عندما أصير مديراً!

بالعربي: كتب عقبة الرمًة

بلا مقدمات.. ضع أي بيت شعر يخطر على بالك، بشرط أن يكون مرتبطاً بموضوع المدونة.. مثلاً: جَلَسَت والخوف في عينها!.. الخ.. أو يمكنك الاستعانة بمقولة لأحد المشاهير في علم الإدارة.. وبسم الله.. دعنا نبدأ من حيث سننتهي.

سأخلع باب مكتبي الكبير، وأبيعه لأحد الحدادين، سأصنع من هذا الباب ملاعق خشبية أو أعواد ثقاب، أي شيء آخر غير شكل الباب اللعين ذي القفل بـ 3 أو 4 طقات.. سيكون من الضروري الانتهاء منه قبل أي شيء آخر، فالشيطان سيبحث عن أي فرصة لخلوة غير شرعية بيني وبين كرسي السلطة الجديد، سيجعلني مهووساً بالحفاظ عليه والدفاع عنه، ومعاشرته بالمعروف وغير المعروف في أوقات العمل الرسمية، ولم لا؟.. أليست معاشرة الكرسي نوعاً من العمل؟، ألسنا نحن المدراء من نحدّد أي الأنواع من العمل يعدّ عملاً ذا قيمة ويستحق الثناء؟

ربما من الأفضل أن أحمل مكتبي الخشبي وكرسيي ذا العجلات المرنة إلى قرب المطبخ على الطريق الذي يصل كل شيء بأي شيء.. الذاهب لصنع كأس من الشاي أو القهوة أو النسكافيه، سيتعثر بي، ليلقي التحية أو لا يفعل، حتى ذلك الذاهب إلى الحمام وعيناه مفتوحتان على مصراعيهما ويمسك يده تحت سرّته، يسير بسرعة حصان باتجاه الباب ذي الحرفين استعداداً لقضاء حاجة. كلهم على موعد مع لقائي، سيتمكنون فيما بعد من الاعتياد على هذه الظاهرة، ستقوى ألسنتهم على البوح بكل ما في قلوبهم، ستتعزز روح المبادرة، وسيسود الحب.. ويموت الشيطان غيظاً.. سيقول الجميع: يا إلهي.. أي مدير هذا الذي يجلس بيننا.. يا له من أحمق..!!

سيعتبرني الجميع غير كفء.. ولِم يعتبرونني غير ذلك؟ هل اعتاد أي منّا التعامل مع مدير من النوع الذي يدعوك لتناول العشاء أو شرب الشاي على حسابه؟ هل اعتدنا توصيلنا إلى المنازل بسيارة هذا المدير أو ذاك؟ إننا لا نعرف سوى الوجوه المتجهمة. تجد المدير ينتقم من موظفيه إذا ما غضبت منه زوجته.. أعرف رجلاً صينياً ضرب كل موظفيه على مؤخراتهم لأنهم لم ينجحوا في تطوير ذواتهم خلال العام المنصرم! لقد ضربهم أمام الملأ بعصا غليظة، وكأنه إله قادم من الأساطير.. يعتبر عذابك طريقاً ملائماً جداً لتحصيل النجاح!

لا داعي للإطالة.. الموظفون سيحبونني كمدير، ولكنهم سيطلقون عني الكثير من الإشاعات.. مجنون.. أهبل.. أحمق.. مصاب بداء نفسي.. غبي.. معاق.. الخ.. رغم ذلك، أنا متأكد أن هؤلاء الموظفين سيحبونني فيما بعد.. سيجدون فيّ بضعاً من التواضع، وكثيراً من الحب والتسامح، ربما سيتحدثون إلي عن تفاصيل حيواتهم الشخصية وهمومهم اليومية كما سأفعل معهم بالضبط.

سأحدث الجميع عن نقاط ضعفي، أعترف لهم بمعدّل دخلي الشهري، وكمّ الخبرات التي حصلت عليها من قبل.. سأجيبهم عن سؤال أساسي ومحيّر وضروري ومهم للغاية.. اسمعوه جيداً: لم أنا مدير عليهم؟ ولم أستحق هذا المكان؟.. أليس من حق الموظفين أن يصبحوا مدراء يوماً ما؟ كيف سيعرفون الطريق إلى روما بغير خارطة دقيقة لروما؟

المهم أن أكون عادلاً.. لا لا.. نحن في عصرٍ سهل للغاية.. المهم ألّا أعيق عدالة القانون.. هناك آلاف القوانين الرائعة.. نوقّع عليها جميعاً، ونقسم أن نتعامل من خلالها.. وهذا ما لا يحصل في غالب الأحايين.. لذا، يكفي أن أطبق عدالة القانون "العادل"، الّا أكون عائقاً أمامه، وأن أضع نفسي محلّ أصغر موظف.. لم يتوجب على أحدهم ترك أسرته في أوقات العيد بينما يعيش المدير السعيد أيام العيد كلها مع أسرته السعيدة؟ أليس هذا مناط الظلم وسيده وذروة سنامه؟ أنا شخصياً، سأكون مثلي مثل غيري، وعلى ذات الوتيرة يمشي الجميع.. سأحمل ما يحمله الموظفون، هذا خير لي من أوزار قد أحملها يوم القيامة وإني لا أطيق لهذا صبراً..

سيبدأ الصيف، وستعود الأيام الجميلة كما كانت وأكثر، إنها صيرورة الحياة، سيأتي مدير ويرحل مدير، يعيش مدير ويموت مدير.. إنما الأيام دول والحروب سجال، وهذا القانون الذي على الرفّ يستحق قليلاً من التعبير.. وحسبي أني سأفعل كل هذا.. أن ما من مدير، سيقبل مديراً على شاكلتي، فدعونا نحلم معاً.. لعلّي أصير مديراً.. لعلّي أصير مديراً!!

المصدر: (هافنغتون بوست)