المدينة العانس

بالعربي- كتب بدر القريوتي : 

تسقط حبات المطر على رأسه وتتسلل بين أخصال شعره متدفقة بين حاجبيه لتصب على وجهه دون أي ردة فعل او حتى أن يرمش بعينيه .. إنه لا يكترث لأعصابه الضعيفة كما يبدو .

توقف قليلا يلتفت أماما ويغرس عيناه الغائرتان في رأسه بعيناي فجأة كالوتد الذي ينغرس بتربة صلبة .

لم أفسر شيئ للوهلة الأولى سوى أني استسلمت لنظراته المخيفة . . . تابع سيره بعد هذا الإستراحة القصيرة وما زالت بقايا شعاع من نظراته تلاحقني في المخيلة .

راقبته من قريب بين زحمة الناس وهذا ما حصل مع كل الذين صادفهم بطريقه القصيرة جدا .... كانت يده اليمنى تمسك كيس أسود تحتضنه أيضا عصا مهترءة مر عليها زمن بقبضة يده الخشنة ... كان محني الظهر  ، ذو أرجل مقوسات من هول ما كانت سنوات عمره تصنع به ... بضع أمتار قليلة تفصله حتى يبلغ الشجرة القريبة بالنسبة لي والبعيدة بالنسبة لعمره. .. إنها رحلة شاقة بالنسبة إليه لكنه وصل الهدف .. كان جل اهتمامه في تلك الدقائق القصيرة هي أن يمسك بأحد أغصانها المتفرعنة منها في السماء ، ثم ينحني يمينا ليجلس على الكرسي الذي يتسع لآخرين غيرة .

في مركز المدينة توجد هناك شجرة تحول لونها الى السواد بسبب دخان السيارات والضجيج الملطخ بالتلوث ، أصبحت أوراقها مصفرة من باقي علب العصائر الفاسدة التي يلقيها الناس في تربتها المغتربة .. إنهم بقايا زائرين للمدينة العانس.

كان قد ألقى الرجل بجسده كله على المقعد الى أن تلاشت نظراته المرعبه عن ذي قبل لتكمن حقيقتها ... كانت نظرات استغاثة مسلوبة الأمان .. لقد أخطأت تفسيرها من هذا الرجل الكهل .

ذهبت وما زال الناس من أمامه يفسرون نظراته كما فسرتها في بدايتها ، وسرت ونظرات الرجل تعاتبهم حتى الآن ثم وقف وتابع سيره لا أدري أين وجهته ،  لكني قبل كل ذلك عاتبت نفسي وتساءلت من سيراه بذات النظرة التي فسرتها في كلماتي هذه ، ومن سيعاتبهم على نظراتهم السطحية سوى الله ؟