البرامج الإذاعية الصباحية: المزيد من أسباب الاهتراء

بالعربي-كتبت علا عليوات :

مثل كثيرين غيري، لا أعتبر نفسي متابعة جادة للبرامج الإذاعية، إذ تقتصر علاقتي بالراديو على البحث عن أغنية جيدة أثناء قيادة السيارة، أو سماع بعض الأخبار بدافع الشعور بالذنب وجلد الذات، أو في بعض الحالات الاستماع لبعض البرامج الصباحية أو المسائية. لكنّ أحد تلك البرامج استرعى انتباهي مؤخرًا، وهو برنامج «صَح صِح» على إذاعة روتانا من تقديم ناديا الزعبي ورهف صوالحة.

لا أتذكر متى انطلق هذا البرنامج بالضبط، لكنني أذكر أنه لم تكن لدي مشكلة معه في البداية، رغم الانتقادات الموجهة له. لم أكن أجد مقدمتي البرنامج ثقيلتيّ الظل، ولم أكن أنزعج من ضحكتهما العالية ولا أعتبرها -في معظم الأحيان- مبالغًا فيها، وإن كنت أدرك صعوبة تقبلها في مجتمع «كشرتنا هيبتنا» و«الله يكفينا شر هالضحك» و«صوت المرأة عورة». ولم يكن يزعجني محتوى البرنامج الذي كنت أسمع أجزاءً منه أحيانًا، لكن في الوقت نفسه لم أكن أجده شيئًا مؤثرًا أو ذا معنى، وإنما محاولة للترفيه عن الناس في بداية اليوم وترويج مستمر لمنتجات ممولي البرنامج الكثر، وهو الجزء الأكبر من البرنامج.

مشكلتي مع ناديا ورهف و«صَح صِح» بدأت منذ أخذتا على عاتقيهما مهمة تثقيف المرأة الأردنية وتعليمها وتشذيبها حسب الثقافة التي تعرفانها، وتروجان لها سواءً عن قناعة -وهي مصيبة- أو لإرضاء الجمهور -وتلك مصيبتان-.

تتحدث المذيعتان في موضوع معين، فتقوم ناديا بلهجة صارمة تعاليمية بتوجيه النساء إلى ألا يكنّ عنيدات ونكدات، ثم تضرب أمثلة عن الرجال الذين يعانون الأمرين من زوجاتهنّ. يتطور الحوار فتتدخل رهف بملاحظة عن «قلة عقل النسوان»، وفي حلقة أخرى وفي سياق الحديث عن العلاقة بين الأزواج تصرّح برأيها في «أن المرأة لا ينفع أن تُعطى سلطة». وفي مرة أخرى تقرر ناديا، ربما اعتمادًا على بحث أجرته في الليلة السابقة على غوغل، أن المرأة تكره أن يهديها الرجل كتابًا، وتؤيد رهف كلامها بناءً على حادثة عائلية، وتعبران في سياق الحديث أن الهدية الأفضل ستكون خاتم ذهب أو تذاكر لحفلة كاظم الساهر.

ولعل أحدث الأمثلة الحاضرة في الذاكرة هو ما سمعته في حلقة مؤخرة لهما حيث بدأتا الموضوع بالحديث عن نوع خاص من الرجال، وهو الرجل الطفل، وكيف أنه يحب تملك المرأة كما يحب الطفل تملك لعبة، يكون مسرورًا بها ومتحمسًا لها في البداية حتى يضجر منها ويملّ ويرميها في زاوية من زوايا البيت. وبطريقة ما، وجدت المذيعتان طريقة لجعل المرأة -أو اللعبة- مسؤولة عن تصرف الرجل الطفل، مع اعتذار للرجل قبل نهاية الفقرة عن تشبيهه بالطفل وطلب السماح منه والتوضيح أنهما يقصدان المديح لا الذم.

ويمكنك أن تتصور رجلًا خمسينيًا جالسًا في سيارته يستمع إلى هذا البرنامج، ويتذكر زوجته وأمّ أطفاله وعدم اهتمامها بنفسها بالطريقة التي تصفها المذيعة، بينما يهز رأسه وكرشه موافقًا ومتحسرًا على نفسه لأنه، كما قالت ناديا، بشر في النهاية. في تلك الأثناء، تركض زوجته في البيت بين غرف النوم وغرفة الجلوس لتنهي الترتيب والكنس والمسح قبل عودة الأولاد من المدرسة، وتتردد على المطبخ بين الحين والآخر لتفقد طنجرة ورق الدوالي التي سهرت في لفها الليلة الماضية كي تكون جاهزة وقت عودة زوجها عند الغداء لتجنب نكده. تلتقط طراطيش من كلام المذيعتين: «لازم المرأة تكون في أبهى حالاتها مهما كانت مشاغلها لأنه الزلمة بحب المرة اللي بتدير بالها على حالها»، فتلمح انعكاسها في مرآة الحمّام وهي تسلك مصرف المغسلة وتتنهد بحسرة.

قد نجد من يدافع عن ناديا ورهف ويقول إنهما تحكيان قصصًا من الواقع، لكن خطورة هذه الأفكار التي تبدو عادية واستهلاكية ولا تتعدى كونها تسلية صباحية و«طق حنك» تكمن في أمرين: أولًا أنها تبث إلى مجتمع وجمهور مشبع بالصور النمطية وتعاني فيه المرأة من التمييز على المستوى المجتمعي والرسمي، وثانيًا، أنها تأتي على لسان امرأتين يُفترض أنهما منفتحتان وعصريتان، تنالان نسبة استماع لا بأس بها وجمهورًا لا بأس به سواءً عبر الإذاعة أو وسائل التواصل الاجتماعي. وحين تتحدثان بتحامل -مقصود أو غير مقصود، مباشر أو غير مباشر- على المرأة، فإن ذلك يعطي مصداقية لكلامهما من باب «وشهد شاهد من أهلها»، وإن كانت نبرة الحديث آمرة وعظية متعالية، كأنهما لا تنتميان إلى جنس النساء الذي تتحدثان عنه، وإنما إلى جنس آخر أكثر كمالًا، يعرف ما لا تعرفه عامة النساء.

وهنا يمكن طرح سؤال آخر: هل يمكن، مع طرح هذا النوع من الأفكار في أكثر وسائل الإعلام انتشارًا وتأثيرًا، أن تزيد نسبة المشاركة السياسية للمرأة، أو أن نرى يومًا يمكننا فيه الاستغناء عن نظام الكوتا النسائية في الانتخابات، أو أن يصوّت مجلس النواب مدفوعًا بضغوط شعبية لمنح المرأة الأردنية الحق في إعطاء جنسيتها لأبنائها؟

كي يحدث أي من ذلك، نحتاج إلى إعلام يرتقي بعقل الناس وثقافتهم وليس إعلامًا يحابي السائد والمقبول. لا نحتاج إلى من يردد لنا كل صباح أن النساء قليلات عقل، أو أنهنّ يتحملن مسؤولية كل زواج فاشل أو فاتر، أو أنّ أكبر اهتماماتهنّ تتمثل في الذهب والمجوهرات. لا نحتاج إلى تسرب أفكار مكررة بالية إلى ذهن العامة من جديد بعد أن بدأت تبهت وتتلاشى، لأننا باختصار وكما صاغها طمليه، «لا نحتاج إلى المزيد من أسباب الاهتراء».

المصدر: (حبر)