تسائل المُخطئ، ولا يمكن ايضا ان يتم تحديد هل هذا الخطأ بسبب الإهمال او انه خطأ يمكن ان يقع في اي مكان في العالم ، وهل الطبيب مخطأ ام لا ، كل هذه الاشكاليات يصعب التعامل معها في ظل غياب نصوص قانونية واضحة ازاء ذلك.

وتؤكد زيدان ان غياب المنظومة القانونية التي تنظم هذه القضية ادت في كثير من الاحيان الى خلق حالة من "الفزعات" في الشارع الفلسطيني عند وقوع اي خطأ طبي وزعزعة ثقة المواطن في الخدمة الصحية، وعرّضت بعض الأطباء للتهديد كذلك بعض المشافي تعرّض للتخريب ايضا نتيجة لذلك، وبالتالي كان لا بد من من التحرك من قبل مؤسسات المجتمع المدني لتحريك المياه الراكدة في هذا الملف حيث عمل ائتلاف (آمان) على على تقديم مقترح مشروع نظام لمأسسة نظام المساءلة عن الاخطاء الطبية وتضمن العديد من النقاط لعل ابرزها:

• ضرورة مأسسة عمل لجان التحقيق وآلية تشكيلها واجراءات عملها وتحديد تبعيتها وتأهيلها بما يضمن حياديتها وما يضمن ايضا تخصصها وفاعليتها.

• التأكيد على وجوب التأمين الالزامي على الاخطاء الطبية وانشاء صندوق لتعويض المتضررين من الاخطاء الطبية التي لا تنتج عن خطأ او تقصير او اهمال، كضمانة أساسية للتعويض وايضا لرفع الحرج عن لجان التحقيق في تقرير وقوع الخطأ الطبي او عدم وقوعه.

• اعتماد نظام متكامل لتوثيق الأخطاء الطبية لدى الجهات الصحية سواء لدى وزارة الصحة ام لدى نقابة الاطباء، وذلك لأخذ العبر والدروس.


كما اكدت زيدان ان غياب المعايير في أي مجال يؤثر مباشرة على النزاهة ويجعل المواطن في حالة تشكيك، وتشير الى وجود ادعاءات تضارب مصالح في بعض القضايا وكذلك محاباه، وبالتالي من الطبيعي ان يشكك المواطن ويقول: "كيف لي ان أثق بلجنة تريد ان تحقق مع زميلها، من المؤكد ستكون منحازة له بحكم العلاقة"، كذلك بالنسبة للطبيب فعدم وجود معايير واضحة لعمل لجان التحقيق وكذلك قانون واضح للتعامل مع قضية الاخطاء الطبية يثقل كاهله ويعقّد من مهامه، وبالتالي غياب مثل هذه المعايير يدخلنا في حالة تشكيك، لكن عندما يكون هناك نظام يوضح كيفية اختيار الأطباء وكيفية توزيعهم في اللجان وعمل هذه اللجان، هذا الامر يحد من فكرة وجود تضارب مصالح في اية قضية ويرفع من ثقة المواطن وكذلك يرفع من ثقة الطبيب في عمله والنظام الذي يحكمه .

بدوره، اكد المستشار القانوني في مؤسسة (الحق) اشرف ابو الحية، أن مسألة الاخطاء الطبية هي من القضايا الشائكة خصوصا فيما يتعلق بالتفريق ما بين الخطأ الطبي الذي يصل حد الجريمة وما بين الاهمال الطبي الذي يترتب عليه عدم اتباع البروتوكولات ، وهي من المسائل التي اخذت نقاشا وجدلا واسعا ليس فقط فلسطينيا وانما عالميا.

كما واشار ابو الحية الى ان في فلسطين يوجد اشكالية في غياب التشريعات كذلك الامر متعلق بالتأمين عن الاخطاء الطبية وايضا متى يكون الخطأ الطبي جريمة ومتى لا يكون كذلك ، وهذا الفراغ التشريعي لم تتم معالجته حتى الان ففي كل القضايا المتعلقة بالاخطاء الطبية يتم التعامل معها وفقا للاحكام العامة والتي على اساسها يتم تقدير الخطأ.

وطالب ابو الحية بضرورة وجود التشريعات المناسبة لهذه القضية بخاصة، مضيفًا "اننا ايضا كفلسطينيين نفتقر لقاعدة بيانات للاخطاء الطبية وكذلك معايير تشكيل اللجان، اضف الى ذلك نتحدث عن قطاع صحي عام وخاص وما هي صلاحيات وزارة الصحة وما هي الاجراءات التي تتم التعامل معها من قبل الوزارة" .

كما اكد ابو الحية "انه لا توجد ايضا معايير محددة في التعامل مع اي خطأ طبي ، المواطن من الممكن أن يجتهد، وبالتالي من الذي سيقدم الصورة الصحيحة، هل هناك مرجع طبي لذلك، اضافة الى تعيين الاطباء في اللجان بهذا الجانب، مشيرا الى مسألة في غاية الاهمية كم من لجنة تحقيق طبية اصدرت تقريرا وجاءت لجنة ثانية نسفت نتائج تقرير اللجنة الاولى ونتحدث هنا عن حالات تابعتها مؤسسة (الحق) وكيف يمكن التعامل مع هذه المعضلة " .

وفي الوقت الذي تؤكد فيه وزارة الصحة العمل على اعداد مسودة لقانون ينظم قضية الاخطاء الطبية وكل ما يتعلق بهذا الملف من تشكيل لجان التحقيق وتعويض المصابين واقرار تأمين خاص لهذه الحوادث، فإن الباب يبقى مفتوحًا امام الفلسطينيين للاستفادة من تجارب عربية حديثة بهذا الخصوص كالاردن .

والى حين اقرار مسودة قانون الاخطاء الطبية والذي ايضا يحدد شكل ومعايير تشكيل لجان التحقيق ستبقى قضية الاخطاء الطبية مُعضلة يصعب الخروج منها بسهولة ، وسيبقى الطبيب والمريض على حد سواء وقودا لنار قد تشتعل عند اي خطأ طبي جديد ويدفع الكثيرون حياتهم ثمنا لذلك .