بالعربي- وفاء عاروري: يبدو الامر طبيعيا للوهلة الأولى، ولكنه مخالف تماما للقانون، في أسواق مدينة رام الله، منتجات من الملابس والاحذية، تخلو من اية وسيلة لاشهار اسعارها، رصدنا صاحب محل تجاري يبيع السلع ولا يسجلها، وفي محل آخر مواطنون يشترون المنتجات ولا يحصلون على فواتير فيها.
مخالفات قانونية عدة رصدتها كاميرا وطن في قطاع الملابس والاحذية وغيرها ، تحدث بشكل يومي لا يعرف المواطن ابعادها الاقتصادية عليه من ناحية وعلى الاقتصاد الفلسطيني من ناحية أخرى، فقررنا تسليط الضوء عليها والكشف عن مخاطرها في هذا التحقيق.
المواطن يجهل حقوقه
بدأنا في جولة داخل أسواق مدينة رام الله، وسألنا المواطنين، لمسنا ضعفا في المعلومات التي يعرفها المواطنون حول هذه القضايا، والاهم ضعفا في معرفة حقوقهم كمستهلكين، فالمادة رقم 27 من قانون حماية المستهلك، تلزم كل تاجر باشهار الاسعار، وتسجيل كل سلعة تباع، وتجبره على منح المواطن فاتورة شاملة لضريبة القيمة المضافة.
وحدد القانون عقوبة للتجار غير الملتزمين، حيث يغرم كل تاجر مخالف غرامة نحو 500 دينار في المرة الاولى، والسجن قرابة 6 اشهر، وتضاعف العقوبة لو تكرر الجرم.
قطاع الملابس والأحذية الاقل التزاما
وكي نحدد حجم المشكلة وتبعاتها توجهنا الى وزارة الاقتصاد، حيث أكد لنا مدير الادارة العامة لحماية المستهلك، ابراهيم القاضي، أن نسبة عدم اشهار الاسعار في قطاع الملابس والاحذية تزيد عن 60% في اسواقنا المحلية.
وأشار القاضي إلى أن هناك 272 مخالفة سجلت منذ العام الماضي حتى ما قبل شهر رمضان، و11 مخالفة اخرى في شهر رمضان كلها في قطاع الملابس والاحذية.
الاتجار بالمواطن أم بمال المواطن
اما القضية الاخرى فهي عدم منح التجار فاتورة بقيمة المشتريات للمواطنين، وفي حال طلب مواطن فاتورة ضريبية يشترط التاجر لإعطائها للمواطن، زيادة ضريبة القيمة المضافة على سعر السلعة، رغم ان السعر المعلن عنه بالاساس يجب ان يكون شاملا لضريبة القيمة المضافة وفقا للقانون.
وحول هذا الموضوع قال القاضي، إنه ليس من حق أي تاجر أن يضيف ضريبة القيمة المضافة بعد اشهار الاسعار. وأضاف: هناك تجار مهتمهم الاساسية ليست الاتجار مع المواطن ولكن الاتجار به.
الجهات الرسمية تعلم وتصمت
واعتبر المحلل الاقتصادي هيثم ضراغمة، تحصيل ضريبة القيمة المضافة مرتين، وعدم منح المواطن فاتورة عن كل سلعة او خدمة تقدم له، استغلالا وغشا علنيا للمواطن، متهما الجهات الرسمية بعلمها بهذا الامر وصمتها عليه، لأسباب غير معروفة.
ورد مدير الادارة العامة لحماية المستهلك، ابراهيم القاضي، على هذا الاتهام بالتاكيد على ان وزارة الاقتصاد تجري جولات تفتشية دورية على الاسواق، ولكنها تواجه في الوقت ذاته مشكلة مع تطبيق القانون، مضيفا ان العقوبات حين تصل للقضاء يتم تخفيضها بشكل كبير، لتصبح غير رادعة للتجار، ما يجعلهم يستمرون على هذا النهج.
تلاعب بالضريبة
وخلال جولة لـ وطن في اسواق مدينة رام الله، اثبتنا عدم تسجيل التجار للمبيعات الكترونيا او حتى يدويا، حتى ان غالبية المحلات التجارية في قطاع الالبسة والاحذية لا تمتلك اساسا "صندوق حساب" ولا حتى جهاز حاسوب لتسجيل الصادر والوارد ،داخل أروقتها.
وهو ما يؤثر على دقة ضريبة الدخل التي تجبيها طواقم وزارة المالية، حيث يمكن للتجار التلاعب بقيمة المبيعات وعددها وتخفيضها قدر المستطاع عند احتساب الضريبة.
وحول هذا الموضوع قال القاضي ان الكثير من التجار يحاولون التقليل من قيمة البضائع، وعددها عندما تزورهم طواقم وزارة المالية، لاحتساب ضريبة الدخل، فلا يصرحون عن مبيعاتهم بشكل واضح، وفي ظل عدم وجود ما يثبت حقيقة مبيعاتهم يكون من السهل عليهم تزويرها، وبالتالي دفع اقل ضريبة ممكن.
اتحاد الغرف: دورنا توعوي رقابي
توجهنا في وطن الى اتحاد الغرف التجارية والصناعية، والذي يمثل قطاع التجار في هذا التحقيق، لمسائلتهم حول هذه المخالفات التي يرتكبها التجار، ومعرفة دورهم الرقابي في وضع حد لها.
رئيس الاتحاد، خليل رزق، قال ان دور الغرفة التجارية هو دور توعوي رقابي، وليس دورا سياديا، بحيث يخول الاتحاد تحويل التجار للمحكمة مثلا، مؤكدا ان هذا دور وزارة الاقتصاد .
40% تهرب ضريبي
وتصب نتائج ما سبق في مصب واحد، يعرف بالتهرب الضريبي، حيث يساعد جهل المواطن بذلك وعدم فعالية الرقابة على هذا القطاع، في رفع نسبته، ليحرم المجتمع اموالا كانت ستعود عليه بالنفع على شكل خدمات تعليمية وصحية وغيرها.
ويرجح الباحث في معهد ماس، مسيف جميل، ان نسبة التهرب الضريبي تصل الى 40% من قيمة الضرائب الكلية، ( اي ما يزيد على 2 مليار دولار سنويا!) وهي من وجهة نظره نسبة كبيرة، تعكس عدم وصول الاتزام الضريبي للمستوى المطلوب.
فيما أشار المحلل الاقتصادي، هيثم ضراغمة، الى ان كبار المستثمرين وقطاع الخدمات والبناء يلعبون دورا كبيرا في رفع نسبة التهرب الضريبي، كونهم الاقل التزاما.
وزارة المالية تتفق
وتتوافق تقديرات وزارة المالية واتحاد الغرف التجارية والصناعية مع هذه الاحصائيات حيث أكد لؤي حنش مدير عام الجمارك و المكوس و ضريبة القيمة المضافة في وزارة المالية، أن نسبة التهرب الضريبي في الاراضي الفلسطينية تزيد عن 40%.
التهرب الضريبي يسد العجز لو تم تحصيله
وحول الدور الرقابي الذي تقوم به وزارة المالية للحد من هذه النسبة وتخفيضها قدر المستطاع، قال حنش ان الوزارة تقوم بجولات يومية على التجار، ولكن جولاتها تختلف عن تلك التي تقوم بها وزارة الاقتصاد.
وأوضح ان وزارة المالية تنفذ جولاتها ليس للرقابة على الاسعار واشهارها ولكن لاحتساب ضريبة الدخل وجبايتها.
وأكد لؤي حنش حول ابعاد هذا التهرب، انه لو تم تحصيل الايرادات وتخفيض حجم التهرب الضريبي، ستكون السلطة قادرة على سداد كامل نفقاتها من ايراداتها، دون الاعتماد على الدعم الخارجي، الذي تقلص بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
الدعم الخارجي في أدنى مستوياته
وفي هذا السياق أكد حنش ان الدعم الخارجي في الآونة الأخير أصبح شبه معدوم،ففي وقت كان يصل قبل سنوات الى مليار و 100 مليون دولار سنويا، لا يتجاوز الان 400 مليون دولار سنويا، ووزارة المالية تتحمل وحدها هذا العجز.
وأشار حنش إلى ان وزارة المالية قدمت عددا من التسهيلات في العامين الأخيرين، من أجل تخفيض حجم التهرب التضريبي ورفع نسبة التحصيل، إضافة الى العمل على برنامج التوعية الضريبية للمواطنين، في سبيل تعزيز دورهم في هذا الموضوع.
المواطن الخاسر الأكبر
وأمام كل ما سبق فإن المواطن هو الخاسر الأكبر من كل ما يجري، نتيجة جهله بحقوقة الأساسية التي يكفلها له القانون، إشهار الأسعار والحصول على فاتورة ضريبية وتسجيل ما تم بيعه رسميا يمنع الغبن والتلاعب بالأسعار ويعود بالنفع على العملية الإقتصادية برمتها.