“ايلان”.. وكارثة اللاجئين السوريين

بالعربي_كتبت ريم خليفة :  سيطر خبر اللاجئين السوريين إلى القارة الأوروبية على مختلف وسائل الإعلام، وذلك بصورة مكثفة ودون توقف خلال الأسابيع الثلاث الأخيرة. وأيضا بعد أن ضاق ذرع تحمل هذه  الحشود الكبيرة في الدول المجاورة لسوريا لتفتح الحدود قصدا من اجل الخروج . بينما استغل تجار البشر عمليات التهريب والتسلل. لتبدأ رحلة الموت  عبر القوارب ، فمنهم من ينجو ,ومنهم  من يلقى حتفه في البحر مثل الطفل ” ايلان”.هذا الطفل السوري الذي أبكت صورته العالم وعكست حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها سوريا من جراء حربها الداخلية منذ أربعة أعوام.

والد الطفل  قال انه ” لا يحمل أحدا مسؤولية ما حدث وانه سيظل يدفع ثمن ذلك طيلة حياته لكنه طالب الحكومات العربية  وليس الدول الأوروبية  أن ترى ما حدث  وان تساعد الناس″.
كلام والد الطفل ” ايلان” التي أثارت  صورته  لدى نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي،  ومن ثم على الصفحات الأولى للعديد من الصحف الأوروبية ،  قد شكلت  صدمة حقيقية وموجة تأثر في العالم، اذ كان ” ايلان” ضمن مجموعة من المهاجرين السوريين الذي غرقوا  في البحر عندما انقلب  بهم زورق  يقلهم من شواطىء بودروم التركية الى جزيرة كوس اليونانية وكان بين الغرقى شقيق ايلان غالب ، ووالدته ريحانة، وقد تم دفنهم جميعا امس الاول ( الجمعة) في مقبرة كوباني بتركيا  بحسب التقارير الصحافية.
” ايلان” الذي انزلق من بين يدي والده بعد ان انقلب القارب وتفرق أفراد الأسرة بسبب الظلام الحالك كانا ينويان الهجرة إلى كندا بسبب اشتداد الحرب في منطقة كوباني وهربا من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش”.
صورة هذا الطفل التي أبكت العالم كان بمثابة صحوة ضمير والالتفات إلى حجم الكارثة الإنسانية  في سوريا  بل وإشارة تحذيرية للجميع ليس فقط لدول الاتحاد الأوروبي ولكن حتى لحكومات الدول العربية وبخاصة الخليج أن يكون لها يد في خلاص السوريين وأطفالهم الذين يعيشون دون أمان. وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء التركي احمد داوود  اوغلو بالقول ” إذا لم يكن الأطفال السوريين يعيشون بأمان في منازلهم، فان أطفالنا في أنقرة وباريس ولندن ونيويورك أيضا لن يكونوا بأمان”.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها اوغلو في أنقرة أمام اجتماع قمة الأعمال الخاصة ب ” مجموعة العشرين ” امس الاول معبرا وبقوة عن رغبته الشديدة في توجيه نداءا إلى قادة  العالم قائلا : ” أدعو القادة السياسيين جميعا والمثقفين  والمسئولين المعنيين الذين يقضون إجازاتهم حاليا في مكان الاصطياف، للتفكير في وضع اللاجئين”.
هذه الدعوة التي أطلقتها تركيا  تستدعي بضرورة وجود التنسيق بين الدول الأوروبية وحتى العربية ، ولكن حتى ذلك لا يبدو واضحا خاصا في ظل المفارقة بين  القوانين المتعلقة بحقوق الانسان واللاجئين في دول الاتحاد الاوروبي  في مقارنة ما هو غير متوفر في الدول العربية. صحيح انه بعد تخطي رحلة الموت في بحر المتوسط  تبدا رحلة السير باتجاه دول البلقان والنمسا من اجل الوصول إلى ألمانيا والسويد أكثر الدول الحاضنة للاجئين السوريين. الا ان هذه الرحلة توقفت بعد اعتراض المجر ودول اخرى من السماح للاجئين باستمرار رحلة اللجوء خاصة في ظل ارتفاع الاصوات المعارضة لوجود المهاجرين الاجانب وغيرهم في مختلف الدول الاوروبية لاسيما من احزاب اليمين المتطرف.
ألمانيا والسويد اعلنتا انهما لديهم طاقة لاستيعاب هذا العدد من اللاجئين وانهما لا يستطيعا تحمل هذا التدفق الكبير بينما دول أخرى في منظومة الاتحاد الأوروبي تبقى عاجزة عن استقبال اللاجئين و هي واقعا كثير من رعاياها يفر بحثا عن العمل والمأوى في دول  مثل بريطانيا وألمانيا كما هو حال البولنديين ورعايا دول منطقة البلقان التي تعيش اغلبها تحت وطأة أوضاع اقتصادية متدنية أو متذبذبة فتكون دول أوروبا الغنية محطة الهجرة الأولى لهم.
إن حجم المأساة السورية هي نتيجة  السياسات الخاطئة التي لعبت باستقرار سوريا وأوصلت حاله إلى كارثة إنسانية لا يمكن أن يقع عبئها على دول دون أخرى. فالمجتمع الدولي مسئول وتجاهل هذه المأساة يعبر عن استمرار صورة نمطية عن الإنسان العربي الذي هو الآن في الأخبار اليومية إما إرهابيا أو لاجئا. وان كانت دول الاتحاد الأوروبي  تطالب بترحيل المهاجرين فهي تتحمل وزر دعم السياسات الخاطئة  للمنطقة العربية وبنفس القدر الذي تتحمله الولايات المتحدة الأميركية مع بعض بلدان المنطقة  التي ساهمت بشكل كبير في قلب المعادلات ومهدت إلى تفاقم الوضع الإنساني في سوريا ولا تريد ان تكون شريكا يتحمل .
المشهد العربي اليوم يؤكد أن ليس للإنسان قيمة في مجتمعاتنا وهو اليوم أصبح حتى منبوذا في المجتمعات الأخرى التي ترفض استقباله رغم أن قوانينها لحقوق الإنسان في مقارنة بالدول العربية  التي لا  تعرف معنى ذلك ولا تطبقه بشكل حقيقي بعيدا عن الاستهلاك الإعلامي.
مسكين أنت ايها الانسان العربي فأنت ستبقى ضحية صراعات وحروب كثيرة لأجل إبقاء عقلية لا تؤمن بحقوق الإنسان ولا بنظام سياسي عادل. الإنسان العربي اليوم يقاوم مشهد البقاء من اجل الحياة والبحث عن أي مأوي يبقيه عائشا ويبقي ما تبقى له ولأبنائه. هذا لو بقى شيء من الكرامة والعزة والقيمة الإنسانية له ولأي إنسان يبحث عن الأمان  في وطن لا يسال عن دين أو مذهب أو عرق أو لون…فألف رحمة على ” ايلان” وغيره من ضحايا قوارب الموت في البحر المتوسط.