بالعربي: عشرات حالات عدم تنفيذ قرارات المحاكم العليا في فلسطين، وما من أحد يحاسب أو يسائل على خلفية التنفيذ من عدمه، هذا التحقيق الذي استمر قرابة الشهر في تعاون بين وحدة الصحافة الإستقصائية في "وطن" ومركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة "ديكاف"، يكشف عن نسبة انتشار هذه الظاهرة داخل المجتمع الفلسطيني اعتماداً على الشكاوى والتقارير الرسمية.
قررت الوحدة الاستقصائية البحث عن حجم الظاهرة.. ومواجهة المسؤولين بما تم التوصل إليه.. وبدأ التحقيق بضحايا عدم التنفيذ..
الرائد في جهاز الأمن الوقائي سابقاً حسام الدين العواودة من مدينة دورا في محافظة الخليل، رفع قضية ضد القائد الأعلى لقوى الأمن الفلسطينية بالإضافة لوظيفته، أي الرئيس محمود عباس، ووفقاً لقرار محكمة العدل العليا الفلسطينية، فإن حسام ربح القضية.
قضية حسام بدأت حينما تسلم أمرا إداريا بالإحالة الى التقاعد دون إبداء الأسباب، في الأول من آذار عام 2008، بناء على تعليمات الرئيس القائد الأعلى لقوى الأمن، لكن حسام رفض التقاعد الإجباري وتوجه نحو محكمة العدل العليا التي أصدرت بتاريخ الواحد والثلاثين من آذار عام 2010 قرارا لصالحة.
المفاجأة أن السلطة التنفيذية لم تطبق قرار أعلى محكمة فلسطينية لغاية اللحظة على مدار قرابة السبعة أعوام سابقة، تخللها رسائل رسمية وجهها النائب العام السابق المستشار أحمد المغني بضرورة عودة الرائد حسام الى وظيفته في جهاز الأمن الوقائي دون فائدة.
حسام قال لـ"وطن للأنباء": رفضت التقاعد وطالبت بإعادة النظر فيه، لكن كل ما حصل مجرد وعودات دون عودتي لوظيفتي فقلت لهم في النهاية بيني وبينكم القضاء، وأضاف أن المحكمة استمرت 24 شهرا، واستردت لي حقي لكن هذا الحق لم يطبق.
رئيس البلدية عامل بناء
من دورا اتجهت وحدة التحقيقات الاستقصائية في "وطن" الى بلدة بيت امر في محافظة الخليل، فوجدنا رئيس بلدية بيت أمر سابقا يعمل في البناء.
فرحان موسى حسين علقم الذي انتخب لرئاسة البلدية عام 2005، اعتقله الاحتلال عام 2007 لمدة أحد عشر شهرا أثناء رئاسته للبلدية، حيث افرج عنه في شهر نيسان عام 2008، توقع عودته لرئاسة البلدية لكن وزارة الحكم المحلي كانت قد عينت لجنة لإدارة البلدية، فاتجه نحو محكمة العدل العليا التي أصدرت قرارا لصالحه بتاريخ السابع من أيلول عام 2009، لكن السلطة التنفيذية لم تطبق قرار المحكمة العليا لغاية اللحظة، فلم يعد فرحان رئيسا للبلدية.
فرحان قال: توجهت للمؤسسات الحقوقية كافة منها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ولجنة الحريات المنبثقة عن المجلس التشريعي، ومكتب الرئيس وهيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة والتفتيش، وكلها لم تجدِ لي نفعا ولم أعد رئيسا للبلدية.
عدم التنفيذ ظاهرة في فلسطين
طاقم "وطن" توجه للهيئة المستقلة لحقوق الأنسان في مدينة رام الله، التي كشفت لنا أن عدم تنفيذ قرارات المحاكم بات ظاهرة في فلسطين.
مدير دائرة التحقيقات في الهيئة موسى أبو دهيم كشف لنا أن الهيئة تتلقى شهريا من 10 الى 11 حالة لا تنفذ فيها قرارات المحاكم من قبل الأجهز الأمنية تحديدا.
وفي رده على سؤال "خلال مخاطبتكم للأجهزة الأمنية لماذا لا يطبقون قرارات المحاكم وما هي حججهم القانونية في ذلك؟"، قال أبو دهيم: للأسف لا يوجد هناك أي حجة مقنعة أو حجة قانونية خصوصا وأن قرارات المحاكم إلزامية التنفيذ بشكل تلقائي، مردفًا: هناك طرق ووسائل يمكن الاحتجاج بها عن طريق الاستئناف أو الطعن بالقرارات.
وطالب الأجهزة الأمنية الانصياع مباشرة لأي قرار يصدر عن المحكمة، كما طالب النيابة العامة والجهاز القضائي القيام بدورهما في إلزام الأجهزة الأمنية لتنفيذ قرارات المحاكم.
المؤسسة الحقوقية كشفت لنا أن هذه الظاهرة في ازدياد، راجعنا أرشيف الهيئة لنتأكد من ذلك، فوجدنا أن المؤسسة الحقوقية سجلت مع نهاية عام 2014، 87 حالة، فيما ارتفع العدد الى 95 حالة مع نهاية عام 2015.
جريمة يعاقب عليها القانون
عدم تنفيذ قرارات المحاكم أو المماطلة في تنفيذها يضع القضاء الفلسطيني في مأزق وفقا للخبراء القانونيين، ويقلل من ثقة المواطن بالسلطة القضائية، توجهنا نحو مجلس القضاء الأعلى وتحديدا الامين العام المساعد القاضي أسعد سعيد الشنار، الذي قالها صراحة، بأن الجهة التي لا تنفذ قرارات المحاكم تعد مجرمة بغض النظر عن هذه الجهة.
وقال الشنار: إنه لا خير في حكم لا نفاذ له، فالمادة 106 من القانون الأساسي الفلسطيني نصت صراحة أن عدم تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل سير تنفيذها يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس أو العزل من الوظيفة العامة في حال تعطيل الحكم القضائي من قبل موظف في القطاع العام.
وشدد أن القانون الأساسي صارم في هذا الشأن لأن السلطة القضائية هي إحدى السلطات الثلاث التي تشكل مقومات الدولة الاساسية والوسيلة الحضارية والدستورية لفض النزاعات في المجتمع.
الضميري يعترف بوجود حالات
وفي الوقت الذي تؤكد فيه المؤسسات الحقوقية والسلطة القضائية أن السلطة التنفيذية لا تطبق قرارات المحاكم وخصوصا الأجهزة الأمنية، واجهنا الناطق الرسمي باسم قوى الأمن الفلسطينية اللواء عدنان الضميري بالمعلومات السابقة.
وقال اللواء الضميري: إنه "يمكن أن يكون لدينا حالات شاذة وهي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة لها أبعاد أمنية في قضية عدم تنفيذ قرارات المحاكم".
وأضاف أن "القضية لا تتعلق بحركة حماس فلدينا حالات من غير حركة حماس، نحن نتحدث عن أفراد كانوا محكومين لدينا أو موقوفين بأمر قضائي فلسطيني، وجاء أمر قضائي مثلا بالافراج عنهم لكن هناك خطر على حياتهم لسبب ما سواء من الاحتلال أو غير ذلك بناء على معلومات دقيقة"، مردفًا: "لا نرغب بإبقاء أي أحد في السجن نطعمه ونسقيه ببلاش".
ويشار الى أن الضميري رفض الحديث عن حالة المواطن حسام الدين العواودة وفرحان علقم اللذان تم عرض مشكلتيهما في أول التحقيق.
وأمام ما سبق تبقى حقيقة واحدة يتفق عليها الجميع بأن هناك حالات لا تنفذ فيها قرارات المحاكم وأهمها قرارات محكمة العدل العليا الفلسطينية، وعدم التنفيذ جريمة يعاقب عليها القانون، ومع ذلك لم يعاقب أحدا ولم يجرم على عدم التنفيذ، وفي ذلك مخالفة أخرى للقوانين الفلسطينية.