من في القدس إلا الجميع!

بالعربي: كتبت: هنادي العنيس

الكل هنا، جميع الأعمار، الملامح التي لا تشبه إلا جذورها، الطبقات التي منها ما يميز زيت الزيتون المقدسي الأصيل وآخرون يطربون لرنة الكريستال الحجري ومزاياه، لكنات كثيرة، يسهل عليك تمييز جنسية صاحبها، حتى الأحلام هناك لها هوية خاصة تختلف عن رائحة المكان!

شهدت فلسطين منذ الأزل صراعات عدة، لم تهدأ تلك المنطقة يومًا، وقد أتقن المسلمون التعامل مع الأزمات، هذه الحقيقة التي لا يتقبلها البعض ولا يصدقها الآخر، لكنها حدثت على أية حال، والتاريخ يشهد، فمنذ زمن عمر بن الخطاب، حيث سبق وظهر نتائج ذلك بوضوح في الحرية والمساواة التي منحتها العهدة العمرية لأهل فلسطين آنذاك، وهذا يدل في نهاية الأمر أن فلسطين بلاد تتسع الجميع!

واتبعه صلاح الدين الأيوبي الذي دفعه التاريخ باستمرار إلى الأمام، حيث كانت سلسلة من الأحداث التاريخية التي وقعت وقتها هي التي مهدت له أمور عدة، لكن المفتاح هو أن هذا يحدث لكثير من الأشخاص ولكن يفشلون!، في حالة صلاح الدين لم يفشل. وقد نقل المؤرخون قوله “نظفنا الأوساخ، ولا حاجة للانتقام” بعد فتحه الأول، ومشاركته في تنظيف المسجد الأقصى بماء الورد.

وأنا هنا لا أمجد الشخوص بعينها، بل مواقف أصحابها، ومشى على هذا الأساس في البدء عمر بن الخطاب، ولحقه صلاح الدين الأيوبي، حيث كانت أول خطوة نحو إقامة مجتمع متعدد الأديان والثقافات هو التعرف على التنوع والتعددية والاعتراف بهما لتبدأ عملية التغيير وطريقة التفكير والتعامل مع هذه القضية الجوهرية.

وهذا يؤكد أن إقليم فلسطين الفريد هو المكان النموذجي الذي يمكن أن تعيش فيه هذه العائلة البشرية الواحدة معًا. فما كان من صلاح الدين إلا الاعتراف بالآخر بالمحافظة على كرامة البشر وممتلكاتهم، كما منحهم عمر بن الخطاب الأمان والأمن والحماية لأنفسهم وأموالهم.

وقد شهدت العديد من مناطق القدس أحياء خاصة لجماعات تعتنق أديان أخرى غير الإسلام، فيما آمنوا معتنقيها بحق الأرض وعودتها لأصحابها، مطالبين العيش هناك ومتفقين بشرطهم الأوحد في أن تحكمهم السيادة العربية الفلسطينية، ولعل أبرز هذه الجماعات، جماعة ناطوري كارتا من اليهودية و مناصري المطران حنا عطا الله الذي نادى في أوائل 2012 بوثيقة تهدف إلى مخاطبة الغرب وخصوصًا الكنائس الغربية من أجل الدفاع عن القدس والقضية الفلسطينية

وطالب من خلالها المجتمع الدولي بوقفة حق تجاه ما يواجهه الشعب الفلسطيني من ظلم وتشريد ومعاناة وتمييز عنصري طيلة 67 عامًا، وقال في الوثيقة إن الاحتلال العسكري لفلسطين خطيئة ضد الله والإنسان لا تغتفر إلا بالسلام العادل وتحقيق المساواة.

وبعد أن تعيد قراءة التاريخ اليوم، تتأكد بذاتك أننا لم نبدأ يوما، لقد دافعنا عن أنفسنا بكل ما نملكه، ولاحظ أننا لم نكن نملك شيئًا، حتى دفعنا الثمن وحدنا، لقد تركنا الجميع، كتبوا عنا ما لا يشبهنا، وألصقوا بنا ما لا نجيده، ثم قرروا اقصائنا حتى آخر الأرض.

وهنا تعبث في خطوط يدك، وأنت تسأل نفسك مرة أخرى قبل الموت الأخير، “إن لم نكن نحن، فمن في القدس إذن؟”