عندما اجتمع العرب في فلسطين

بالعربي: كتب- محمود حسنين:

انا الذي وقع عليه ماء المزراب في الشتاء، وانتزع بنطاله من أزقة ضيقة جدرانها لا تعرف النعومة على العابرين منها، وانا الذي سمعت صراخ مسؤول المساعدات الدولية وهو يقول "الكل يصف بالدور الكل رح يوخذ"، هكذا وجدنا أنفسنا منذ ان ترعرعنا في كنف "المحطة المؤقتة" كما سماها العرب لنا قديماً.

قبل البدء بالكلام لابد ان أشكر زعماء العرب كثيراً لأنهم بخذلانهم وتنازلاتهم عن وطننا منحونا الحب الدائم له، وتعلمنا كيف يكون الحب، فصدقاً لا اجد في العالم شخص يعشق وطنه كالفلسطينيين، هم وحدهم من يذهبون للموت ليحيا وطنهم.

لطالما كان الفلسطيني يلعب دور المتفرج على قضيته، والعالم يلوح بها ويضربها بعرض الحائط متى أراد، وعندما إشتد عود العرب قليلاً قاموا في عام 1974 بإلقاء عبء القضية الفلسطينية على كاهل الفلسطينيين وحدهم، واعترفوا بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبهذا الأمر كان العرب قد رفعوا أيديهم عن فلسطين، وحتى لا يظن البعض ان الجيوش العربية كانت تقف على ابواب فلسطين لتحريرها ومنظمة التحرير منعتهم، بل هم من أرادوا التخلي عن فلسطين منذ البداية.

هم من قالوا عام 1948 اخرجوا من دياركم لأيام معدودة وستعودون، وها قد طال الغياب لأكثر من 68 عاما وما زال جرح النكبة ينزف حتى اليوم، فلذلك ادرك الفلسطينيون ان العرب هم من تخلوا عن فلسطين، ولهذا اتخذوا على عاتقهم قرار تحريرها.

قبل ايام قليلة كانت الذكرى المشؤومة بنظر الكثير من الفلسطينيين، ذكرى توقيع اتفاقية "أوسلو" في كواليس البيت الأبيض، ولاقت هذه الاتفاقية ترحيبا عربيا ودوليا كبيرين، حتى ظن الفلسطينيون انها سفينة العودة الوحيدة لهم، وبعد أكثر من عشرين عاما على الإتفاقية لا تزال الارض تُغتصب أكثر وأعداد الشهداء في تزايد وفلسطين في ضياع اكبر، والعرب يصفقون ويهنئون كل قيادات الاحتلال على هذه العنجهية، وإن خَجِلَ بعضهم فإنه يبعث برقية استنكار "شديدة اللهجة" على حد قولهم، وهذا ما يزيد من طين سخطنا بلّة على العرب.

منذ يومين مات مهندس أوسلو لصالح كيان الاحتلال، "شيمعون بيرس" رأس منظمة الهاجاناة التي ارتكبت المجازر بحق البشرية، من فلسطين مرورا بلبنان، تونس، مصر، والدول العربية الاخرى، عبر اغتيالات سرية قامت بها هذه المنظمة المتطرفة، وحتى الان لم يجتمع العرب ضد هذا الاحتلال أبداً.

لقد مات "بيرس"، وهنا يا سادة إتحد العرب جميعا لأول مرة في التاريخ على رأي واحد، إتفقوا على ان يأتوا الى الارض المحتلة من كل فجٍّ عميق، معزيْن عدونا لا محررين لأرضنا.

سيدوّن التاريخ ان العرب إجتمعوا أخيرا، إلتقوا على ارض فلسطين المحتلة للمرة الأولى، هرولوا جميعا لتقبيل أيدي من سفك الدم واستباح العرض واغتصب الارض، تذللوا للاحتلال كثيرا والسبب هو ان يحافظوا على مقاعدهم المزورة وعلى سدّة الحكم على شعوبهم.

والسؤال المطروح الان على الساحة هو: ماذا عن الشعوب العربية لما لا تطالب بفلسطين بعد ان تخلى زعماؤها عنها؟، هل حقا هي خارج مقولة "ان الشعوب إذا هبّت ستنتصر" ام انها لا زالت تبحث حتى اليوم عن صلاح الدين ليقودها؟.