بالعربي: أخذوا عينة من دمه، ومن مرض اللشمانيا الجلدية. وقّع على أربع وثائق يجهل ما هو مكتوب فيها. أعطوه 50 ديناراً، وقالوا له: استعمل المرهم طوال هذه الفترة. كان عمره 17 عاماً. أخذوا عيناتٍ من دمها 5 أو ستّ مرات. «ضحكوا علينا بخمسين ديناراً»، تقول بعدما صارت كبيرة. شاهدان، بين كثر، في وثائقي «هل يصنع القتلة الدواء؟»، على استغلال فقراء سيدي بو زيد لمصلحة الجيش الأميركي وشركة دواء "اسرائيلية".
فلتكن البداية، من حديث الجنرال الأميركي الذي يستحق تقريعاً يتجاوز حدود الصحافة بكثير. آلان ماغيل، جنرال أميركي أقام في سيدي بوزيد (جنوب تونس) لفترة طويلة. شريط «هل يصنع القتلة الدواء؟» (إيمان بن حسين، إنتاج «الجزيرة الوثائقية» 2016) الذي عرضته المحطة القطرية أخيراً، لم يحدّد فترة إقامته بالضبط، خلال إجراء تجارب لدواء لمصلحة الجيش الأميركي، على مواطنين وأطفال تونسيين، مقابل 50 ديناراً «على الرأس»! يقول ماغيل عن هذه التجربة: «لقد تغيّرت نظرة سكان الجنوب التونسي الذي يمثل نصف الجمهورية التونسية حيال الولايات المتحدة الأميركية، وذلك مقابل بضعة آلاف من الدولارات. هناك أطفال ممتنون لذلك». اللهجة المتعجرفة ليست حدثاً، فهذا جنرال. والمرهم (الدواء) الذي أجريت لأجله التجارب، هو مرهم لمعالجة الجنود. والجنود هم الجنود. أما الشركة المصنّعة، "فإسرائيلية". وهذه مصادفة أخرى. على مقاس الحدث، لا؟ ولكن كيف حدث كل ذلك؟
بلا شك قامت إيمان بن حسين وفريقها بعملٍ كبير. البداية في 2000. يعني أنه قبل غزو العراق في 2003 حتى، وقبل إصابة 3 آلاف جندي أميركي باللشمانيا الجلدية التي تسببها بعوضة، وتؤدي إلى تشوهات أينما حلّت. بدأت التجارب قبل الغزو، كما لو أن وزارة الأميركية كانت تعرف إلى أين ستذهب بعد سنوات. يا لها من مصادفة أخرى. هكذا كان يأتي «الباحثون» ويذهبون إلى «ولاد محمد» في سيدي بوزيد. من وزارة الصحة التونسية ومعهم «أجانب»، كما يقول الذين خضعوا للتجربة. يسحبون من دماء التونسيين، ويطلبون منهم استعمال «المرهم». يجرّبونه عليهم.
تظهر بقع سوداء على وجوه المشاركين، ولكن حين يعود «الباحثون» بعد شهرين، يأخذون عينات إضافية من الدماء، ويطلبون منهم استعمال المرهم. وهكذا تستمر التجارب. القانون الفيدرالي الأميركي يمنع إجراء التجارب على الجنود. لذلك، قام مركز «والتر ريد» للأبحاث العسكرية بإجراء تجارب ميدانية في بلدٍ تنتشر فيه اللشمانيا. جرّبها على أطفال تونس. فلنكن موضوعيين: في بلدٍ تظن وزارة الدفاع الأميركية أنه بإمكانها استغلال شعبه وإلحاق الأذى بكرامته مقابل بضعة آلاف الدولارات كما يقول الجنرال الأخرق خلال حديثه عن أطفال تونسيين أجريت عليهم التجارب.
عندما تستعرض بن حسين المسؤولين عن التجارب، منذ بدايتها حتى 2014 (نعم استمرت طوال هذا الوقت)، من وزراء سابقين للصحة، وباحثين تونسيين في «معهد باستور»، يتنصل الجميع. مراد المكني، المختص في الأمراض الجلدية، أو طبيب الأمراض الجلدية المسؤول عن التجارب، يقول: «لا يمكننا القول إنه من الجيش الأميركي، من الأفضل القول إن الدواء تم تطويره من باحثين أميركيين، لتجنب المشاكل». ثم يضحك بسذاجة كما لو أنه قذف نكتة. ثم يقول إنه كان باحثاً إدارياً، قبل أن يفضحه مشاركون ويقولون إنه شارك بنفسه في التجارب. كل ذلك كان يحدث بإشراف «معهد باستور» ووزارة الصحة التونسية، رغم أن القانون التونسي يرفض بوضوح تام إشراك الأطفال في تجارب، أو القيام بتجارب لقاء مقابل مادي. لكن ما الذي كان يحدث؟ يذهبون إلى المشاركين عبر وسيط محلي، يطلعهم على الوثيقة التالية: AR 7025/AR 4038. وهو قانون عسكري أميركي، ليطبّق على التونسيين. ما هذه الصفاقة. القانون التونسي يمنع التجارب على القصّر، ولكن الطبيب المشرف، عفيف بن صالح، الفخور بفعلته، لا يرى ضرراً في استعمال قانون عسكري أميركي على تونسيين. والحجة: القانون التونسي «متخلف»، يقول. والتحضر برأيه أن تجرى التجارب على التونسيين، ليستفيد منها الجنود، خلال استجمامهم في كاليفورنيا؟ لا. في العراق. وعلى هذا المنوال. فلنفترض حسن النية إلى أقصى درجة. نحن الآن مع البحث العلمي. لكن هل يمكن تخيّل العملية بالعكس؟ تجارب على أميركيين، من أجل دواء تونسي؟
هذا كل شيء والشركة المصنعة شيء. اكتشف أحد الأطباء ما يحدث. تقدم بدعوى، والمحكمة أوقفت كل شيء. لكن التجارب استمرت. والوزراء (الصحة) الثلاثة السابقون، يتنصلون من مسؤولياتهم (تتفاوت المسؤوليات). أحدهم يقول «لا أعلم»، وآخر يقول «القانون متخلف». اللعبة كبيرة. نتحدث عن أميركا وعن وزارة الدفاع. و«الطيبون» "الإسرائيليون". ما دخل "الإسرائيليين"؟ مكونات الدواء مسجلة لفائدة "إسرائيليين" هما جوزيف الون وجيوفري جاكوب. العفيف بن صالح: يتنصل «لا نعرف من صنع الدواء. ما زال طور التجربة. انشالله تونس تصنعه». توضح له بن حسين: نقصد الدواء التجريبي. تقصد الدواء الذي جرّبوه على أطفال سيدي بو زيد. فيجيب: «لماذا تسألين هذا السؤال؟ لا أفهم». ثم ينتقل الوثائقي إلى زيارة نتنياهو لمخبر «تيفا» في "إسرائيل"، في 13 آذار (مارس) 2014، ويعلن: «الحدث مهم جداً، أعداؤنا يمطرونا بالصواريخ لقتل البشر، ونحن نرسل الأدوية وبالتحديد من شركة «تيفا» من أجل علاج البشر». ثم يعلن: «اتس أي غرايت كومباني». إنها شركة عظيمة. كيف لا تكون إمبراطورية الأدوية "الإسرائيلية" عظيمة بالنسبة إلى رئيس الليكود التاريخي؟ إنها شركة عظيمة تمطر غزة وجنوب لبنان بالأدوية. دعنا من سخافة نتنياهو، ولنعد إلى سخافة ما يحدث في تونس. يقول بن صالح: «قام الداعم لهذا البحث بالتعاون مع فرع شركة «تيفا» في الولايات المتحدة الأميركية، بتصنيع الدفعة الثانية من الدواء لأنها فازت بطلب العروض الذي فتح لهذا الغرض». يا للبراءة. تخبره بن حسين: ««تيفا» شركة "إسرائيلية"». فيقول إن ما يهمه هو سلامة المنتج. وكي لا ننسى، سلامة المنتج الذي جرّب على تونسيين لمصلحة الجنود الأميركيين. في «تيفا»، رفضوا المشاركة، ثم عادوا وقالوا إنهم أنتجوا المرهم لغاية 2013 فقط. حتى "الإسرائيليون" استحوا؟ على الأرجح لا. لا نتحدث هنا عن «تطبيع»، باللغة المكررة ذاتها عن التطبيع. نتحدث عن دماء أطفال سيدي بوزيد، في خدمة الاستعمار، بعد عشرات الأعوام على «الاستقلال».
ثمة من يقول، عادي. تجارب، أبحاث. ولكن أين يضع هؤلاء وجوههم عندما يسمعون السيدة التي خضعت للتجربة ولم تعرف شيئاً عما قامت به. عندما أشاحت وجهها وقالت بحسرة «لا أوراق ولا تواقيع ولا شيء، اعتمدوا على أننا لا نعرف شيئاً، جهلاء». تجارب على الأطفال. عادي. أبحاث. هذه هي السيدة نفسها، التي يفترض الجنرال ماغيل، أنه اشترى محبتها مقابل «بضعة آلاف الدولارات». والرجل صاحب تاريخ: أسهم في تطوير أسلحة بيولوجية وبكتيرية هامة. وطبعاً، سيكون فخوراً بأنه أجرى تجارب في تونس على تونسيين، ممنوعة في القانون الأميركي. العملية واضحة. الدواء للجنود الأميركيين، الشركة التي تصنع الدواء "إسرائيلية"، ويتم «تجريبه» على فقراء سيدي بو زيد في تونس مقابل خمسين ديناراً «على الرأس».
المصدر: الجزيرة