دم الفلسطيني عطا امتزج بـ "الكولا"

بالعربي_كتبت: رولا حسنين

 العشرون من أيار عام 2013 تاريخ فاصل في حياة الطفل عطا محمد شراكة، ابن مخيم الجلزون شمال رام الله، تاريخ أقعد عطا عن المشي وممارسة حياته الاعتيادية، وحوّل مسار حياة الطفل الى هرم مبكر.

يعتاد أطفال العالم على الاعتماد على والديهم حتى سنّ محدد، ثم ما يلبث الابن أن يبدأ  مرحلة يصبح  سنداً لهما، إلا أن عطا ابن الخامسة عشر ربيعاً سيحيى على حقيقة أن يكون والداه  عكازته في الحياة، وارتكازاً رئيسياً له.

أصيب بحثاً عن حقيبته
"كنت صغير ما بفهم شو يعني احتلال وقتل بس هلقيت وعيت على الدنيا" بهذه الكلمات لخّص عطا حكايته ما قبل التاريخ المأساوي، فقبل ثلاثة أعوام كان عطا يبلغ من العمر حينها 12 عاماً، مازحه أحد أصدقاءه وألقى بحقيبة عطا المدرسية خلف سور مدرسة ذكور الجلزون الأساسية، التي يقابلها على بعد 200 متر تقريباً مستوطنة "بيت ايل" الجاثمة على أراضي المواطنين، ولم يستطع عطا استعادة حقيبته حتى لا يكون فريسة جنود الاحتلال الذين يتمركزون على أبراج المراقبة، هذا ما أخبره به أصدقاءه، وفي اليوم التالي كان عطا يستعد للامتحانات النهائية فقرر أن يذهبلاستعادة حقيبته، وقبل ذلك دخل إحدى المحلات التجارية مع زميله واشترى علبة "كولا" وما أن خرج من المحل التجاري حتى باغته قناص الاحتلال برصاصة في بطنه، فسقط عطا أرضاً وامتزج دمه بـ "الكولا".

استيقظ عطا وهو على أسرّة مشافي القدس، على غير الواقع الذيأغمض عينيه عنه عند اصابته، استيقظ عطا على شلل نصفي أصابه بعد أن دخلت رصاصة قناص الاحتلال من بطنه وخرجت من ظهره.

يعبر عطا عن نظرته للحياة بعد أن أضحى مشلول القدمين، فيقول "كنت أحسّ اني عبء على أهلي، بس أبوي رفع معنوياتي كثير، وبضلّ جنبي، أبوي لو لفيت العالم كله ما بلاقي مثله".

الوالد الحزين: من سيسند عطا بعد موتي؟
عيون دامعة وحشرجات صوت أب يحمل ابنه على يديه كل صباح ومساء، يقول محمد شراكة والد عطا إنه سخّر حياته كلها لابنه، وسيكون له السند ما بقيت فيه انفاس الحياة، ثم ما يبلث أن ينظر الى ابنه حتى يباغته مستقبل مخفيّ المعالم "طيب ولما أموت مين رح يكون معه بعد مـَ تخلى الكل عنا، أنا عامل ووضعي على قدي".

لم يكمل عطا دراسته في مدرسة الجلزون الأساسية كونها غير موائمة لمتطلبات ذوي الاحتيجات الخاصة، وأكمل دراسته في مدرسة المرج النموذجية في بلدة بيرزيت، لانها مجهزة بما يلزم لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة، ورغم الاعباء المادية للأمر فلم يتوانى والده من مساعدته على اكمال علمه، الذي بات يعتبره عطا سلاحه الوحيد في مقاومة الاحتلال، ثم انتقل لمدرسة الأمير حسن الثانوية في بيرزيت لاكمال المرحلة الثانوية.

المدير والمعلمون والطلبة يهبون للمساعدة
ووفق مدير مدرسة الأمير حسن جميل مزاحم، فإن المدرسة ممثلة بإدارتها ومعلميها وطلابها حاولت قدر الامكان التسهيل على عطا، فلا يبخل أصدقاؤه في مساعدته للتنقل بينالساحة وصفه المدرسي، كما لا يتواني معلموه في بذل جهدهم لتمكين عطا من المواد الدراسية.

عندما تصبح الظروف أقوى من أحلامنا، لا بد من تغيير أحلامنا وفق الواقع لا الاستسلام، وهذا ما عايشه الطفل عطا الذي كان يحلم بأن يصبح طبيباً بيطرياً لولعه وشغفه بتربية الطيور والحيوانات الأليفة، ولكن اصابته التي أقعدت جسده لم تقعد أحلامه في ان  يصبح محامياً يكمل القضية التي رفعتها العائلة ضد جنود الاحتلال لمحاولتهم قتل عطا مع سبق الاصرار والترصد :  "بدي ألاحقهم بالقانون والعلم".

لا تتغيب والدة عطا عن المشهد اليومي الذي يحياه ابنها، إلا أنها لزمت الصمت قولاً واعالة ابنها فعلاً، فلا شيء يجدي من الكلام وفق تعبيرها لنا.

أما سعيد صديق عطا الذي يلازمه أغلب وقته، فيقول "ما بخلي عطا لحاله عشان ما يتذكر الماضي المأساوي الي حصل له، بحاول أضل جنبه وأمزح معه ليضحك، واذا زعل براضيه بأي اشي".