وفروا نصائحكم.. أنا راضية بشكلي ورائحتي

بالعربي_كتبت: سندة بويحيى

شيِّد بيتاً في داخلك واسكنه، رتّبه كيفما تشاء، واختَر أثاثه بنفسك، دعك من هذا العالم المهترئ، فما عاد قادراً على إيوائنا. أترى هذا التراب الذي خلقنا منه؟ إنّ كلّ ما فوقه أيضا تراب.. ستدهشك ناطحات السحاب والواجهات البلورية، ستدهشك السيارات الفخمة، ستدهشك السلع المعروضة وسيغريك المال، ستظن أن هذا العالم مكان رائع وكل ما فيه لك، سيجتهدون في إقناعك أنهم في خدمتك، ادفع لهم كثيراً من المال وطب عيشاً، ستتخبّط في الديون وقد تورثها لمن بعدك أيضاً، وستعيش ثم تموت وقد نسيت أن تحيا، وفي عبادتك للدنيا قد تنسى أن تعبد الله، ثم تسأل ماذا قدمت لحياتي؟

إنّ الحياة في هذه السنوات العجاف قد باتت صعبة جداً، يجب عليك أن تحمي نفسك من شرور نفسك ومن شرور الإنس في آن، الضجيج كثير، والرؤية منعدمة، وسط ضباب البشر... تريد أن تعبد الله ويريدونك عبداً لهم، تخرج من بيتك فتلاحقك الإعلانات التجارية حيثما ولّيت وجهك، لا يستحون في إخبارك كم أنت أشعث وأغبر؛ لأنك لا تستعمل ذلك النوع من الشامبو، ويخبرونك أن عدد الجراثيم في يدك يقدر بعشرات الآلاف؛ لأنك لا تستعمل صابون "ديتول"، وتلك الفتاة على الصورة تشزر لكِ وهي تضع آخر ما صدر من أنواع العطور، فتقول كم أن رائحتك كريهة من دونه، تجد سلعاً أخرى لا يخطر لك أنهم قد يجرؤون على عرض صور لها. تخفض بصرك وتستغفر ربك وتمضي.

تحثّ الخطى، تريد مكاناً يعترف بك كما أنت ولا يملي عليك ما يجب أن تكون، يصرّون على ملاحقتك أينما ذهبت، إعلانات في كل مكان ولكل شيء.. أنت غبيّ؛ لأنك لا تتمتع بآخر ما صدر من عروض الإنترنت ولا تمتلك أحدث منتجات "آبل"، أطفالك لا يتغذّون جيّداً ويعانون من نقص الكالسيوم والفيتامينات؛ لأنك لم تشترِ بعد مشروب العصير مع الحليب، يفتقدون للطاقة الضرورية لنبوغهم؛ لأنك لا تشتري البسكويت المحشو بالكِريمة والمغلف بالشوكولاتة، أما أنتِ فعليك أن تفعلي بجسدك الويلات حتى تشبهي العارضات وتلبسي ما يعرض من الموديلات.

يحدّثونك عن المرأة وضرورة الوعي بعدم تهميش دورها فيالمجتمع ثم تجدها أول طُعم يستخدمونه لبيع سلعهم... حسناً لماذا أقول "طُعم"؟ من حقّها أن تمارس دورها في التسويق إلى مختلف المنتجات، ما العيب في ذلك؟ العيب هو أن تلزمها على ارتداء تنورة قصيرة وقميص أبيض شفاف وحذاء أحمر وأن تطلي وجهها بالألوان الفاقعة كي تجلب الزبائن . من الذي يهمّش دور المرأة إذن؟ لا يرون فيها سوى جسد ثم يحدثونك عن المرأة عقلاً وفكراً. ربّاه! كيف تقدر هذه المخلوقات على تصنع كل هذا الزيف؟!

لا يبخلون عليك بالنصح كي تؤمّن على حياتك في بنوكهم وتضمن مستقبل أبنائك من بعدك، يضعون صورة الجد والجدة يحضنان أحفادهما وأبناءهما، ومن خلفهما منزل فخم وعشب أخضر ومسبح وسيارة فاخرة وهم يبتسمون ليخبروك كم أنّهم سعداء. لك أيضاً أن تقّرر أي المدارس والجامعات الخاصة تختار وأنت في الشارع، يعلقون صوراً لطلبة مبتسمين يحملون كتباً كثيرة بين أيديهم، وجوههم ناصعة وملابسهم جديدة وأسنانهم بيضاء.

تبحثين عن فستان زفاف؟ ستجدين كل الفساتين معروضة أمامك في الشوارع أيضاً مع مختلف التسريحات وأنواع" المايك أب" وكل ذلك ببعض آلاف الدينارات فقط.. فقط من أجل بعض سويعات أو دقائق تعرضين فيها نفسك للجميع أنتِ أيضاً... مهلاً ما الغريب في الأمر؟ عفواً، نسيت أن الأمور تسير كذلك طبيعيّاً، عفواً نسيت أنكم تبيحون كلّ شيء يوم تتزوّجون...

يوهمونك أن العالم قرية صغيرة، منتجات إسرائيل تأتيك حيث أنت أينما كنت. يوهمونك أنّ العالم صغير جدّاً؛ لأنهم يراهنون على غبائك، فأنت لا تتخلّى عن "الكوكاكولا" و"البيبسي" وبطاطس "ليز" المقرمشة وبسكويت "أوريو" وجبنة "كرفت" و"بيتزا هت" و"ماكدونلدز" وغيرها. نعم هو قرية صغيرة جدّاً؛ لأن استعمارنا سهل وهيّن جدّاً عليهم. صغير جدّاً حتى إننا كلّما استفقنا على مجزرة جديدة نغضب ونعربد ونصرخ أنّنا قادمون أيها الأقصى ولا نصل أبداً.

أجيال وراء أجيال تبنى على التناقضات ولا تفهم نفسها أبداً، إلى متى سنبقى في أدنى مستويات الحياة فكرياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً وثقافياً؟ إلى متى ونحن تائهون طالحون؟

اغضض بصرك عنهم جميعاً، ارفعه إلى السماء، ولِّ بوجهك عنهم وابحث في داخلك عن نفسك، أنت بذرة جيّدة جدّاً فلا ترمي بها وسط القمامة، لا تترك التيّار يجرفك، لا تدعهم يقنعونك بأنك لم تعد صالحاً لتتغيّر أو لتغيّر، اعتنِ بذاتك ولا تسمح لها بأن تتعفّن، لا بأس في انهزامك ولا بأس في بكائك، المهم أن لا تتنازل عن حقّك في المقاومة.. قاوم!

نقلا عن هافنغتون بوست