في العيد.. هل كان الوطن يوماً على حق؟

بالعربي: كتب- محمود حسنين:

ظن سامر أن بخطواته الكبيرة سيستطيع الهرب من عيني ابنته سوار ذي الـ7 أعوام، فهرول مسرعاً عن الدرج بعد ان سمع الحوار بين طفلته وامها وهي تشكو لها انها لم تشترِ ملابس العيد بعد كصديقتها بيسان، ضاق صدره للحال الذي وصل اليه، فذهب وطرق الكثير من الأبواب حتى وصل الى باب صديقٍ جمعه واياه السجن يوماً، واستدان منه بعض النقود التي سيقضي بها حاجاته فترة العيد، المأساوي في الأمر هو ان صديقه نفسه حاله ليس افضل من سامر، لكن السجن الذي جمعهم على نفس القضية كان كفيلاً ان يجعل صديقه يقتسم الرغيف بالنصف معه.

يقول سامر وانا عائد من السوق بعد أن إشتريت ما يدخل البهجة على قلوب ابنائي تذكرت تلك السنوات الخوالي التي كانت بها المقاهي وصالونات الحلاقة في مخيم الجلزون شمال رام الله عبارة عن تجمعات لجلسات سياسية يدور بها الحديث عن الانتفاضة والقضية الفلسطينية، وكان كل الحاضرين يدلون بدلوهم في قضايا كثيرة،  يشيح سامر بوجهه وينظر الى ما لا نهاية ويسأل بعد هذه السنوات هل كان الوطن على حق في كل ما فعلناه له، هل هذا هو الوطن الجائع للحرية والذي بدوره يهين أبطاله او بالأحرى من أحرقوا زهرة شبابهم في سبيله؟.
ويضيف لقد سقطت مبادئ كثيرة في زمنٍ وصلت له القضية الى منحدر مخيف جداً، ورغم ذلك لا نجد تلك اللوعة والحرقة على هذا الوطن!، يبدو ان الاقتصاد كما قال الامريكان قديماً هو عصب السياسة فطالما ان الاقتصاد قوياً تكون السياسة قوية والشيء بالشيء يذكر ففي الاراضي المحتلة لا عصب للاقتصاد ولا جذع للسياسة خاصة في هذه السنوات، وتحديداً بعد ان قامت الدول المانحة باغراق شريحة فلسطينية متنفذة بالأموال وظل غالبية الشعب يغرق في فقره وبؤسه.
ثم ياتي العيد ليزيد من نقمة العيش والنكد على عوائل الاسرى والشهداء والجرحى والشريحة الفقيرة والمسحوقة، فكيف ستتماشى هذه العائلات مع (البريستيج) الجديد الذي أطل برأسه وجسده على الشعب الفلسطيني، فالملابس اصبحت ماركات، والاكل والحلويات من أفخم المطاعم العالمية التي فتحت فروعاً لها في الاراضي المحتلة، وقصات الشعر أيضاً دخلت حيز التنفيذ في البشاعة والقذارة، وكل شيء في هذا الوطن يوازي الغرب في التقليد فيما يظل الرجال الرجال الذين ضحوا في سبيل الوطن منسييّن وكراماتهم مغيبة.
وكما قال غسان كنفاني في روايته عائد الى حيفا: أتعرفين ما هو الوطن يا صفية ؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله.
اذن ما فائدة الوطن والرجال فيه تهان؟، الوطن يا عزيزي ان نحفظ مقامات الرجال وتضحياته، وان نجعلهم شعارنا، يجب علينا ان نعيد تأهيل وطنيتنا وحريتنا وصيانة أفكارنا ومبادئنا، فالمشكلة ليست بما حصلنا عليه من العالم ، ولا بنسبة التضامن، لكن المسألة تتعلق بالحقيقة المرّة التي نخشى ان نكشفها او نعلنها، نحن بحاجة الى تأهيل وطني وأولها ان نعيد الأمجاد لأصحابها الحقيقيين.