أخيرا… وداعا للشيخوخة

بالعربي- بروين حبيب: 

: القائل إن «الحاجة تولّد الهمة» لم يخطئ، فها هي أول امرأة في التاريخ تصغر عشرين سنة وتشرق بشباب دائم على العالم. الخبر ليس كذبة سينمائية ولا ترويجا لنوع من الكريمات التي تساعد على تغذية البشرة لإبعاد الشيخوخة عنها، إنّما الخبر أصبح حقيقة علمية جرّبتها الدكتورة إليزابيث باريش مديرة مؤسسة «بيوفيفا» الأمريكية على نفسها، من خلال تطوير طريقة بالعلاج الجيني لتحافظ خلايا الجسد على شبابها.

هذا الاختراع يبدو هزّة كبيرة لكل شركات تصنيع الأدوية المقوية والفيتامينات وكريمات الوجه واليدين وما شابه، لأن العلاج الجيني يحقق في ظرف قياسي استرجاع الشخص لشبابه ولتذهب الحبوب الكيميائية والأدوية التي لا نعرف ما تحتويه من سموم إلى الجحيم.

نعم… في الوقت الذي تموت فيه نساؤنا كمدا، وبعضهن يباع في أسواق النّخاسة والبعض الآخر يباع في أسواق مخملية تحت عناوين مختلفة، فإن المرأة في الشق الآخر من الكرة الأرضية تنطلق بحثا عما يسعدها ويسعد من حولها.. بالطبع عندنا نماذج منهن، ولكنهن يضيعن الكثير من الوقت للقتال من أجل الاستمرار في مشاريعهن وتحقيق طموحاتهن.
لعل إليزابيث باريش لا تشبهنا نحن العربيات في الظروف المحيطة بها، ولم تتقبّل يوما أن الشيخوخة قدر، بقدر ما يمكن أن تكون مرضا يمكن معالجته، لكنها تشبهنا في أحلامنا ورغبتنا في أن نظل جميلات، رغبة فازت في النهاية حين حقنت نفسها بعلاجها الذي آمنت به، وأعادت إلى الأذهان الشرقية، حتى إن لم ينتشر الخبر في الإعلام العربي كما يجب، خبر فاتنة الشرق كليوباترا هي التي كانت أول امرأة اعتنت بجمالها واستفادت منه سياسيا، فقد حدث أنها رفعت سلاح الجمال في وجه أعدائها وجعلتهم يركعون.

النتيجة…؟

حين ينشغل الرجال بحروبهم هنا وهناك تفاجئنا سيدة جميلة اسمها إليزابيث بإكسير الحياة.. والآن هل سيصبح هذا العلاج الجيني العجيب سلاحا لنشر المحبة والسلام وحماية البشرية من كل البشاعات؟ أم أننا سندخل مرحلة جديدة من القتال من أجل البقاء على هذه الأرض لأطول مدة ممكنة، قد تكون مرحلة « تيرمينايتور» الذي يقاتل ليحصل على الدواء وحده؟

في الرّابعة والأربعين من عمرها، أي أنها تقف في منتصف العمر تماما، وكل الأبواب حولها تنفتح على الشيخوخة حين قرّرت أن توقف زحفها عليها وتبقى جميلة.

ولا أدري إن فكّرت في الموعد الأول الذي تلقت فيه أول جلسة علاج الذي صادف الخريف الماضي (سبتمبر/أيلول 2015)، ثم بعد جلسة ثانية ها هي النتائج تزهر في ربيع 2016

تراها الصدف المحضة؟ أم هي رسالة قدرية أخرى اختار لها الله واحدة من عباده المثابرين والمؤمنين بالمواهب التي يمتلكونها؟ تحديدا لا إجابة لديّ، فعالمنا اليوم يعج بالمؤمنين وأشباه المؤمنين والتكفيريين والملاحدة والعلمانيين، الذين لا تعنيهم أفكارنا القدرية بقدر ما يعنيهم العلم ماذا يقول، ولا أحد يعطي الجواب الشافي فعلا لما يخرج من المختبرات العلمية ولا من أفواه الشيوخ ورواة القصص. كل ما يحدث أمامنا برضانا أو بغير رضانا إن لم يستطع البعض إيقافه فهذا يعني أننا يجب أن نتعامل معه بالمنطق والعقلانية، أما الباقي فلا يهم.

شجاعة هذه الأمريكية لا تتمثل فقط في خضوعها للتجربة، بل أيضا لتقبل النتائج كيفما كانت، وإن كانت بين فصلين أصبحت شابة في العشرينيات، فنحن لا نعرف ماذا ستحدثه الجينات المعدلة في جسدها، لكن في كل الحالات فإن مغامرتها هذه تخدم البشرية جمعاء، وإن نجحت – واحتمالات نجاحها كبيرة جدا ـ فإننا سنقول لكل أمراض الشيخوخة وبشاعتها وداعا.
في رواية قديمة قرأتها ونسيت اسم مؤلفها أتذكر مقولة: «الشيخوخة هي الجحيم بالنسبة للمرأة». فيما شيء مشابه قالته صحافية فرنسية لا يتذكرها كثيرون، اسمها سيسيل في، وردت مقولتها هذه في رسالة مطولة طبعت في كتاب وجّهتها لوالديها: «الشيخوخة هي أسوأ الأمراض المزمنة». وهذا صحيح، وأؤكده من خلال معايشتي لكبار العمر في العائلة.
حرقة الشيخوخة نشعر بها حين تطول، ونعيشها بكامل وعينا، وحرقة أخرى في وهمنا ومشاعرالخوف التي تنتابنا حين نتخيّلها في أبشع حلّة وهي تخطف قدراتنا بالتتالي.

أما هل تخيفنا نحن النّساء أكثر من الرّجال؟ فهذا ما أراه متساويا، لكن في هذه اللحظة يظهر لي، أن الرّجل يرتعب من الشيخوخة إذا ما لاحت في رأسه فكرة العجز الجنسي، التي تظل من أقسى أعراضها، مع أن ما يخيفه أيضا كان ولا يزال المغامرة بتجربة أي دواء لتنظيم النسل على جسده. ولنتذكر أن «ثورة حبوب منع الحمل» ظلت حبيسة الجسد الأنثوي إلى أواخر القرن الماضي. والأسباب عديدة عدا الخوف من «حبة الدواء الصغيرة» فالرجل بإمكانه أن يطلق رجليه للريح ويهرب من كل مسؤولياته، فيما المرأة يخونها جسدها في الغالب، كما تخونها عاطفتها عند ولادة طفل. لب الموضوع ليس هنا في الحقيقة، فالخوف من الشيخوخة مرتبط في الغالب بثقافة المجتمعات. هناك من يشيخ في الخمسين، وآخرون في الأربعين، والبعض الآخر في السبعين…

وقد طغت فكرة «الشباب شباب الروح» لفترة، ولعلّها العلاج الأول الذي ابتكره الإنسان للتغلب على مخاوفه التي توهم الشخص بإصابته بمرض الشيخوخة بمجرّد ملامسته لرقم معين، والخيط الذي أوصل آخرون للإبقاء على شبابهم لأطول مدة ممكنة. البعض مثلا يعتبر يوم التقاعد يوما تعيسا، تنتهي فيه صلاحيته، ويتحضر فيه لتوديع رفاق العمل والبحث عن مقهى يقضي فيه أوقات الفراغ الطويلة التي ستواجهه. عند البعض الآخر هذه المرحلة رحلة جديدة من رحلات العمر مخصصة للسفر، والمتعة، والاستجمام وابتكار لقاءات تفيد من هم أصغر سنًّا كالأحفاد وذوي الحاجات لذلك.

حتى في البيئات الفقيرة هناك أناس إيجابيون لا تقهرهم الشيخوخة الجسدية والتجاعيد التي تهاجم الوجه والشعر الأبيض وأوجاع الروماتيزم ومتاعب أخرى، هناك من يجد دوما نافذة لجعل حياته وحياة من حوله سعيدة. وهناك من يشيخ باكرا، ويحرم نفسه من متع كثيرة، حتّى أنه بتحولاته المبكرة تلك لسلك طريق وعرة مختلفة عن درب عمره يعكِّر صفو حياة كل من حوله، كمن يفرض على عائلته أن تتحضر للقبر بجميع أفرادها.. هذا النموذج حقيقي ومنتشر بكثرة عندنا، حتى أنه يقفز أمامك من دهاليز الشبكة العنكبوتية ليصوب فوهة مسدسه نحوك، يهددك بالموت إن لم تغير خطابك الذي يدعو للحياة والمحبة والسلام بخطاب التّفاني في الموت والتّعثُّر بالأكفان وكل المقولات التي تحوّل الكائن الحي إلى شبح وتحوّل أوطاننا إلى أطلال مخيفة. شيء واحد بعد هذه اللمحة بشقيها سيستوقفنا طويلا، إن كانت معالجة الشيخوخة اليوم ممكنة، وإطالة عمر الشباب ممكن، فأي أمل بقي لمصاصي الدماء والأرواح وآلات الموت؟

أعتقد أن الربيع على الأبواب ولا بأس إن أطلّ علينا عبر عيون الأمريكية إليزابيث.