ألمانيا.. "فردوس اللاجئين"

بالعربي: في ساحة بوتسدام الشهيرة وسط العاصمة الالمانية برلين، يقف الشاب السوري سامر حائرا يجول بنظره بين المارة، ليختزل بهذه الحيرة البادية على قسمات وجهه الرحلة الشاقة التي مر بها حتى وصل إلى هذه المدينة.

يروي سامر الأهوال التي رآها وهو في البحر على متن قارب مهترئ سار به من شواطئ تركيا مع مجموعة من اللاجئين من سوريا والعراق، مشيرا إلى لحظات الجوع والبرد والصراع مع بحر هائج قذف بهم نحو شواطئ الحلم الأوربي.

ومحنة سامر ليست فريدة من نوعها، فقصص اللجوء ولحظات الرعب والموت التي مر بها المهاجرون باتت شائعة ومعروفة، ومع ذلك لا تتوقف "مواسم الهجرة إلى الشمال"، ففي كل يوم هناك أخبار جديدة عن مغامرين يمخرون عباب البحر ويجتازون الغابات الكثيفة والطرق الجبلية الوعرة وسط الخوف والبرد والجوع، ويخضعون لابتزاز وانتهازية المهربين والسماسرة.

يجتاز اللاجئون الكثير من المحطات في سبيل الوصول إلى ألمانيا، البلد الذي يتباهى بكونه الأكثر ترحيبا باللاجئين، وهي تعتبر الوجهة المفضلة للهاربين من مناطق الحروب والنزاعات، نظرا لما توفره من امتيازات لايمكن الحصول عليها في مثيلاتها من الدول الأوربية.

ولدى سؤال عدد من اللاجئين ممن استقروا في المانيا عن سبب اختيارهم لهذا البلد، تتعدد الإجابات والمبررات لكنها تجمع على أن ألمانيا هي "فردوس اللاجئين"، وهم يسوقون الكثير من الأمثلة تؤكد تلك المزايا المغرية التي توفرها ألمانيا.

وتتجلى مزايا الرعاية الألمانية للاجئ في الكثير من المجالات، كما يقول المحامي السوري جلال محي الدين الذي استقر مع اسرته في برلين بعدما دمر منزله ومكتبه في مدينة حلب شمال سوريا التي تشهد اشتباكات عنيفة بين فصائل معارضة مسلحة وبين الجيش السوري.

ويضيف محي الدين أن هذه المزايا تتجلى في التعليم وتوفير الضمان الصحي والسكن اللائق، ناهيك عن سهولة اجراءات الحصول على الإقامة، وكذلك التسهيلات الممنوحة لمن يرغب في الحصول على جنسية البلد بعد سنوات قليلة من الإقامة.

ويعزو بعض المحللين هذا الترحيب الألماني باللاجئين إلى شعور بالذنب يعود إلى حقبة ألمانيا النازية.

لكن قد تبدو هذه الرؤية مثالية، فالسبب الرئيس لهذا الانفتاح الألماني هو أن القادمين يساعدون في ملء فراغ كبير في العمالة أصحاب المهارات جراء الشيخوخة السريعة في السكان.

ورغم ذلك لا يمكن اغفال العامل الرسمي، فالائتلاف الألماني الحاكم تولي مسألة اللجوء أهمية قصوى، وهي تناضل في البرلمان لأجل تكريس ثقافة الترحيب بالآخر المختلف.

وتتغاضى ألمانيا عن بعض القوانين التي تعرقل اجراءات اللاجئين قبل الحصول على الاقامة، كما ان الجهات الرسمية طالبت الإدرات المعنية بمنح اللجوء بالابتعاد عن البيروقراطية وسرعة البت في قضايا اللجوء.

ولا يوجد لاجئ إلا وسمع باتفاقية دبلن التي تقف عائقا أمام اللاجئين، فهي تقضي برفض منح اللجوء للشخص الذي لديه بصمة في دولة أوربية موقعة على هذه الاتفاقية، ويحق لألمانيا، عندئذ، إعادة طالب اللجوء إلى الدولة التي بصم فيها سواء كانت بلغاريا أو رومانيا أو هنغاريا او إيطاليا، وهي الدول التي يمر بها اللاجئ في رحلته نحو ألمانيا التي لم تعد تكترث بتلك البصمة، إذ يتغلب الجانب الإنساني على البعد القانوني.

وأثارت قضية الهجرة في ألمانيا جدلا راح يتفاقم خصوصا بعد ازدياد اعداد اللاجئين القادمين من العراق وسوريا وأفغانستان، وبلغ إجمالي أعداد المهاجرين إلى ألمانيا 429 ألف شخص في عام 2013.

وكشف استطلاع للرأي نشرته صحيفة "دير شبيغل" أنه بالرغم من أن الألمان يمكنهم أن يروا فوائد في الهجرة، فإنهم يعتقدون أنها تمثل ضغطا على نظام الضمان الاجتماعي وتسبب مشاكل في المدارس وتخلق توترات اجتماعية.

لكن موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل واضح في هذا الشأن، فهي حسمت الجدل عندما قالت قبل اسبوع: يجب علينا أن نوفر الرعاية للعدد الكبير من المهاجرين الذين يأتون إلى ألمانيا حاليا".

ونجح أحدث الأحزاب الألمانية السياسية وهو حزب "البديل من أجل ألمانيا"، والذي يدعو إلى تشديد القيود على الهجرة، في جذب أصوات من حزب المحافظين الذي تنتمي إليه المستشارة ميركل وأيضا من شريكه الأصغر في الائتلاف الحاكم الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

وأشعلت حركة  "بيغيدا"، بدورها، المشاعر المناوئة للهجرة، وجذبت مظاهراتها الأسبوعية في مدن مثل دريسدن الآلاف من المؤيدين، لكن الحركة لم تنجح في الحصول على دعم كبير خارج مقاطعة "ساكسوني" الشرقية، لكنها نجحت في تأجيج النقاش العام بشأن الهجرة.

والمفارقة أن طالبي اللجوء لا يقتصرون على الهاربين من العنف المستفحل في الشرق الأوسط، فهناك أعداد كبيرة تأتي من دول أوربية مثل بلغاريا ورومانيا ومن البانيا هربا من حياة الفقر والبطالة، وهو ما يزيد العبء على ألمانيا التي تعتبر قوة اقتصادية كبرى في اوروبا والعالم.

ويرى سياسسيون ألمان أنه إذا توافرت دورات تعليمية أفضل في اللغة والاندماج، فإن سوق الوظائف في البلاد يمكنها أن تستفيد من طالبي اللجوء الذين تلقوا تعليما جيدا، مؤكدين أن المهاجرين أصحاب المهارات العالية، يمثلون عاملا مهما لمستقبل ألمانيا.

يشار إلى أن ألمانيا تقع وسط أوروبا، وهي تتمتع بنظام اتحادي فيدرالي، إذ تنقسم إلى ستة عشر إقليماً اتحادياً يتمتع كل منها بسيادته وحكومته المحلية الخاصة.

وتبلغ مساحة ألمانيا 357 ألف كلم مربع ويبلغ عدد سكانها نحو 82 مليون نسمة، وهي تعتبر الدولة الأكثر عدداً وكثافة بالسكان بين دول الاتحاد الأوروبي.

ابراهيم عبدي /شبكة ارم الاخبارية