المغرب وايران.. العودة الى مربع الصفر

بالعربي_كتبت وفاء صندي :  بعد يوم واحد فقط من استقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس للسفير الإيراني الجديد بالعاصمة الرباط بعد قطيعة دبلوماسية دامت حوالي 6 سنوات، وفي الوقت الذي كان الجميع يتوقع أن يعود الدفء الى العلاقات المغربية/الايرانية، جاء تقرير وكالة “فارس للأنباء”، التابعة للحرس الثوري الإيراني، الذي تم فيه انتقاد السياسة الخارجية المغربية واعتبار المغرب “اسيرا للسياسات الصهيونية”، ناسفا بذلك  (التقرير) كل الجهود ومعيدا التوتر بين البلدين وربما يعيد معه علاقاتهما الى المربع صفر بعدما عبرت الحكومة المغربية عن رفضها للاتهامات التي جاءت في التقرير ورفضها لأي اساءة للمغرب  كيفما كانت نواياها فهي “مرفوضة، ومدانة، وغير مقبولة”.

العلاقات المغربية/ الايرانية التي طالما تميزت بالمد والجزر، قد سجلت انطلاقتها في مطلع الستينات من القرن الماضي، وكان حاضرا فيها البعد الشخصي بحكم العلاقة بين الملك الراحل الحسن الثاني والشاه “رضا بهلوي”، بحيث لم تقتصر على مستوى التمثيل الدبلوماسي فقط، بل تعدتها إلى التنسيق السياسي والأمني. وقد توجت هذه العلاقات بإبرام عدد لا بأس به من المعاهدات والاتفاقيات في شتى الميادين الاقتصادية والفلاحية والفنية.
لكن بعد انتصار الثورة الاسلامية التي نجحت في الاطاحة بنظام الشاه عام 1979، دخلت الدولتان مرحلة من التوتر الذي يسبق القطيعة، حيث اتخذ المغرب بداية موقفا مناقضا لنظام ايران الجديد، وفي عام 1981 ومع اعلان الرباط استضافتها للشاه الايراني تأزمت العلاقة بين ايران النظام الجديد والمملكة، ووقعت القطيعة، ثم أخذت ايران على المغرب مساندته للعراق في حرب الخليج الأولى، وفتوى العلماء المغاربة بتكفير الإمام آية الله الخميني.
ثم عاد الدفئ مرة اخرى سنة 1991، حيث قررا البلدان إعادة نسج العلاقات الدبلوماسية بينهما، لكن بقي المغرب متوجسا من طهران، خاصة فيما يخص سياساتها الرامية إلى نشر مذهبها الشيعي، وهذا ما لم تخفه المجاملات الدبلوماسية ومحاولات ترطيب الأجواء من خلال زيارات متبادلة أو دعوات للمشاركة في نشاطات دِينية وثقافية في البلدين.
وفي سنة 2009، وبعد تصريح أحد المسؤولين الإيرانيين بأن البحرين جزء من التراب الإيراني واعتبرها الولاية الإيرانية الرابعة عشر، اعتبر المغرب كباقي الدول العربية والاسلامية هذا التصريح تهديدا لأمن واستقرار واستقلال وسيادة البحرين، وذهب العاهل المغربي الملك محمد السادس في رسالة بعث بها إلى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، إلى وصف التصريحات الإيرانية بالعبثية، ثم أوفد وزير خارجيته إلى المنامة ليؤكد دعم بلاده لها، الشيء الذي لم يرق كثيرا لطهران التي سارعت باستدعاء محمد بوظريف، القائم بالأعمال المغربي بالنيابة، دونا عن باقي البعثات الديبلوماسية العربية والاسلامية في ايران والتي اتخذت نفس الموقف المغربي، لإبلاغه احتجاجا رسميا إيرانيا من الموقف المغربي. قبل ان يستدعي الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي السفير الإيراني لدى الرباط وإمهاله أسبوعا لتقديم توضيحات للموقف الإيراني، واستدعاء محمد بوظريف من طهران للتشاور. ومع متم الاسبوع اعلنت وزارة الخارجية المغربية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران احتجاجا على رد الفعل الإيراني، وكذلك بسبب “نشاطات ثابتة للسلطات الإيرانية، وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية بالرباط، تستهدف الإساءة للمقومات الِينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي، الذي يحميه جلالة الملك محمد السادس″.
بعد مقاطعة دامت قرابة الـ6 سنوات، تمت محادثات متتالية، على مدار السنة الماضة، بين مسؤولي البلدين أكدوا فيها على ضرورة استئناف العلاقات. وقد شارك المغرب بأعلى تمثيليته في مؤتمر لوزراء الاتصال في العالم الإسلامي الذي انعقد في طهران، بينما حضر المندوب الدائم لإيران لدى منظمة التعاون الإسلامي في المغرب، إلى الدورة العشرين للجنة القدس التي انعقدت في مدينة مراكش، قبل ان تتوج هذه الجهود والمساعي بتعيين إيران سفيرا جديدا لها بالمغرب، تحاول طهران من خلاله الانفتاح على محيطها في المنطقة، وتجاوز الخلل السابق في سياستها الخارجية، محاولة فك العزلة السياسية والاقتصادية عنها. اما المغرب الذي يحاول ايضا إعادة ترتيب توجهات دبلوماسيته من خلال الانفتاح على قوى دولية جديدة، فقد كان يطمح من عودة العلاقات مع إيران، الى تحقيق رقم صعب في معادلة العلاقات الدولية للمملكة، من خلال تنويع شركائه في العالم، ما يجعله وسيطا مطلوبا بين عدد من الدول، خصوصا الخليجية، التي لها علاقات متوترة مع إيران.
لكن جهود ومطامح البلدين تم نسفها بتقرير ربما سيعيد العلاقات، وفي وقت قياسي، الى مرحلة التوتر، مرة اخرى. لكن المؤكد ومن خلال السياق التاريخي للاحداث، ان العلاقات المغربية/ الايرانية لم تكن جيدة منذ انتصار ثورة ايران الاسلامية، بل طالما تميزت بالتذبذب والقلق في الكثير من الاحيان، وان كان المغرب يعتبر من أهم المناطق التي تحظى بالأولوية في السياسة الخارجية الإيرانية بالنظر إلى موقعه الاستراتيجي وكونه يعتبر مدخلا لنفوذ إيران في القارة الإفريقية، وتفرده بخصوصيات ثقافية وروحية تشكل اهتماما لدى اصحاب القرار في طهران، واهمها حب المغاربة لآل البيت وتعلقهم بالدوحة النبوية الشريفة، لكنها فشلت الى اليوم في ربط علاقات متينة معه.
وما صدر عن موقع وكالة “فارس للانباء” لا يعدو سوى كونه محطة اخرى من محطات التوتر التي ربما تكون مرتبطة هذه المرة بمشاركة المغرب في “عاصفة الحزم” في اليمن، او متصلة، كما اشار الى ذلك الدكتور والباحث في الدراسات الإيرانية، رشيد يلوح،  بطبيعة صراع المصالح بين مراكز القوة داخل النظام الإيراني، إذ يحتمل في هذه الحالة أن يكون سلوك الحرس نتيجة لصراعه الخفي مع حكومة حسن روحاني، والذي يسعى فيه كل طرف منهما إلى توجيه ضربات إلى الطرف الآخر، حيث أن إفشال استئناف العلاقات مع المغرب – في حال وقوعه – سوف يسجل باعتباره إخفاقا لحكومة روحاني في ملف السياسة الخارجية، او لأسباب اخرى ستكشف عنها الايام القادمة
لكن اي كانت الدوافع والاسباب، فالخاسر من هذا التقرير هي العلاقات بين البلدين التي بدأت متعثرة في الوقت الذي كانت الامال المبنية عليها كبيرة.