كيف أصبح المصوّر الياباني "هيروكاوا" متضامناً مع الشعب الفلسطيني؟

بالعربي- كتب يوسف الشايب:

كانت الزيارة الأولى للمصور والمخرج الياباني هيروكاوا إلى أرض فلسطين، في الثاني والعشرين من أيار من العام 1967، إلى كيبوتس "داليا"، الذي صوروا له أنه "الجنة كما هي إسرائيل المقامة على أنقاض منازل الفلسطينيين"، ليكتشف هو من شهد حرب حزيران، زيف هذا الادعاء، ويقرر من وقتها التضامن مع الفلسطينيين، هو من شاءت الصدف أن يزورها بعد خمسين عاماً على احتلالها، وفي الثاني والعشرين من أيار، ولكن من العام 2017.

وعن حكايته وحرب العام 1967، وتحوله باتجاه التضامن مع الشعب الفلسطيني، قال هيروكاوا خلال تكريمه في وزارة الثقافة، أمس: كانت زيارتي الأولى إلى فلسطين، وقالوا لي إسرائيل، وبالتحديد إلى كيبوتس "دالية" في أيار من العام 1967، وبعدها بأسبوعين اندلعت حرب حزيران .. أتذكر أن زيارتي كانت في 22 أيار من ذلك العام، والمصادفة أنني أزور فلسطين بعد خمسين عاماً على احتلالها، وفي ذات التاريخ أيضاً.

"في زيارتي قبل خمسين عاماً، اندلعت الحرب، لم أكن أعلم ما الذي يحدث، لأننا في اليابان لم نكن نعرف حقيقة القضية الفلسطينية وعدالتها، وتفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي، ولكني قررت أن أترك الكيبوتس لأن شباناً ويافعين منه شاركوا في القتال ضد الفلسطينيين والعرب .. بعد الحرب بشهر قمت بزيارة إلى القدس، وفي أزقتها وحواريها التقيت بطفل يرفع راية بيضاء، ثم أطفال ونساء أكثر يرفعون رايات بيضا، وحينها علمت أنهم من دون رفع هذه الرايات قد يتعرضون للقتل على يد الجنود "الإسرائيليين" .. هنا حدث تحول كبير بالنسبة لي، بعد أن شعرت بأنني كنت أقف بجانب من يمارس الظلم والقهر والاحتلال، وليس بجانب أصحاب الحق والضحايا".

بعد ذلك بدأ هيروكاوا رحلة دراسة التاريخ الفلسطيني، والرواية الفلسطينية الحقيقية .. "في الكيبوتس عثرت على خريطة قديمة، ولم تكن تحوي اسم الكيبوتس داليا، بل اسم القرية الفلسطينية المهجّرة دالية الروحة"، وسرد: في خلال رحلة البحث هذه، قابلت العديد من الفلسطينيين. قابلت محمود درويش، وسميح القاسم، والمحامي صبري جريس، وحتى اليهود المناهضين للاحتلال وساعدوني في فهم الكثير الكثير من التفاصيل حول القضية الفلسطينية .. كنت وقت زيارتي في عمر الخامسة والعشرين، وأتذكر أنني التقيتهم حين كنت في السابعة والعشرين من عمري.

بعد "النكسة" بعامين عاد هيروكاوا، كما أشار إلى اليابان، ونشر كتابا حول دولة الاحتلال والفدائي الفلسطيني باليابانية، رافعاً النسخة الأصلية للكتاب الصادر قبل سبعة وأربعين عاماً، وفي الصفحتين الأوليين له الخريطة الأصلية لفلسطين، وعثر عليها في الكيبوتس، وبذلك صدر أول كتاب له عن القضية الفلسطينية، ليعود بعدها في يوم الأرض، وإثر هذه المشاركة منع من زيارة فلسطين لسنوات طوال، لـ"أتوجه إلى لبنان لتوثيق الحياة الفلسطينية في مخيمات اللاجئين هناك"، وهذا ما جعله من أوائل من وثقوا فظائع مجازر صبرا وشاتيلا، ونقلها إلى العالم، هو الذي لا يزال يتذكر كيف كان الدخول إلى المخيمين بعد المجزرة أمراً في غاية الصعوبة.

وحول التجربة الصعبة هذه قال: كان وجودي في صبرا وشاتيلا من أصعب ما مر عليّ، كان هناك رجل مسن ظلّ يسألني لماذا جئت الآن؟ لماذا لم تأت منذ شهر؟ .. بعدها فهمت أن ابنه كان قد قُتل منذ شهر، قال لي: لو كان هناك صحافي، ما كان الجنود ليقتلوه أمام صحافيّ".. كانت صورة الأب الحزين قد دفعت هيروكاوا لدخول صبرا وشاتيلا مباشرة بعد المذبحة.
تابع هيروكاوا قائلاً: "لقد تذكرت هذا الشخص، فدون الصحافيين حدث شيء مريع هنا، لافتاً إلى أنه كان خائفاً أول الأمر من دخول المخيم، حيث يقول: "كان جسدي يخبرني ألا أذهب، فالأمر خطير، كان المخيم مغلقاً بالدبابات الإسرائيلية، لكنني دخلت، وبمجرد دخولي وجدت جثث الضحايا".

تذكر هيروكاوا صدمته لمشاهدته المذبحة داخل المخيم، لكنه في نفس الوقت قام بالتقاط صور للجثث، كان بحاجة للعودة مرة أخرى لمعرفة من هم، لكن كان من الصعب العودة إلى المخيم في أعقاب المذبحة، فالمنطقة كانت مغلقة تمامًا.. بعد عام عاد هيروكاوا مرة أخرى وقال: "لقد وجدت عائلات الضحايا وكتبت قصصهم".

وأضاف: بكيت كثيراً بعد أن خرجت من مخيمي صبرا وشاتيلا، لذا قررت تأسيس مؤسسة يابانية لدعم الأطفال في صبرا وشاتيلا، فور عودتي إلى وطني، وهي تعمل حتى هذا اليوم.
وكشف هيروكاوا لـ"الأيام" في حديث خاص، أنه جمع العديد من متعلقات ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، من بينها مسبحة، وعكاز مسنين، وقرآن، ومقتنيات كانت للشهداء، ويعرضها كل عام في ذكرى المجزرة لتذكير العالم بفظاعة ما حدث، هو الذي لا يزال مشغولاً بالقضية الفلسطينية، حيث وثق النكبة، والنكسة، وصبرا وشاتيلا، ويوم الأرض، والمستوطنات، وجدار الفصل العنصري، في كتب مصورة، وأخرى سردية وتأريخية، إضافة إلى الفيديوهات والأفلام.

وكان المصور والمخرج الياباني الذي توقف أمام الكثير من الصور والمحطات في متحف الشهيد ياسر عرفات، أمس، قال: من بعد ما عرفت عن دالية الروحة، درست ما حدث، ولماذا هجر الناس بيوتهم، بعد ذلك بحثت عن هؤلاء الأشخاص في مخيمات اللاجئين، تطلب الأمر مني 20 عاماً ربما 30، وربما أكثر من 30 عاماً، لكنني كنت قادراً ولم أزل على التقاط الصور وعمل الأفلام الوثائقية عن القرى الفلسطينية .. ما يقرب من حوالى 500 قصة للقرى الفلسطينية المهجّرة .. كانت تجربة مؤثرة"، مشدداً على أنه سيواصل توثيق القضية الفلسطينية، ونقلها إلى العالم ما بقي حيّاً.

المصدر (الايام)