العيد للمسعد واحنا متعوسين

بالعربي-كتب-محمود حسنين:

اليوم يودع المسلمون شهر رمضان مستقبلين العيد الذي لا ينتظره الا عدد قليل منهم، فقد أنفق اصحاب الكروش المتخمة أموالهم على ما لذ وطاب من الطعام، متناسين الحكمة الاساسية من الصوم وهي الشعور بما يشعره الفقراء طيلة ايام السنة.

سأكون صريحاً معكم واخبركم كيف يستعد المسلمون في وطني للعيد، وأخص بالذكر الشريحة الاكبر من المجتمع، ففي البداية لم يعد للعيد فرحة منذ اعوام مضت، الحال يزداد سوءا في كل مكان، في كل عام يصوم مليار ونصف المليار عن الطعام من اجل انتظار فرحة في النهاية، ولكن اصبح الامر مختلفاً في هذه الايام.

ملأت جوفي بكل الامل عسى ان يكون هذا العيد افضل، ولكن من ينظر حوله بواقعية يجد الناس جميعهم في الاسواق ولكن غاب المشترون.

بالامس امتلأت عيون صديق مقرب لي بالدموع، حاول حبس دموعه امامي لكنه لم يستطيع والسبب في ذلك أنه لا يستطيع ان يشتري بعض الثياب لابنائه الثلاثة، انهارت الدموع حسرة لانه لم يستطع ان يدخل الفرحة على قلوب ابنائه بهذا العيد، قال منذ 6 اعوام لم يذق طعما للعيد ويتمنى ان ينام طيلة ذلك اليوم ليمضي سريعا دون ان يعلم ما حصل، هل هذه هي الفرحة التي ننتظرها! ان يبكي الرجال قهرا على الحال الذي وصلنا اليه، اقسم لي هذا الرجل انه يعود متأخرا في الليل الى بيته حتى لا يسمع الاسطوانة التي تتكرر منذ شهر وهي "بابا وينتا بدك تشتريلنا أواعي للعيد"، نعم نحن الان في زمن يعود فيه الرجال الى بيوتهم متأخرين حتى ينام اطفالهم ولا يسمعون ذات الاسطوانة.

ومن اشد القصص ألماً حين يقول لي رجل آخر انه يذهب الى احد الاسواق التي تبيع الملابس المستعملة ثم يقوم بغسلها جيداً ووضعها في اكياس جديدة ليوهم ابناءه انه اشترى لهم ثيابا جديدة، هل هذه ايضاً هي الفرحة التي ينتظرها الجميع؟ هل تعلمون ان هناك الكثير من الناس يشترون "لوازم" العيد من ضيافة ومأكولات (ديناً) حتى لا يشعر ابناءهم بالحرج مما سيشاهدوه حين يذهبون لمعايدة بعضهم البعض! هل اصبح العيد فرحة ام ثقلاً كبيراً على عاتق رب الاسرة.

المار من اسواق رام الله ولكونها العاصمة السياسية وثقل الحركة يجد ان الناس قد ملؤوا الشوارع وسدوا الطرقات، وهم ينظرون الى الملابس الجديدة على الرفوف، ويستمتعون فقط بالنظر الى "البترينة" التي تحتوي اجمل الاحذية ولكنهم لا يشترون، اصبحوا يحاولون ان يعتادوا النظر الى كل شيء ويتمنونه فقط، حتى ان المرأة اصبحت تخشى على كرامة عائلتها فلا تدخل المحل التجاري وتسأل عن سعر قطعة ملابس او اي شيء أخر، حتى لا تكسر قلب زوجها حين تعود وتحدثه عما رأت، تكتفي بالمشاهدة العابرة فقط والحسرة تعتصرها حين يشدها طفلها الصغير من طرف ثوبها لتشتري له شيئا يسعده.

هذا العيد جاء ليعرينا مما نحمله من شعارات الوحدة المجتمعية ومعايدة الفقراء ونتستر بها، ليعلن ان الأعياد القادمة أشد قسوة وأشد قهرا على العرب، فعدد الاجئيين في الدول العربية بازدياد، وشلال الدم لا يزال ينزف ويجر وراءه الكثير من دول لا علاقة لها بالحرب، وشبح الموت يخيم على ما سيأتي، وكان حال العرب يقول العيد للمسعد واحنا متعوسين.