في القدس .. لا وقت للوقت

بالعربي- كتبت نور محمد : 

"لا وقت للوقت "

هكذا شعرت عندما بدأت بقراءة عازفة الناي

بعد أن تتبعتُ صوت الناي المقدس والتعرف على القدس وأسوارها وأبوابها وأزقة البلدة القديمة، من باب الخليل،

الى خان الزيت الى الكنيسة والمسجد الاقصى،

الى حارة النصارى ،وساحة عمر بن الخطاب،

وختمتها بالصحراء" الدير " المليئ بالرمل والتفاصيل المتعبة ، حينها أدركت أن القدس العتيقة حزينة ، تخلو سوى من أرواح أجدادنا التي تسكنها وتدعونا لنحررها بعد أن سكنت الاطياف مخيلتي مع أنفاسي القوية،

 لتقول لي :  كلنا بهاء الدين … 

وأجدادنا تسكنها بأطيافها المعذبة كي تتحرر

وعشق "هيلينا" موجود بالسواح كيف يهتموا بالآثار أكثر من أصحابها للأسف الشديد !

أما "وردة" هي الأقصى التي تنادينا كل أذان للصلاة في محرابها
وتذكرنا بما وعدنا الرحمن

أما العم "نوح" المتسول فهو شكل ذاكرة المدينة التي لن تموت وضميرها الحي في وجدان الذي لا يرغب بأن ينسى .
كان أيقونة الوقت وسادتة، كالآثار القديمة المعتقة الغالية ، "ربحي" هو خيباتنا المعلقة في السماء وخطيئتنا التي لا تغتفر
كخطيئة سيدنا آدم التي طرحتنا أرضاً

"تلك مشيئة الله ، أو لعلها كانت خطيئة حياتي نفسها "

الرواية سكنتني بكل تفاصيلها ولا أنكر انها أعادتني لشغف القراءة

بالنسبة لي يجب ان تأخذ صدى أكبر وتأخذ الجائزة بما تحملة من تفاصيل مقدسية رائعة وأرواح طاهرة
"الارض تعطينا خيراتها وفي المقابل تأخذ أعز ما نملك .. أرواحنا "

إن السرد الممتع للرواية يأخذك بأن تعيش في عمق الشخصيات فتتحول انت بدورك الى موجة جارفة لا يمكنها الا ان تتساوى مع مدها وجذرها في تناغم كلي للأحداث والمواقف .. ومن خلال توظيفه للحوار النفسي الداخلي العميق لهؤلاء الشخصيات
استطاع الكاتب ان يمدنا بالمعرفة الكامنة خلف كل مكنونات النفس البشرية .

نجح في ادخالي الى العالم الروحي اللامرئي الذي تجسد بعمق فلسفته وأريحيته الروحانية

من خلال الأمكنة وطاقتها المستمدة من جغرافية الكيلو متر الواحد داخل سور القدس العتيقة .

فكنت شاهدة على درب الالام والعقبات والقباب والحارات والأزقة والعمارة المملوكية والعثمانية والصليبية منها .
لا شك ان عازفة الناي اوحت لي بأن هناك مؤامرات تنبض بين اضلع المدينة المحتلة

ممتازة لغويا ونحوياً وتنسيقاً حتى أن بعض السطور تحمل من  النصوص العالية كالجبال الشامخة فيها ما يثلج الروح

ومثل نوار البنفسج تثمر ، وتميزت بزهرة التوليب ذات اللون الخمري المائل الى السواد

أيضاً فيها من فلسفة الزمن ما يكفي

"منذ مدة لم أذكر كم تماديت في حضن الزمن "

"تلك كانت أيقونة عينيك الغامضة "

"تلك الحياة كانت كمن يقحمني بجنون الناء وصفات بحرية لا تحمل في جيناتها أي دلالات أخرى ،فكانت أشبه ما تكون بالذاكرة التي لا نوم فيها . حياة ليس بمقدوري أن أفسر مجرياتها

الا اذا كنت أنا أو كنت أنتِ تملكين مفاتيح أسرار البحر "

والكثير من الفلسفة والنصوص أوقفتني ذهولاً ،

وقد عالج الكاتب بحنكة موضوع الاستيطان وتهويد البلدة القديمة من خلال بيت العائلة الموقوف لها من خلال الإبن المقامر ربحي .
فيها من الخرافات والخيال بما يكفي

عندما كانوا في المانيا والبحيرة الجميلة ورمالها السوداء

لكن ذكاء الكاتب حينما مزجها وسدلها بالمفردات الجميلة

لنعيش الحدث والتفاصيل أكثر كان رائعاً تلاشينا الخرافات وعشنا اللحظه

أما عن النهاية جداً مستفزة وخرافية الى حد كبير أردت لو أمزقها وقتها ،

همساتي الأخيرة ..

" ليت البدايات مضارع مستمر، وتدوم "

هناك أرواح تمشي مع الهواء

تشبهنا حلماً وجنوناً

كلما مرت في خاطرنا نبتسم

تأتينا على هيئة حضن

حتى اذا ذكرناهم صباحاً

يَتلبسنا الجنون حتى المساء

الحياة لحظات وأنتِ "القدس " أروع لحظة

للقدس تحية ولأرواحهم السكينة والسلام .

(إضاءة لرواية عازفة الناي - للكاتب الروائي المقدسي - عيسى قواسمي)