في موتنا نستلهم الحياة

بالعربي_كتب: حمدي فراج

قادتنا قبل ايام اقدامنا الى ما قبل ست وثلاثين سنة ، الى حيث منزل شهيد القيد علي الجعفري في ذكرى قتله على يد الجلاد الاسرائيلي ، نفس المنزل الذي تسكنه شقيقته المناضلة الشرسة فاطمة الجعفري ، التي حفيت قدماها وهي تزوره على مدار ثلاثة عشر عاما ، وأكتشفت ، او لربما ان علي ابلغها ان اسيرا من لبنان لا يجد احدا يزوره ، فقررت مع اخريات ان يقمن بزيارته ، ليتبين فيما بعد ، انه سمير القنطار.

نفس البيت ، على حافة الطرف المقابل من الجانب الشرقي لمخيم الدهيشة ، الذي لم يدخله علي الا رفاتا بعد ثلاثة وعشرين سنة من مقتله داخل سجن نفحة ، لم يتغير عليه شيء تقريبا ، لم يتحول الى قصر بعد "انتصار الثورة".

كنا في بيت عزاء الراحل حديثا المناضل التقدمي صلاح عبد ربه ، الذيأمه المناضلون من كافة انحاء الوطن المحتل ، وكان الفتحاويون من المخيم الحريصون على تنظيم زيارة لمنزل علي في كل ذكرى سنوية على رحيله ، وانضم العشرات ممن عرفوا علي وشاركوه القيد عشية الاضراب الشهير عن الطعام في سجن نفحه ، واعطى محمد الجعفري من ابناء عمومة الشهيد علي الكلمة ، للرفيق يعقوب عودة من القدس ، الذي بدى هرما ، لكنه فيما يتعلق بقتل علي ، كان اشبه بذاكرة مشتعلة استحضرت كافة التفاصيل.

شعرت لوهلة ، بتعاطف حزين لكل من سيأخذ  الكلام ، في حضرة مكثفة من المثقفين المناضلين المفوهين ، عطا القيمري رفيق علي في القيد ، والذي يجيد اربع لغات غير لغة الام ، الدكتور ذياب عيوش عضو المجلس الثوري لفتح ، والذي تتلمذ عليه المئات والالاف في العلوم الاجتماعية ، ابراهيم ملحم الاعلامي الذي يختار مفرداته بدقة متناهية لكي تؤتي أكلها ، فايز السقا القادم من اسبانيا ليصبح عضوا في المجلس التشريعي والباحث عن مضاهاة للمجلس الاسباني ، ولكنه ما زال يبحث ، سعيد عياش والد الشهيد ميلاد الذي استطاع ان يضع ترجمة متقدمة لاحد ابرز كتب التاريخ اليهودي المعقدة من ان اليهود ليسوا بشعب ، عيسى قراقع راهب الاسرى الذي نذر كل حياته لنصرتهم ، احمد ابو سلعوم الفنان الملتزم بقضايا فلسطين الذي انتزع الكلمة وتحدث عن معاناة ذوي الاسرى عشية اضراب نفحة ، وكيف نجحوا في اصدار نشرة لمرة واحدة انذاك اسموها "نفحة" ، ثم غنى اغنية جميلة كسرت روتين الكلام .  وهناك عشرات الاسماء الاخرى التي لا تتسع لها المعادلة.

كان اللقاء الفتحاوي الجبهاوي –غير المخطط - الذي انطلق من عند موت صلاح الى حيث علي الجعفري قبل ست وثلاثين سنة ، تأكيدا على "اننا في موتنا نستلهم الحياة " ، رغم ان الجلاد هو نفسه الذي سفك دم علي بدون رحمة ، وابقى على جثمانه محتجزا ثلاثة وعشرين سنة في مقابر الارقام . ما الذي يمنعنا وفتح والشعبية وحماس وبقية الفصائل ان تقوم بذلك كل يوم على امتداد ساحة الوطن المزروعة بمثل هذا الموت واضعاف مضاعفة من الاسرى وجثامين الارقام.