الضربة الأكثر إيلاماً لـ«النصرة» مقتل كبار قادة الجبهة

بالعربي: الضربة الموجعة التي تلقتها «جبهة النصرة» في ريف إدلب، وأدّت إلى مقتل عدد من قادة الصف الأول فيها، وما زالت الشكوك تحوم حول وجود زعيمها أبي محمد الجولاني بينهم، يمكن وصفها بـ«المجزرة القيادية» والاختراق الامني الاكبر الذي يصيبها منذ نشأتها.

وفي سيناريو يذكر بالعملية الغامضة التي أودت بحياة العشرات من قادة «حركة أحرار الشام» في رام حمدان بريف إدلب قبل أشهر، تكرر المشهد مساء أمس مع «جبهة النصرة»، حيث أدّى استهداف مقر كان يضم اجتماعًا لقيادات من الصف الأول، إلى مقتل ما لا يقل عن عشرة من هذه القيادات.
وبحسب المعلومات التي رشحت فإن المقر المستهدف كان في إحدى المزارع في بلدة الهبيط بريف إدلب، وكان يضم قيادات من الصف الأول والثاني، وهو من الاجتماعات القليلة التي تضم هذا العدد من القادة، الأمر الذي يشير إلى أهمية المواضيع التي كان من المقرر بحثها ودراستها.
وأدّت العملية إلى مقتل عدد من قيادات الصف الأول، عرف من بينهم القائد العسكري العام أبو همام السوري، واسمه الحقيقي سمير حجازي، وأبو عمر الكردي وهو من المؤسسين الأوائل في «جبهة النصرة»، وأبو مصعب الفلسطيني، وأبو البراء الأنصاري. وسرت شائعات حول مقتل زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني جراء هذا الاستهداف، لكن مصادر إعلامية مقربة من الجبهة نفت صحة هذه الشائعات، لكنها لم تَنْفِ أن يكون الجولاني موجودًا في مقر الاجتماع أو أن يكون أصيب جراء العملية.
وقال مصدر محلي في ريف إدلب، لـ «السفير»، إن استهداف الاجتماع لم يحصل مساء أمس كما أشيع، بل جرى قبل أيام عدة، وتحديدًا قبل تنفيذ «جبهة النصرة» هجومها الأخير على معقل «حركة حزم» في «الفوج 46» بريف حلب، لكن «النصرة» تكتمت على الخبر ريثما تنتهي من تنفيذ المهمة ضد «حزم». كما أكد المصدر أن هذه العملية ليست الوحيدة التي يتعرض لها أبو همام السوري حيث سبق له النجاة من قصف استهدف مقره قبل حوالي أسبوعين.
والمؤكد حتى الآن أن المقر الذي ضم الاجتماع استهدف بتفجير ضخم لم تعرف أسبابه وتفاصيله، وتضاربت الروايات حول ملابساته، حيث قال البعض إنه نجم عن غارة لطائرات التحالف الدولي، وهو ما سارع متحدث باسم التحالف إلى نفيه، مشيرًا إلى أن طائرات التحالف لم تنفذ أي غارة في ريف إدلب خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.
وأعلنت دمشق أنها تقف وراء الضربة. وأشار مراسل لوكالة الأنباء السورية ـ «سانا» في إدلب إلى مقتل أبو همام السوري «خلال عملية نوعية للجيش استهدفت اجتماعًا لقيادات «جبهة النصرة» في الهبيط بريف إدلب».
ويأتي الاستهداف الجماعي لقيادات «جبهة النصرة» بعد أقل من أسبوع على مقتل عدد من قادتها في جنوب سوريا، كان أبرزهم أبو عمر الأردني، أو كما كان يعرف بلقب مختار الأردني، والذي كان يشغل منصب القائد العسكري في الجنوب السوري، كما يأتي في ظل حملة كبيرة تعرضت لها «جبهة النصرة» خلال الأسابيع الماضية شاركت فيها أطراف داخلية وخارجية للضغط عليها بهدف دفعها إلى فك ارتباطها مع تنظيم «القاعدة».
وبصرف النظر عن عدد القتلى جراء هذا الاستهداف، وعما إذا كان الجولاني من بين المصابين أم لا، فإن هذه العملية تشير إلى وجود ثغرات كبيرة في الجهاز الأمني التابع لـ «جبهة النصرة»، ومن غير المستبعد أن يكون اختراق بعض أجهزة الاستخبارات لها، قد وصل إلى صفوفها القيادية الأولى، لأن مثل هذا الاجتماع من حيث توقيت انعقاده ومكانه لا يعلم به إلا الأشخاص المعنيون والمسؤولون عن حمايتهم.
ويعتبر أبو همام السوري من أبرز المستهدفين في هذه العملية، ليس بسبب منصبه كقائد عسكري عام وحسب، بل بسبب خبراته المتعددة عسكريًّا وأمنيًّا والتي اكتسبها من القتال في أفغانستان والتدرب في معسكراتها المختلفة على فنون القتال، واسمه الحقيقي سمير حجازي، وهو شقيق الانتحاري «شامل الأنصاري» وسافر إلى أفغانستان بين العامين 1998 و1999، حيث التحق بمعسكر الغرباء التابع لأبي مصعب السوري لمدة عام، ثم انتقل بعدها إلى معسكر الفاروق، ومن ثم معسكر المطار لتدريب القوات الخاصة، وتخرج من المعسكر بالمرتبة الثانية بعد أبي العباس الزهراني أحد منفذي هجمات 11 أيلول في العام 2001.
وبايع السوري زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن مصافحةً، الأمر الذي يعتبر من المآثر ودليل ثقة بالشخص الذي يرشح لنيل هذه الحظوة، وعيّن مسؤولًا عن السوريين في أفغانستان، وشارك في معظم معارك «القاعدة» في تلك المرحلة.
وبعد احتلال أفغانستان من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، كلّفه مصطفى أبو اليزيد بعمل في العراق قبيل سقوط بغداد، حيث مكث فيها لمدة أربعة أشهر بتكليف رسمي من قيادة «القاعدة» في خراسان. والتقى خلال هذه الفترة بكل من أبي حمزة المهاجر، وهو «أمير القاعدة» في العراق قبل تأسيس «دولة العراق الإسلامية»، وأبي مصعب الزرقاوي.
واعتقلته السلطات العراقية وسلمته إلى السلطات السورية التي أطلقت سراحه لعدم ثبوت جرم بحقه. وبعد بدء «الجهاد» في العراق تسلم منصب المسؤول العسكري لمكتب خدمات «المجاهدين»، حيث كان الزرقاوي يرسل إليه «أمراء الجهاد» فيدربهم ويرجعهم إليه.
ومع حملة الاعتقالات في العام 2005، التي شنتها السلطات السورية ضد المتورطين بأعمال إرهابية أو الانتماء إلى تنظيمات متطرفة، هرب أبو همام السوري إلى لبنان ومنه عاد إلى أفغانستان بناء على طلب المشايخ هناك، حيث كلّفه عطية الله الليبي بعمل في سوريا يتبع لـ «القاعدة» مباشرةً.
وفي لبنان تعرض للاعتقال لمدة خمس سنوات، وبعد الإفراج عنه التحق بتنظيم «القاعدة في بلاد الشام»، ويشغل حاليًّا منصب المسؤول العسكري العام لـ «جبهة النصرة» بعد انشقاق مسؤولها العسكري السابق أبو سمير الأردني واختفائه عن المشهد وسط معلومات أنه قد يكون بايع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش».